• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : تفسير القرآن الكريم .
              • القسم الفرعي : تفسير السور والآيات .
                    • الموضوع : عطاء آية التطهير .

عطاء آية التطهير

سماحة الشيخ محمد العبيدان القطيفي

بعد هذا الحديث المفصل حول الآية الشريفة،وبيان أنها تختص بأهل البيت(ع)،وأن المراد بأهل البيت خصوص أصحاب الكساء الخمسة،والأئمة البقية.

كما بينا أن الإرادة في الآية إرادة تكوينية،قضت أن يكون هناك فاصل أبدي بين الأرجاس وأهل بيت النبوة،وأن هذا اللطف والتوفيق الإلهي الكبير جاء استجابة لطاعتهم واخلاصهم واستحقاقهم.

يصل بنا البحث الآن لتحديد عطاء الآية لأهل البيت،وسائر الأئمة(ع)، فماذا تريد الآية أن تهبهم وتخلع عليهم؟…

إن الإرادة الأزلية للبارئ تعالى التي قضت الفصل بين الأئمة الأطهار وجميع الذنوب والأرجاس، وحكمت لهم بالمزيد من الطهارة والنـزاهة،جعلت ذلك للنبي الأعظم محمد(ص) وابنـته العزيزة والأئمة الأثني عشر صلوات الله عليهم أجمعين،دون سائر الخلق.

ولما كان المراد لا يتخلف عن الإرادة الإلهية فهو متحقق لا محالة،فمن المؤكد أن ستجد هذه الثلة الطاهرة تـتمتع بروح عالية ونفس منيعة وصدر رحب يتسع للهموم والمشكلات،وقلب متقد وضاء مفعم بالعلم، خالٍ من موانع وحواجز إدراك الحقائق وفهم القرآن.

إنهم بعيدو المدى، مطلعون على خفايا الحوادث،واقفون على أسرار الدين ورموز القرآن وإشاراته،لا يقربون الفواحش ولا يدنون الأرجاس من حقد وبخل وحسد وجهل وشك وخرافة،لا يعتريهم شك ولا يأخذهم ضعف ولا وهن.

إذ يتمتعون بروح عالية وعظمة تنأى بهم عن القبائح والذنوب،بل تأبى مجرد توهم ذلك وقصده،إنها قلوب طاهرة مطمئنة لا تخفق إلا بحب الله ولا يخـترق سماءها ذرة من الهوى وحب الشهوات.

إن الأئمة(ع)يمثلون القمة في التسليم لله والغاية في الإخلاص له،وفي رحاب النبي والأئمة(ع)لا تجد للحقد والبخل والحسد محلاً،بل ما هي إلا الرحمة والرأفة بالناس،وكرم وعطاء لا يقف عند حدود، يهب البشرية الخير وهو يرسم لها طريق السعادة،ويحدد لها ما ينجيها،ويحقق لها الخلاص بما عرفوه ووقفوا عليه من علوم القرآن وأسراره،وما استلهموه من مدرسة الوحي والتنـزيل،فهم المعدون لهداية الناس وإرشادهم وتوجيههم وقيادتهم لسعادة الدارين.

إن الرسول الأكرم وآله الأطهار(ع)يمتلكون روحيات تحلق فوق القداسة والطهر،وهكذا عينات ونماذج طاهرة مطهرة هي التي يمكنها أن تأخذ بيد المجتمع وتقوده نحو الطهارة والسعادة.

إنهم من الطهارة بمكان لا يدنوه ذنب،ولا يقربه رجس،فلا تعلق بأذيالهم ذرة غبار من معصية،ولا تؤثر على أرواحهم النـزيهة، ولا شك في أن أمثال هؤلاء الرجال يسيرون بالأمة إلى الطهارة الفكرية والعملية.

إنها مشيئة الله سبحانه وتعالى،وإرادته التي قضت أن لا يعتلي عرش الفضيلة إلا (أهل البيت)،ولا يتربع على قمة المجد والطهارة غيرهم،فيتمتعون بالقلوب السليمة،التي تولى الله رياضتها والأنفس العالية التي تنعكس فيها الحقائق الربانية،ولا يعتريها شك ولا يؤثر فيها حدث مهما كبر وعظم.

إنهم العالمون بجميع شرائع وأحكام الدين،الواقفون على رموز التكوين،والمكنون من أسرار القرآن العظيم،لا لبس في حياتهم ولا إبهام ولا جهل،ولم يفسحوا الطريق لأدنى شك أو ريـبة لتحول بينهم وبين دوام إخلاصهم وتوجههم لباريهم الحي القيوم.

وهؤلاء هم(أهل البيت) فقط،الذين شاء الله أن يفصل بينهم وبين الذنوب والمعاصي والرذائل ووساوس الشيطان بمساحة شاسعة.

وهذا الفاصل هو الذي أمّن حصانتهم وحصّل لهم العصمة من الخطأ والزلل،فهم لا يزلون كي لا يزل المجتمع، ولا يتـزلزلون أمام الدنيا وزخرفها كي لا تـتزلزل أمة بكاملها.

هذا هو مفاد آية التطهير الكريمة،الذي جاءت به إرادة الحصر،وإطلاق كلمة(الرجس)، ومعنى تعلق إرادة الحق تعالى بإذهاب الرجس عنهم،وتأكيد الطهارة،على صورة جملة(ويطهركم تطهيراً).

من هنا يتضح السر وتظهر الحكمة الإلهية جلية في هذه الإفاضات الخاصة التي جعلت هذه الثلة المباركة تسبح فوق قمم الفضيلة والطهارة،وما هي إلا خطة وضعت لتحقيق نـتائج غاية في الأهمية،جعلت أهل البيت يـبدون على هذا القدر من الجمال والكمال، إنها مسألة زعامة المسلمين وقضية قيادة الأمة الإسلامية.

فما جعله الباري تعالى إلى (أهل البيت)من الطهارة والعصمة،وما سلحهم به من سعة الصدر وسلامة النفس وعظمة الروح،وزودهم به من علم بالواقع وبصيرة ثاقبة سيعود بالنفع على الأمة أولاً وأخيراً، وهو من أتم مظاهر لطف الله بهذه الأمة المرحومة،إذ منّ الله بهم علينا فجعلهم (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ).

فيغترف المسلمون من معين علومهم الزلال،وينهلون من فيض عدالتهم وكرمهم وطهارتهم، فيسري شعاعهم ويعم الأمة فترقى في طريق الطهارة والتقى،وتسلك درب السعادة الأبدية وتحقق لنفسها النجاة في الدارين،فتربية (أهل البيت) تربية للأمة وعطاء الله سبحانه الذي اختصهم به هو عطاء سيشمل الأمة ويعمها خيره،إن هي أحسنت وامتـثلت أمر باريها بإتباع سبيلهم وبقيت مسؤولية الأمة في الإتباع واستثمار هذا اللطف والعناية الإلهية التي وضعت هذه الخطة لقيادة الأمة وتحقيق خلاصها.

إثبات ولاية أهل البيت بالآية:

إن آية التطهير تـثبت ولاية(أهل البيت) وتقرر زعامتهم،بل هي بصدد طرح قضية الإمامة والزعامة ولفت الأنظار إليها،وإلا لما كان لإرادة الباري عز وجل أن تصب كل هذا الإهتمام وتولي كل هذه العناية،ولتوضيح هذا المطلب المهم نشير إلى أمرين:

 

الأول:لقد ذكرنا فيما تقدم أن أمير المؤمنين(ع) قد استند إلى آية التطهير في إثبات إمامته وحقه وصلاحيته في خلافة رسول الله(ص)في قصة السقيفة والشورى،كما أن الإمام الحسن السبط(ع) طرح الآية ولفت الأنظار إليها في أول مؤتمر عام عقد لإعلان خلافته.

وقال أبو عبد الله الصادق(ع)بشأن آية التطهير:نزلت هذه الآية في النبي وأمير المؤمنين والحسن والحسين وفاطمة(ع)،فلما قبض الله عز وجل نبيه(ص)كان أمير المؤمنين ثم الحسن ثم الحسين(ع)…فطاعتهم طاعة الله عز وجل ومعصيتهم معصية الله.

وقد تقدم نقل رواية الحلبي التي اشتملت على كلام الإمام(ع)حول الإمامة والولاية.

هذا ويستفاد من مجموع النصوص السابقة أن آية التطهير إنما كانت في معرض بيان حكم الإمامة والولاية، وأنها تـثبته لأهل البيت.

الثاني: قلنا فيما مضى أن مجموع الآيات التي تحدثت عن نساء النبي(ص)رسمت المنهج الذي يجب عليهن أن يعملن به،وأن آية التطهير التي تخللت تلك الآيات في مقام التدوين وضحت موقع أهل البيت(ع)،وهذه الصيغة الصريحة في البلاغ تعكس أهمية الموقف وخطورته،فمستقبل الإسلام يفرض أن تعلم زوجات النبي(ص)بتكاليفهن ويعملن ويتقيدن بها،وفي المقابل أن يعلم عموم المسلمين موقع(أهل البيت)وخصوصيتهم والدور المناط بهم.

إذن هذه الآيات كانت تلحظ وتضع خطة لمستقبل الإسلام،وهي تحسم أمر عائلة الرسول(ص)ككل في موقع واحد،فقسم عليه أن يـبقى في الخدر وراء الحجاب، بعيداً عن شؤون السياسة والدولة،وثلة خاصة أنيط بها حفظ الإسلام وقيادته وهداية المسلمين وإمامتهم،وقد أولاهم البارئ المدبر عز وجل المنـزلة الرفيعة وبلغ بهم حداً محيراً وعجيـباً من الطهارة والعصمة في سبيل أن يـبقى الدين منـزهاً عن الزلل والخطأ،بعيداً عن التلوث والإنحراف،الذي قد يلحقه به أدعياء الإمامة ومغتصبوا الخلافة من عبدة الشهوات.

وقد زودهم سبحانه وتعالى بصدور رحبة وهمم عالية وقلوب منيعة،ليتمكنوا من الإستقامة والصمود أمام ما ينـتظرهم من حوادث مرعبة،ومقاومة الأحداث القاهرة التي ستأتي على الإسلام والمسلمين،فلا ينـثنوا عن مسؤوليتهم ولا يستسلموا.

لقد حباهم الله علماً جماً وبصيرة نافذة ليمكنهم من الدفاع عن حياض دينه والنهوض بإحتجاجات ومخاصمات الأعداء ويردوهم على أعقابهم خائبين مفحمين،وبما يمكنهم من وضع منهج ديني متوافق مع مبادئ القرآن الكريم،وبوقوفهم على أسرار الوحي يمكنهم أن يحيلوا كل عسير من مشاكل الأمة سهلاً يسيراً،ويخرجوا الناس من متاهات الحيرة والأوهام إلى نور الحق والصواب،ويقدرهم الله سبحانه بما أطلعهم عليه من غيـبه من معالجة الحوادث والقضايا برؤية عميقة وبصيرة نافذة تحيط بالحيثيات الظاهرة والخفية،ليأمن الناس ويسكنوا إلى قيادة واعية تحقق لهم الأمن والإستقلال عن السقوط في مهاوي الغرباء والأجانب،والسلامة والحفظ من ويلات الجهل وعواقب الإنحراف،وينهلوا من العطاء المتجدد الذي يتجلى في كل عصر وفق مقتضيات الزمان بما لا يمس أصالة الدين ونقاء الإسلام المبين.

لقد نزههم الله وطهرهم من جميع الآفات النفسية والأغراض والأهواء،وحصنهم من جميع الأمراض الروحية والأخلاقية حتى لا يسري شيء من هذه الأخطار إلى الأمة ويجرها إلى الفساد فيضمحل الإسلام وتزول الشريعة،وحتى لا يتحول قادة المسلمين وزعماء الدين إلى طغاة متعطشين للحكم والتسلط على الرقاب،تحدوهم الشهوات وتدفعهم الملذات لنيل السلطة بالبطش وملئ الزنزانات بالمظلومين.

نعم لم يردها سبحانه ديكتاتورية منمقة،لذا منح القادة الحقيقين العصمة وطهر قلوبهم من الغل والحسد والحرص ومن جميع بواعث الظلم ودوافع الإستبداد.

الزهراء دورها وموقعها:

بقي في البين سؤال وهو:إن آية التطهير تحدثت عن الأولياء الذين اتخذهم الله سبحانه،وأعدهم وهيأهم بالعلم والعصمة والتطهير ورشحهم لمقام قيادة المسلمين وإمامتهم،وقد كانت الزهراء(ع)فرداً ممن نزلت فيهم الآية كما نصت على ذلك النصوص،فهل كان لها أن تشارك في أعمال الدولة الإسلامية وشؤون إمامة المسلمين وأن تـتولى زعامتهم؟…

الجواب:

إن هذا السؤال يكون في محله لو كانت دلالة الآية على مقام القيادة والزعامة للأئمة المعصومين(ع) بواسطة الدلالة المطابقية.

أما لو كانت دلالة الآية على ذلك من خلال فهمنا الأمر من معاني التعابير الواردة في الآية مثل: الإرادة،الرجس،التطهير،التي وردت في الآية،وأن هناك مشيئة ربانية في انبعاث وظهور نماذج بشرية خاصة تـتمتع بمواصفات وخصائص متميزة،كالعصمة والطهارة وسعة الصدر والعلم،فصل الله بينهم وبين الأرجاس والرذائل.

ثم قمنا بتحليل القضية على أن إرادة الباري لا تـتعلق بمثل هذا الأمر جزافاً،بل لابد من حكمة ومصلحة عليا، ورأينا أن ذلك لحفظ الإسلام من التحريف والتـزيـيف وصون تعاليمه وأحكامه عن التشويه واللبس،وأن ذلك لا يكون إلا عن طريق إناس يتمتعون بصفات ومواهب خاصة،يجب أن يكون لهم مقام الصدارة وتسلم إليهم مقاليد الزعامة لتأدية هذا الدور.

وبالجملة إننا لم نقل أن الآية الشريفة دالة على إمامة الأئمة(ع) بالمفهوم المطابقي،حتى يكون كل فرد ممن ذكر في الآية مرشحاً للإمامة ومندوباً للزعامة في مستقبل الإسلام.

نعم كانت دعوانا أن مفاد الآية يتناسب ومنصب الزعامة والإمامة،من باب أن تحلي تلك الثلة بكل هذه الكمالات لا يصح أن يخلو من حكمة وعلة ترتبط بالإسلام ومسيرته ومستقبله،ودون أن تنعكس هذه الهبات والعطايا الإلهية الجزيلة لـ(أهل البيت)على عموم المسلمين وعلى المجتمع الإسلامي ككل،فكان مما استفدناه أن مسألة الإمامة والقيادة أحد معطيات هذه الآية الكريمة.

دور الزهراء:

نعم نعرف أهمية دور الزهراء(ع)المراد في الآية من خلال العرض التالي:

إن الإرادة الربانية في طهارة الأئمة(ع)لابد لها من أسباب،وإحدى أهم أسباب تفوق الإنسان هو طيب مولده وطهارة الحجر الذي ينشأ فيه،فأراد الله تعالى لهم الطهارة،وأن يكون منطلقهم من حجر الأم الطاهرة، فطهرها وعصمها.

فدور الزهراء(ع) الذي تؤدي من خلاله رسالتها في حفظ الدين والدفاع عن حياضه هو أن تكون زوجة صالحة لزوجها العظيم،وأن تؤمن له الأجواء المعنوية وتقف خلفه ليتمكن من أداء دوره على أحسن وجه،وأن تكون أماً حنوناً،تفيض عطفاً على أولادها،وليكونوا وهم في حجرها،وفي المكان المناسب والصحيح لتلقوا الفيض الإلهي من التربية الصالحة التي تمكنهم من بلوغ الغاية في الفضيلة والقمة في الأخلاق ويحققوا ما يريده الله لهم.

وبهذا نكون قد أكملنا الحديث حول الآية الأولى من آيات القرآن الكريم التي يستدل بها الشيعة الإمامية على إمامة الأئمة الأطهار،وأنها تنص على خلافة أمير المؤمنين(ع)بعد النبي(ص).

والحمد لله رب العالمين


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=751
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2009 / 10 / 19
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18