• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : مؤلفات الدار ونتاجاتها .
              • القسم الفرعي : مقالات المنتسبين والأعضاء .
                    • الموضوع : الفطرة الانسانية في القرآن الكريم .

الفطرة الانسانية في القرآن الكريم

                                                 سماحة السيد : حكمت أسد الموسوي

 قال تعالى في كتابه الكريم:  {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} الروم: 30.

لا شك أن من جملة الأمور المهمة والمصيرية في حياة الإنسان هي الفطرة والهداية الإلهية التي منحها الخالق تبارك وتعالى لهذا الموجود الذي تحمل عبء أمانة السموات والأرض... والفطرة ـ هذه ـ هي التي تتكفّل بإرشاد الإنسان والأخذ بيده إلى جادة الصواب وتكون له بمنزلة ناقوس الخطر إذا ما حاد وانحرف عن الطريق المستقيم؛ وذلك من خلال قوة تأنيب الضمير في النفس البشرية (النفس اللّوامة)، وبالتالي فإن الإنسان له كامل الحرية في اختيار أيَّ الطريقين شاء؛ طريق الخير أو طريق الشر وعليه أن يتحمّل تبعات الطريق الذي اختار، قال تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} الإنسان: 3.

ـ إذن ـ فدور الفطرة هنا هو تأكيد وبيان لما ينبغي أن يسلكه أبناء البشر لبلوغ السير التكاملي الذي أراده الله عز وجل أن يكون عليه الإنسان، ولا يمكن أن يكون دورها دور اجبار وارغام للإنسان على فعلٍ معيّن، وإلاّ لانتفى الثواب والعقاب في حقه ـ حينئذٍ ـ .

ولغرض تسليط الضوء أكثر على هذا الموضوع ومحاولة لفهم هذه المنحة الإلهية العظيمة جاء بحثنا هنا ليسهم بدرجةٍ ما في دراسة لموضوع الفطرة البشرية بشكل مختصر ويسير، وخالٍ من التعقيد والتفصيل الممل، علّه يكمل مسيرة بحث هذا الموضوع ويكون مفيداً لطلاب العلم والمعرفة.

الفطرة لغةً:

وردت لفظة (الفطرة) بمعانٍٍ مختلفة في أقوال أهل اللغة والمعاجم، نسرد أدناه بعضاً منها؛ لغرض تقصي ما اتفق عليه من تلك المعاني وما ليس كذلك، وكل ما رأيناه يثري البحث في موضوعنا:

أ- قال ابن منظور في (لسان العرب): «والفطرة، بالكسر: الخلقة. وقد فطره يفطره، بالضم، فطراً أي خلقه»(1).

ب-  وذكر ابن السكيت في كتابه (ترتيب اصلاح المنطق)  ما يلي: «والفطر: الشق، وجمعه فطور. والفطر أيضاً: مصدر فطرت الشاة أفطرها فطراً، إذا حلبتها بإصبعين. والفطر: الاسم من الافطار. والفطر أيضاً: القوم المفطرون، يقال هؤلاء قوم فطر، وهؤلاء قوم صوم»(2).

ج - وقال في (مختار الصحاح): «والفطرة بالكسر الخلقة»(3).

د -  قال في (مجمع البحرين): «والفِطرة بالكسر: الخلقة، وهي من الفطر كالخلقة من الخلق في أنها للحالة»(4).

وبهذا العرض السريع نكتفي بما ذكره علماء اللغة من معاني هذه مفردة (الفطرة)، ولنذكر ما تحصل من كلامهم على سبيل الإيجاز فنقول:

المعاني اللغوية المشهورة لمفردة (الفطرة)، والتي تداولتها أكثر معاجم اللغة؛ هي:

1 - (الفطرة) ـ بالكسرـ الخلقة، و(الفاطر) الخالق، والمبتدع، والمخترع، والمبتدئ، والمنشيء. و(فطره) أي خلقه.

قال تعالى (فطر السموات) (5) أي: خلق السماوات.

واسم الفاعل من (فطر) هو (فاطر). قال تعالى: (فاطر السموات) (6) أي: خالق السماوات.

2 - (الفطر) الشق، و(تفطر) الشيء اذا تشقق وتصدع.

3 - (الفطر) اسم من الإفطار، وهو ترك الصوم.

وما يعنينا من تلك المعاني المذكورة أعلاه هو المعنى الأول (أي: الفطرة، الخلقة) لكونه أقربها إلى المواهب والطاقات الكامنة التي وهبها الله سبحانه الإنسان حين خلقه لترافقه منذ الولادة.

وكما ذكرنا، فـ (الخلقة) هي من المعاني المتفق عليها لغوياً، كما شاهدنا في أقوال علماء اللغة أعلاه.

والنتيجة التي توصلنا اليها هنا أن فطرة الإنسان تعني الخلقة الخاصة بالإنسان، و(الفطرة) تعني: (الخلقة بشكل خاص).

الفطرة اصطلاحاً:

الفطرة هي هداية الهية توجد في كل فرد من أفراد الانسان، ومثلها مثل البوصلة؛ لتميّز للإنسان الطريق الصحيح من غيره وتدله عليه، حتى الاشخاص المنحرفون، فإنهم لا بد وأن يشعروا  في لحظة معينة من حياتهم بأنهم قد سقطوا الى الحظيظ، وهذا بفعل هذا الانذار الصادر عن الفطرة لتذكير الانسان بأنه انحرف عن جادة الصواب.

وهنا نورد بعض ما ورد عن تعريف الفطرة بإيجاز:

أ- قال ابن منظور في (لسان العرب):

«الفطرة: ما فطر الله عليه الخلق من المعرفة به»(7).

ب – قال الشيخ السبحاني عند عرضه لتعريف الفطرة:

«وأوضح تعريف للفطريات ما ذكره ديكارت نفسه في بعض رسائله (المؤرخة بتاريخ 21 أيار 1643 م. عن مؤلف كتاب نظرية المعرفة)، قال: (الأُمور الفطرية عبارة عن المعلومات البدائية الأصيلة التي نتوصل بها إلى سائر المعارف، وهي قليلة جداً). ثم ذكر أنّ الوجود، والعدد، والزمان، وامتداد الجسم، وتفكير النفس، والوحدة، هي من الأمور الفطرية (الفلسفة العامّة، پول قولكييه، ص203). وربما يسمّيها بالصفات الأولية»(8).

ج – قال في (المنجد في اللغة):

«الفطرة: الابتداع والاختراع، وهي الصفة التي يتّصف بها كلّ موجود في أوَّل زمان خلقته، ومن المعاني الأخرى: صفة الانسان الطبيعية، الدين، السُنَّة»(9).

د - ويمكن أن نستنتج من ذلك في تعريف الفطرة ونقول: «الفطرة والأمور الفطرية وهي الوجوديات التي خلق الله الانسان على أساسها، ويجب على الانسان أن يطوي طريق الكمال لكي تصبح الفطرة فعلية».(10) في الامور الفطرية.

خصائص الفطرة: (11)

ويمكن أن نذكر أن من خصائص الامور الفطرية هي:

1 ـ أنها عامة: أي إن هذه الخصائص توجد لدى تمام أفراد الإنسان.

2 ـ في البدء تكون بالقوة، وعند التوجه إليها تصبح فعلية، وعند عدم التوجه إليها تضعف وتصبح ضئيلة.

3 ـ بعض الامور الفطرية من سنخ العلم والمعرفة وبعضها من سنخ الميول؛ والميول: مثل حس الاطلاع.

4 ـ عدم امكان زوالها (في بعض الأحيان يمكن لها أن تضعف وتضمحل ولكن لا تنعدم).

توضيح لبعض خصائص الموجودات:

 ـ الغريزة: وهي الهداية التي توجد في الحيوانات.

ـ الطبيعة: وهي من خصائص الموجودات (مثل كون الشيء رطباً و...).

وأما الغريزة فهي من خصائص الحيوانات.

 مثلاً طبيعة التراب هي اليبوسة والاستقرار على سطح الأرض، وطبيعة الماء الرطوبة والاستقرار في أسفل سطح الأرض، والهواء طبيعته الخفة والاستقرار فوق سطح الأرض.

فالإنسان لديه غريزة ولكن هذه الغريزة لا تعطيه القيم والمبادئ، أمّا الفطرة فهي تعطي الإنسان ذلك؛ لأنها تساعده للوصول إلى طريق الكمال.

فتحصّل لدينا أن الإنسان من جهة كونه جماداً لديه طبيعة، ومن جهة كونه ذي روح لديه غريزة، ومن جهة كونه إنساناً لديه فطرة.

إذن الفطرة: هي الأمور التي تساعد الإنسان لبلوغ هدايته ولكنها بالقوة.

من الأمور الفطرية: (12)

نورد هنا من مصاديق ودرجات الأمور الفطرية التي يختص بها الإنسان وتميّزه عن غيره من الموجودات وكالتالي:

1 ـ الإنسان ـ فطرةً ـ لديه علم حضوري بنفسه، أي: ليس لديه شك بوجود نفسه. وهذا العلم هو أساس علم المعرفة.

2 ـ الإنسان ـ فطرةً ـ يميل إلى الراحة والسكون والعيش الهانئ. وهذا ميل؛ وهو يعم أغلب أفراد الإنسان، لذا فإن المجازفون والمغامرون هم قليلون بين الناس.

ولكن الاشتباه قد يؤدي بالإنسان إلى المتاعب، ففي بعض الأحيان قد يظن أنه قد وصل إلى الراحة والعيش المريح ويكون الواقع خلافه.

3 ـ الإنسان ـ فطرةً ـ طالب للكمال، أي يطلب أن الشيء الذي يريد الحصول عليه يكون بصورة كاملة وخالٍ من النقص. لذا فإن الغالب أن يميل الإنسان إلى الرئاسة والتسلط المادي و... الخ.

وإن أغلب أسباب اليأس والقنوط في الإنسان تنشأ من عدم مطابقة رؤيته مع الواقع؛ فهو عندما يتوجه نحو الشيء الذي يتوقّع أن يكون على صفة ما، فإنّه يفاجأ حينئذٍ بالعكس وأنه ليس كما تصوّره وانتظر منه ...؟!

4 ـ الإنسان فطرةً لديه حب الإطلاع.

إنّ حب الإطلاع هذا مهم جداً في حياة الإنسان فهو ينمي من معرفته نحو العالم، والإنسان لا معنى له من غير هذا الحس.

وحس الإطلاع الذي ينمي معرفة الإنسان عما حوله يمر بمرحلتين:

أ ـ إنشاء السؤال.

ب ـ الاجابة عن السؤال.

5 ـ الإنسان فطرةً طالب لإله يعبده أو قبلة يأتم بها، حيث إنّه لا يمكن تصور إنسان ليس لديه قبلة يطلبها يتوجّه إليها.

وقبلة البعض هي: الثروة، وقبلة البعض الآخر هي: المقام، وقبلة البعض هي: الأمور الجنسية، وقبلة البعض هي: السياسة،... إلخ.

حيث الجميع هنا يطلب مصدراً ومنبعاً لا متناهياً، والذي ينجح في طلبه يطلب الله سبحانه وتعالى ـ بلا شك ـ ؛ وذلك لأننا إذا تركنا الناس وشأنهم، فإن الجميع سيتوجهون الى الله تعالى، إلا القلة القليلة منهم.

6 ـ الانسان فطرةً لديه معرفة بالله تعالى. فلا يوجد انسان لا يحس في باطنه بوجود الله تعالى.

7 ـ الانسان فطرةً عابد لله تعالى.

وفي هذه النقطة اختُلف حول المنشأ من ميل الإنسان للدين والإله على عدة أقوال؛ نذكر منها:

يرى (فرويد) أن إلقاء الأفكار السابقة للإنسان إلى الخارج هو منشأه للدين (فالطفل يعتبر أباه الأقوى وبعد مدة يرى أن الأمر ليس كذلك، ويبحث عند ذاك عن شيء آخر أقوى من أبيه ...).

وأما (دوركيم) فيرى أن المجتمع هو منشأ الدين.

ونحن نقول أن الانسان فطرةً هو عابد لله تعالى.

الفطرة في أقوال المفسرين

تحت هذا العنوان نورد بعض أقوال المفسرين في تفسير الآيات الكريمة التي تناولت موضوع الفطرة؛ لنرى معاً كيف يتعامل كل منهم مع هذا الموضوع وما هو مستنده على ذلك، وما هي نقاط الالتقاء والافتراق بين كل منهم مع الآخر في تعاطيه لموضوع الفطرة:

أ - قال الشيخ الطبرسي في تفسيره (مجمع البيان) في قوله تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ (14) قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} الأنعام: 14-15:

«{وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} أي: خالقهما ومنشئهما من غير احتذاء على مثال»(13).

ب – أما في (تفسير الميزان) فقال السيد الطباطبائي في صدد تفسيره الآية الكريمة: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}:

«... وبالجملة المتقون واقعون بين هدايتين، كما ان الكفار والمنافقين واقعون بين ضلالين. ثم ان الهداية الثانية لما كانت بالقرآن فالهداية الاولى قبل القرآن وبسبب سلامة الفطرة، فان الفطرة إذا سلمت لم تنفك من ان تتنبه شاهدة لفقرها وحاجتها إلى أمر خارج عنها، وكذا احتياج كل ما سواها مما يقع عليه حس أو وهم أو عقل إلى امر خارج يقف دونه سلسلة الحوائج، فهي مؤمنة مذعنة بوجود موجود غائب عن الحس منه يبدء الجميع واليه ينتهي ويعود، وانه كما لم يهمل دقيقة من دقائق ما يحتاج إليه الخلقة كذلك لا يهمل هداية الناس إلى ما ينجيهم من مهلكات الاعمال والاخلاق، وهذا هو الاذعان بالتوحيد والنبوة والمعاد وهي اصول الدين

ج – وفي تفسير غريب القرآن قال:

>{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} (الروم:30): أي خلقة الله التي خلق الناس عليها أي الزموا فطرة الله، أو عليكم فطرة الله، والمعنى إنه خلقهم قابلين للتوحيد ودين الاسلام غير نائين عنه، ولا منكرين له حتى لو تركوا لما إختاروا عليه ديناً آخر، ومن غوى منهم فباغواء شياطين الجن والانس، ومنه الحديث خلقت عبادي حنفاً فاختالتهم الشياطين عن دينهم وأمروهم أن يشركوا بي غيري، وقال (عليه السلام): كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه اللذان يهودانه وينصرانه»(14).

لذا؛ فإن الفطرة هي دليل الإنسان الذي يأخذ بيده إلى الطريق الصحيح ويرافقه في مختلف مجالات حياته وسير تكامله؛ لذا فإن موضوع الفطرة لم يقتصر على جانب من حياة الإنسان دون جانب، ولا يمكن حصره في موضوع دون آخر، ومن الحق ان نستفيد من هذه الموهبة الإلهية العظيمة في أغلب المجالات الإنسانية ـ ان لم نقل جميعها ـ ؛ لذلك فإننا نرى أنّ أغلب علماء العلوم المختلفة قد نهلوا من منبع الفطرة الإنسانية في الوصول الى غايتهم ومن أبرز هذه العلوم: العقيدة، الأخلاق، الاجتماع، الفلسفة، علم النفس، العلوم التربوية.. وغيرها الكثير من العلوم والمجالات المختلفة.

ومن المواضيع والعلوم المهمة هو علم العقيدة الإسلامية التي كانت الفطرة الإنسانية هي الحجر الأساس والأصل في بناء صرحه وإليها يعود الفضل في نمو وتطور العلوم العقائدية، بحيث لا يستطيع انكارها المنكرون؛ لثبات الدليل، لكونه ينبع من منبع لا يتطرق إليه الشك، وهي الفطرة الانسانية.

وآخر دعوانا {أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.

 الهوامش :

ـــــــــــــــــ

(1) لسان العرب: ج5، ص56.

(2) ترتيب إصلاح المنطق:  ص291.

(3) مختار الصحاح: ص262.

(4) مجمع البحرين: ج 3، ص 410.

(5) سورة الأنعام: 79.

(6) سورة الأنعام: 14.

(7) لسان العرب: ج5،  ص56.

(8) نظرية المعرفة: ص96.

(9) المنجد في اللغة: ص588. مادة فَطَرَ ـ بتصرف.

(10) محاضرات السيد حسيني قلعه بهمن حول الفطرة، جامعة العلوم الاسلامية، ـ تعريب النص بتصرف.

(11) المصدر نفسه.

(12) المصدر نفسه.

(13) مجمع البيان في تفسير القرآن: ج 4، ص 17.

(14) تفسير غريب القرآن:  ص269.

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=830
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2009 / 11 / 17
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 19