00989338131045
 
 
 
 
 
 

 من آية (23 - 33) 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : تفسير كنز الدقائق ( الجزء الثاني )   ||   تأليف : الميرزا محمد المشهدي

الآية: 23 - 33

[ ألم تر إلى الذين أو توا نصيبا من الكتب يدعون إلى كتب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون(23) ]

(صلى الله وعليه وآله): لن يعمل ابن آدم عملا أعظم عندالله تبارك وتعالى من رجل قتل نبيا أو إماما، أو هدم الكعبة التي جعلها الله تعالى قبلة لعباده، أو أفرغ ماء‌ه في امرأة حراما(1).

وفيه: فيما علم أميرالمؤمنين (عليه السلام) أصحابه: إحذروا السفلة، فإن السفلة من لا يخاف الله، فيهم قتله الانبياء وهم أعداؤنا(2).

وفي اصول الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر، عن يونس بن ظبيان قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله: " إن الله عزوجل يقول: ويل للذين يجتلبون الدنيا بالدين، وويل للذين يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس، وويل للذين يسير المؤمن فيهم بالتقية.

أبي يغترون، أم علي يجترؤون، فبي حلفت لا تيحن لهم فتنة تترك الحليم منهم حيرانا "(3).

ألم تر إلى الذين أو توا نصيبا: أي حظا وافيا، والتنكير للتعظيم.

من الكتب: أي التوراة، أو جنس الكتب السماوية، و " من " للتبعيض، أوللتبيين.

يدعون إلى كتب الله ليحكم بينهم: أي يدعوهم محمد إلى القرآن، ليحكم

___________________________________

(1) الخصال: ص 120 باب الثلاثة لن يعمل ابن آدم عملا أعظم عندالله عزوجل من ثلاثة، ح 109.

(2) الخصال: ص 635 باب علم أميرالمؤمنين أصحابه في مجلس واحد أربعمائة باب مما يصلح للمسلم في دينه ودنياه، قطعه من ح 10.

(3) الكافي: ج 2 ص 299 كتاب الايمان والكفر، باب اختتال الدنيا بالدين، ح 1 وفيه: " يختلون " بدل " يجتلبون ". (*)

[47]

[ ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلآ أياما معدودت وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون(24) فكيف إذا جمعنهم ليوم لاريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لايظلمون(25) ]

بينهم، أو التوراة. لما نقل أنه (عليه السلام) دخل مدارسهم فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد: على أي دين أنت؟ فقال: على دين إبراهيم، فقال له نعيم: إن إبراهيم كان يهوديا، فقال هلموا إلى التوارة ليحكم بيننا وبينكم، فأبيا(1).

وقيل: نزلت في الرجم، وقد اختلفوا فيه.

وقرئ " ليحكم " على البناء [ للمفعول ] فيكون الاختلاف فيما بينهم.

ثم يتولى فريق منهم: استبعاد لتوليهم مع علمهم بأن الرجوع إليه واجب.

وهم معرضون: حال من " فريق " لتخصيصه بالصفة، أي وهم قوم عادتهم الاعراض عن الحق، وهو نهاية التقريع. ذلك: أى الاعراض.

بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودت: بسبب تسهيلهم أمر العذاب.

وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون: من قولهم السابق، أو أن آبائهم الانبياء يشفعون لهم، أو أنه تعالى وعد يعقوب أن لا يعذب أولاده.

إلا تحلة القسم، وتكرير الكذب والافتراء يصيره في صورة الصدق عند قائله ومفتريه.

فكيف إذا جمعنهم ليوم لا ريب فيه: تكذيب لقولهم: " لن تمسنا النار إلا أياما " ولغرورهم بما كانوا يفترون.

___________________________________

(1) أنوار التنزيل: ج 1 ص 154 في تفسير آية 22 من سورة آل عمران. (*)

[48]

[ قل اللهم ملك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشآء وتعز من تشآء وتذل من تشاء بيديك الخير إنك على كل شئ قدير(26) ]

ووفيت كل نفس ما كسبت: جزاء ما كسبت.

قال البيضاوي: وفيه دليل على أن العبادة لا تحبط، وأن المؤمن لا يخلد في النار، لان توفية إيمانه وعمله لا يكون في النار، ولا قبل دخولها، فإذن هي بعد الخلاص(1). ويرد عليه في الاول.

أنه على تقدير الاحباط يصدق على النفس المحسنة التي أحبطت حسنته بالسيئة التي صدرت عنها، أنها وفيت ما كسبت، بمعنى أنها لحسنتها لم تعاقب بالسيئة التي صدرت عنها.

وفي الثاني: أنه يمكن توفية إيمانه وعمله في النار، بأن يخفف عذابه عن قدر ما ينبغي لسيئته، لايمانه وعمله.

والتحقيق: أن المؤمن يعني الموالي اللائمة (عليهم السلام) لا يدخل النار، وغيره يدخل ولا يخرج، ومناط الايمان ما جعله الله ورسوله إيمانا، لا ما جعله كل حزب إيمانا وعده عملا صالحا.

فكم من يعد نفسه مؤمنا، وهو مؤمن بنفسه وهواه، وكم ممن يعد نفسه مواليا، وهو يوالي الشيطان.

وهم لا يظلمون: الضمير ل‍ " كل نفس " على المعنى، لانه في معنى كل إنسان.

قل اللهم: الميم عوض عن حرف النداء، ولذلك لا يجتمعان، وقد وقع في الشعر ضرورة(2).

___________________________________

(1) أنوار التنزيل وأسرار التأويل: ج 1 ص 154 في تفسيره لآية 25 من سورة آل عمران.

(2) كقول امية بن أبي الصلت: إني إذا ما حدث ألما * أقول: يا اللهم يا اللهما (شرح ابن عقيل: ج 2 ص 265 شاهد " 310 ")

[49]

وهو من خصائص هذا الاسم، كدخولها عليه مع لام التعريف وقطع همزته، وتاء القسم.

وقيل: أصله يا الله آمنا بخير، فخفف بحذف حرف النداء ومتعلقات الفعل وهمزته.

ملك الملك: على الحقيقة، وهو صفة لله.

وعند سيبويه نداء ثان، فإن الميم عنده يمنع الوصفية.

تؤتى الملك من تشآء وتنزع الملك ممن تشآء: أي تعطي منها ما تشاء من تشاء وتسترد، فالملك الاول عام والاخيران بعضان منه.

وقيل: المراد بالملك النبوة، ونزعها نقلها من قوم إلى قوم.

وفي روضة الكافي: بإسناده إلى عبدالاعلى مولى آل سام، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت له: " قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء " أليس قد آتى الله عزوجل بني امية الملك؟ قال: ليس حيث تذهب، إن الله عزوجل آتانا الملك وأخذته بنوامية بمنزلة الرجل يكون له الثوب فيأخذه الآخر، فليس هو للذي أخذه(1).

فالمراد بإيتاء الملك بناء على هذا الخبر، جعل الملك لاحد وجعله جائز التصرف فيه، لا التسليط على الملك كما يتوهم بعض الاوهام وذهب إليه، وهو مولى آل سام.

وهو الآن لمن جعل الله الملك له وجعله قائما فيه.

وتعز من تشآء وتذل من تشآء: في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما بالنصر والادبار والتوفيق والخذلان.

بيدك الخير: أي ما هو فعلك خير والشر مما يرجع إلينا مع كون الشر مقدورا لك أيضا.

___________________________________

(1) الكافي: ج 8 ص 266 ح 389. (*)

[50]

إنك على كل شئ قدير: خيرا كان أو شرا، لكن ما يصدر عن يدك وقدرتك، هوالخير، هذا.

وقال البيضاوي: ذكر الخير وحده؟ لانه المقضي بالذات، والشر مقضي بالعرض، إذا لا يوجد شر جزئي مالم يتضمن خيرا كليا، أو لمراعاة الادب في الخطاب أو لان الكلام وقع فيه، إذ روي أنه (عليه السلام) لما خط الخندق وقطع لكل عشرة أربعين ذراعا وأخذوا يحفرون، فظهر فيه صخرة عظيمة لم تعمل فيه المعاول، فوجهوا سلمان إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بخبره، فجاء فأخذ المعول منه، فضربها ضربة صدعتها وبرق منها برق إضاء ما بين لا بتيها، لكأن [ بها ] مصباحا في جوف لبلة(1)، فكبر وكبر معه المسلمون، وقال: أضاء‌ت لي منها قصور الحيرة كأنها أنياب الكلاب، ثم ضرب الثانية فقال: أضاء‌ت لي منها القصور الحمر من أرض الروم، ثم ضرب الثالثة فقال: أضاء‌ت لي قصور صنعاء، وأخبرني جبرائيل أن امتي ظاهرة على كلها، فأبشروا، فقال المنافقون: ألا تتعجبون؟ ! يمنيكم ويعدكم الباطل ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة [ ومدائن كسرى ] وأنها تفتح لكم وأنتم تحفرون الخندق من الفرق، فنزلت.

ونبه على أن الشر أيضا بيده، بقوله: " إنك على كل شئ قدير "(2) انتهى كلامه.

وهذا بناء على زعمه الكاسد مما ذهب إليه الاشعرية: من أن الخير والشر كليهما من أفعال الله تعالى، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

بل ما يصدر عنه تعالى مما ظاهره الشر من التعذيب والخزي والاماتة والتمريض وغير ذلك فهو خير في الواقع وحسن بالنظر إلى مصالحه وحكمه، كيف والشر قبيح يقبح صدوره عنه تعالى.

* * *

___________________________________

(1) في المصدر: في جوف بيت مظلم.

(2) أنوار التنزيل واسرار التأويل: ج 1 ص 154 - 155 سورة آل عمران في تفسيره لآية الملك. (*)

[51]

[ تولج اليل في النار وتولج النهار في اليل وتخرج الحى من الميت وتخرج الميت من الحى وترزق من تشآء بغير حساب(27) ]

تولج اليل في النار وتولج النهار في اليل: أي تزيد في النهار وتنقص من الليل، وبالعكس، أو تعقب أحد هما الآخر، والولوج: الدخول في مضيق.

وفي كتاب الاهليلجة، قال: الصادق (عليه السلام): بعد أن ذكر الليل والنهار يلج أحد هما في الآخر، ينتهي كل واحد منهما إلى غاية معروفة محدودة في الطول والعرض على مرتبة ومجرى واحد(1).

وتخرج الحى من الميت وتخرج الميت من الحى: تنشئ الحيوانات من موادها وتميتها، أو تخرج الحيوان من النطفة والنطفة منه، أو تخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن.

وفي كتاب معاني الاخبار: وسئل الحسن بن علي بن محمد (عليهم السلام) عن الموت ماهو؟ فقال: هو التصديق بما لا يكون.

حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن الصادق (عليه السلام) قال: إن المؤمن إذا مات لم يكن ميتا، فإن الميت هو الكافر، إن الله عزوجل يقول: " يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي " يعني المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن(2).

وفي مجمع البيان " وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي " قيل: معناه يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن، وروي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبدالله

___________________________________

(1) بحار الانوار: ج 3 ص 165 كتاب التوحيد، باب 5 الخبر المروي عن المفضل بن عمر في التوحيد المشتهر بالاهليلجة.

(2) معاني الاخبار: ص 290 باب معنى الموت ح 10. (*)

[52]

[ لا يتخذ المؤمنون الكفرين أوليآء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ إلآ أن تتقوا منهم تقة ويحذر كم الله نفسه وإلى الله المصير(28) ]

(عليهما السلام)(1).

وقرأ أبوعمرو وابن عامر وأبوبكر (الميت) بالتخفيف(2).

وترزق من تشآء بغير حساب: في مهج الدعوات عن أسماء بنت زيد قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اسم الله الاعظم الذي إذا دعي به اجاب " قل اللهم مالك الملك " إلى " بغير حساب "(3).

وقد مرفي أول الفاتحة ما يدل على فضال هذه الآية أيضا.

لا يتخذ المؤمنون الكفرين أولياء: نهي عن موالاتهم والاستعانة بهم.

من دون المؤمنين: في موضع الصفة ل‍ " أولياء " أو الحال إن جوزت عن النكرة، والمعنى: أنهم لا يتخذوهم أولياء بدل المؤمنين، فيكون إشارة إلى أن المؤمنين أحقاء بالموالاة، وفي موالاتهم مندوحة عن موالاة الكفرة، فإن الله ولي الذين آمنوا. ومن يفعل ذلك: أي اتخاذ الكافرين أولياء.

فليس من الله في شئ: من الولاية، لانه ترك موالاة المؤمنين الذين وليهم الله، ووالى عدوالله.

إلا أن تتقوا منهم تقة: أي لا يجوز موالاتهم في شئ من الاحوال إلا في

___________________________________

(1) مجمع البيان: ج 1 - 2 ص 428 في بيان معنى آية الملك من سورة آل عمران.

(2) أنوار التنزيل: ج 1 ص 155 في تفسير لاية 27 من سورة آل عمران.

(3) مهج الدعوات ومنهج العبادات: ص 317 (ط إيران 1323) ومن ذلك ما نذكره في تعيين الاسم الاعظم (*)

[53]

حالة أن تتقوا منهم، أي تخافوا من جهتهم.

و " تقاة " مصدر، اما بمعنى ما يجب اتقاء‌ة فيكون مفعولا به، أو بمعناه فيكون مفعولا مطلقا، والفعل معدى ب‍ (من) لانه في معنى تحذروا وتخافوا. وقرأ يعقوب: (تقية)(1).

وفي كتاب الاحتجاح للطبرسي (رحمه الله) عن أميرالمؤمنين (عليه السلام) في حديث طويل يقول فيه لبعض اليونانيين: وامرك أن تستعمل التقية في دينك، فإن الله يقول: " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ إلا أن تتقوا منهم تقاة " وإياك ثم إياك أن تتعرض للهلاك وأن تترك التقية التي أمرتك بها فإنك شائط بدمك ودماء إخوانك معرض لنعمك ولنعمهم للزوال مذلهم في أيدي أعداء الله وقد امرك بإعزازهم(2).

وفي تفسير العياشي: عن الحسين بن زيد بن علي، عن جعفر نب محمد (عليهما السلام) [ عن أبيه عليه السلام ] قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لا إيمان لمن لا تقية له، ويقول: فإن الله يقول: " إلا أن تتقوا منهم تقاة "(3).

وفي اصول الكافي: علي بن إبراهيم: عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن اذينة، عن إسماعيل الجعفي، ومعمر بن يحيى بن بسام، ومحمد بن مسلم وزرارة قالوا: سمعنا أبا جعفر (عليه السلام) يقول: التقية في كل شئ يضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله له(4).

علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن حريز، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: التقية ترس الله بينه وبين خلقه(5).

ويحذركم الله نفسه: في موالاة الكفار من غير ضرورة، وترك التقية في

___________________________________

(1) أنوار التنزيل ج 1 ص 155 في تفسير لآية 28 من سورة آل عمران.

(2) الاحتجاج: ص 239 احتجاجه على من قال: بزوال الادواء بمداوات الاطباء.. ط. بيروت.

(3) تفسير العياشي: ج 1 ص 166 ح 24.

(4) الكافي: ج 2 ص 220 كتاب الايمان والكفر، باب التقية، ح 18.

(5) الكافي: ج 2 ص 220 كتاب الايمان والكفر، باب التقية، ح 19.

[54]

[ قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم مافى السموت و ما في الارض والله على كل شئ قدير(29) يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رء‌وف بالعباد(30) ]

حال الضرورة.

وذكر النفس ليعلم أن المحذور منه عقاب [ يصدر ] منه وهو تهديد عظيم مشعر بتناهي المنهي عنه في القبح.

وإلى الله المصير: تأكيد للتهديد. وإتيان الظاهر موضع الضمير، للمبالغة.

قل إن تخفوا ما في صدور كم أو تبدوه يعلمه الله: يعلم السر منكم والعن.

ويعلم ما في السموت وما في الارض: فيعلم ما تضمرونه وما تخفونه.

والله على كل شئ قدير: فيقدر على تعذيبكم وخزيكم إن لم تنتهوا عن ما نهيتم عنه.

يوم: منصوب ب‍ " تود " أو اذكر، مضاف إلى.

تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا: أي تجد صحائف أعمالها، أو جزاء أعمالها، من الخير حاضرا.

وما عملت من سوء: أي محضرا.

تود: حال على تقدير تعلق " يوم " باذكر، من الضمير في عملت أو خبر ل‍ " ما علمت من سوء "، و " تجد " مقصور على " ما عملت من خير ". ولا تكون " ما " شرطية لارتفاع " تود ".

وقرئ: " ودت " وعلى هذا يحتمل أن تكون " ما " شرطية.

لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا: بتأويل المصدر، مفعول " تود " أي تود كون

[55]

[ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم(31) ]

الامد البعيد بينها وبين عملها. ويحذركم الله نفسه: التكرير للتأكيد.

والله رء‌وف بالعباد: إشارة إلى أن النهي للرأفة، رعاية لمصالحهم، وأنه لذو مغفرة وذو عقاب فيجب أن ترجى رحمته ويخش عقابه.

قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى: المحبة ميل النفس إلى الشئ لكمال أدرك فيه بحيث يحملها على ما يقربها إليه.

ومحبة العباد مجاز عن إرادة نفوسهم اختصاصه بالعبادة دون غيره، ورغبتهم فيها، وهي مستلزمة لاتباع الرسول في جميع ماجاء به، ومن جملته بل العمدة فيه اتباع الائمة (عليهم السلام).

يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم: جواب للامر، أي يرضى عنكم ويتجاوز عن ذنوبكم، عبر عن ذلك بالمحبة على طريق الاستعارة، أو المقابلة.

وفي روضة الكافي: بإسناده إلى أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث طويل يقول: فيه: ومن سره أن يعلم أن الله يحبه، فليعمل بطاعة الله وليتبعنا، ألم يسمع قول الله عزوجل لنبيه (صلى الله عليه وآله): " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم " والله لا يطيع الله عبد أبدا إلا أدخل الله عليه في طاعته اتباعنا، ولا والله لا يتبعنا عبد أبدا إلا أحبه الله، ولا والله ولا يدع أحد اتباعنا أبدا إلا أبغضنا، ولا والله لا يبغضنا أحد أبدا إلا عصى الله، ومن كان عاصيا لله أخزاه، وأكبه على وجهه في النار والحمد لله رب العالمين(1).

وفيها خطبة لاميرالمؤمنين (عليه السلام) وهي خطبة الوسيلة، يقول فيها (عليه

___________________________________

(1) الكافي: ج 8 ص 14 رسالة أبي عبدالله إلى جماعة الشيعة، آخر ح 1 وفيه: ومن مات عاصيا. (*)

[56]

السلام) بعد أن ذكر النبي (صلى الله عليه وآله): فقال تبارك وتعالى في التحريض على اتباعه والترغيب في تصديقه والقبول لدعوته: " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم دنوبكم " فاتباعه (صلى الله عليه وآله) محبة الله، ورضاه غفران الذنوب وكمال الفوز ووجوب الجنة(1).

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إني لارجو النجاة لمن عرف حقنا من هذه الامة، إلا لاحد ثلاثة: صاحب سلطان جائر، وصاحب هوى، والفاسق المعلن، ثم تلا: " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله " ثم قال: يا حفص الحب أفضل من الخوف، ثم قال: والله ما أحب [ الله ] من أحب الدنيا ووالى غيرنا.

ومن عرف حقنا وأحبنا فقد أحب الله تبارك وتعالى(2).

وفي كتاب الخصال: عن سعيد بن يسار قال: قال أبوعبدالله (عليه السلام): هل الدين إلا الحب؟ إن الله تعالى يقول: " إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله "(3).

وعن يونس بن ظبيان قال: قال الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام): إن الناس يعبدون الله تعالى على ثلاثة أوجه: فطبقة يعبدونه رغبة في ثوابه فتلك عبادة الحرصاء وهو الطمع، وآخرون يعبدون فرقا من النار فتلك عبادة العبيد وهي الرهبة، ولكني أعبده حبا له فتلك عبادة الكرام وهو الامن لقوله تعالى: " وهم من فزع يومئذ آمنون "(4) ولقوله تعالى: " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم فمن أحب الله أحبه الله ومن أحبه الله كان من الآمنين(5).

وفي تفسير العياشي: عن زياد، عن أبي عبيدة الحذاء قال: دخلت على أبي

___________________________________

(1) الكافي: 8 ص 26 خطبة الوسيلة لاميرالمؤمنين (عليه السلام).

(2) الكافي: ج 8 ص 128 ح 98.

(3) الخصال: ص 21 باب الواحد (الدين هو الحب) ح 74.

(4) النمل: 89.

(5) الخصال: ص 188 باب الثلاثة (الناس يعبدون الله عزوجل على ثلاثة أوجه) ح 259. (*)

[57]

جعفر (عليه السلام) فقلت: بأبي أنت وأمي ربما خلا بي الشيطان فخشيت نفسي، ثم ذكرت حبي إياكم وانقطاعي إليكم فطابت نفسي، فقال: يا زياد ويحك وما الدين إلا الحب ألاترى إلى قول الله تعالى: " إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله "(1).

وعن بشير الدهقان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قد عرفتم في منكرين كثير واحببتم في مبغضين كثير، وقد يكون حبا لله في الله ورسوله، وحبا في الدنيا، فما كان في الله ورسوله فثوابه على الله، وما كان في الدنيا فليس شئ، ثم نفض يده، ثم قال: إن هذه المرجئة(2) وهذه القدرية(3) وهذه الخوارج(4) ليس منهم أحد إلا يرى أنه على الحق، وأنكم إنما أحببتمونا في الله، ثم تلا: " اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم "(5) " وما أتاكم الرسول فخذوه وما نها كم عنه فاتهوا "(6) " ومن يطع الرسول فقد أطاع الله "(7) " إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله "(8).

___________________________________

(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 167 ح 25.

(2) المرجئة بالميم ثم بالراء ثم بالهمزة بغير تشديد من الارجاء بمعنى التأخير، عند أكثر اللغويين، وبالياء بدل الهمزة من غير تشديد أيضا، وقد وقع الخلاف في تفسير اللفظة، فقيل: هم فرقة من المسلمين يقولون: الايمان قول بلا عمل، كأنهم قدموا القول وأرجئوا العمل، أي أخروه لانهم يريدون أنهم لو لم يصلوا ولم يصوموا لنجاهم إيمانهم.

وقيل: هم فرقة من المسلمين يعتقدون أنه لا يضر مع الايمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة (تنقيح المقال: ج 3 في عد المذاهب الفاسدة ص 86).

(3) القدرية وهم على ما في المجمع وغيره المنسوبون إلى القدر، يزعمون أن كل عبد خالق فعله، ولا يرون المعاصي والكفر بتقدير الله ومشيئته، فنسبوا إلى القدر، لانه بدعتهم وضلالتهم، وفي شرح المواقف قيل: القدرية هم المعتزلة، لاسناد أفعالهم إلى قدرتهم.

في الحديث: لا يدخل الجنة قدري، وهو الذي يقول: لا يكون ماشاء‌الله ويكون ماشاء إبليس انتهى، وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) إن القدري مجوس هذه الامة. (تنقيح المقال: ج 3 في عد المذاهب الفاسدة ص 86).

(4) وهم فرقة من فرق الاسلام، سموا خوارج لخروجهم على علي (عليه السلام). ذكر المؤرخون أنه.

(عليه السلام) قتل منهم يوم النهروان ألفي نفس (مجمع البحرين: لغة خرج).

(5) النساء: 59.

(6) الحشر: 7.

(7) النساء: 80.

(8) تفسير العياشي: ج 1 ص 167 ح 26. (*)

[58]

وعن بريد بن معاوية، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: والله لو أحبنا حجر حشره الله معنا، وهل الدين إلا الحب؟ إن الله يقول: " إن كنتم تحبون الله فا تبعوني يحببكم الله " وقال: " يحبون من هاجر إليهم "(1) وهل الدين إلا الحب(2).

وعن ربعى بن عبدالله قال: قيل لابي عبدالله (عليه السلام) جعلت فداك، انا نسمي بأسمائكم وأسماء آبائكم، فينفعنا ذلك؟ فقال: اي والله، وهل الدين إلا الحب، قال الله تعالى: " إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم "(3).

والله غفور رحيم: لمن تحبب إليه بطاعته واتباع رسوله (صلى الله عليه وآله).

قال البيضاوي: روي أنها نزلت لما قالت اليهود: نحن أبناء الله وأحباؤه، وقيل: نزلت في وفد نجران لما قالوا: إنا نعبد المسيح حبا لله، وقيل: في أقوام زعموا على عهده (عليه السلام) أنهم يحبون الله، فامروا أن يجعلوا لقولهم تصديقا من العمل(4).

ولنعم ما قال صاحب الكشاف هنا: وإذ رأيت من يذكر محبة الله ويصفق بيديه مع ذكرها ويطرب وينعر(5) ويصعق، فلا تشك في أنه لا يعرف ما الله، ولا يدري مامحبة الله، وما تصفيقه وطربه ونعرته وصعقته(6) إلا أنه تصور في نفسه الخبيثة صورة مستملحة معشقة، فسماها الله بجهله ودعارته، ثم صفق وطرب ونعر

___________________________________

(1) الحشر: 9.

(2) تفسير العياشي: ج 1 ص 167، قطعة من ح 27.

(3) تفسير العياشي: ج 1 ص 167 ح 28.

(4) انوار التنزيل وأسرار التأويل: ج 1 ص 156 في تفسيره لقوله تعالى " إن كنتم تحبون الله فا تبعوني " من سورة آل عمران.

(5) النعرة: صوت في الخيشوم، قال الراجز: إني ورب الكعبة المستورة * والنعرات من أبي محذورة يعني آذانه، ونعر الرجل ينعر نعيرا (لسان العرب: ج 5 ص 220 لغة نعر).

(6) يقال: صعق الرجل صعقة، أي غشى عليه من صوت يسمعه كالهدة الشديدة (لسان العرب: ج 10 ص 198 لغة صعق). (*)

[59]

[ قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكفرين(32) * إن الله اصطفئ ادم ونوحا وء‌ال إبرهيم وء‌ال عمرن على العلمين(33) ]

وصعق على تصورها، وربما رأيت المني قد ملا ازار ذلك المحب عند صعقته، وحمقى العامة على حواليه قد ملؤا أدرانهم(1) بالدموع رققهم من حاله قال: احب ابا ثروان من حب تمرة * واعلم ان الرفق بالجار ارفق ووالله لو لا تمره ما حببته * ولا كان أدنى من عبيد ومشرق(2) قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا: يحتمل المضي والمضارعة، بمعنى فإن تتولوا.

فإن الله لا يحب الكافرين: لا يرضى عنهم ولا يغفر لهم.

ووضع المظهر موضع المضمر، لقصد العموم، والدلالة على أن التولي كفر، وأنه ينفي محبة الله، ومحبته مخصوصة بالمؤمنين.

وفي الآية، مع ما ذكر من الاخبار في بيانها، دلالة صريحة على كفر من تولى عن الولاية، فتبصر.

إن الله اصطفى: لما أوجب طاعة الرسول وأولاده الاوصياء، وبين أنها(1) الدرن بالتحريك: الوسخ وقد درن الثوب بالكسر درنا فهو درن (لسان العرب: ج 13 ص 153 لغة درن).

(2) لغيلان بن شجاع النهشلى، يقول: أحب هذا الرجل من أجل حب تمره، وأعلم أن الرفق بالجار أرفق منه بغيره، اي اشد رفقا، ويروي: ابا مروان، وفيه استعطاف لابي مروان وطلب الرفق منه بالشاعر.

ولا كان أدنى، أي أقرب إلى من عبيد ومشرق، وهما ابناه (تلخيص من هامش الكشاف: ج 1 ص 353).

(*)

[60]

الجالبة لمحبة، عقب ذلك ببيان مناقب الرسل وآلهم الذين أوصياء الرسول منهم تحريضا عليها.

ء‌ادم ونوحا وء‌ال إبرهيم: وآله: إسماعيل وإسحاق وأولادهما، ودخل فيهم الرسول (صلى الله عليه وآله) وأولاده الاوصياء (عليهم السلام).

في مجمع البيان: إن آل إبراهيم هم آل محمد الذين هم أهله، ويحب أن يكون الذين اصطفاهم الله مطهرين معصومين منزهين عن القبائح، لانه سبحانه لايختار ولا يصطفي إلا من كان كذلك، ويكون ظاهره مثل باطنه في الطهارة والعصمة، ثم قال: وهو المروي عن أبي عبدالله (عليه السلام)(1).

وفي تفسير العياشي، عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: " إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض " قال: نحن منهم ونحن بقية تلك العترة(2).

وفي شرح الآيات الباهرة: روى الشيخ أبوجعفر الطوسي (رحمه الله) عن روح ابن رواح، عن رجاله، عن إبراهيم النخعي، عن ابن عباس (رضي الله عنه) قال: دخلت على أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقلت: يا أبا الحسن أخبرني بما أوصى إليك رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فقال: ساخبركم، إن الله اصطفى لكم الدين وارتضاه وأتم عليكم نعمته، وكنتم أحق بها وأهلها، وأن الله أوحى إلى نبيه أن يوصي إلي فقال النبي (صلى الله عليه وآله): يا علي احفظ وصيتي وارفع ذمامي واوف بعهدي وانجز عداتي [ واقض ديني ] وقومها واحيي سنتي وادع إلى ملتي، لان الله تعالى اصطفاني واختارني، فذكرت دعوة أخي موسى (عليه السلام) فقلت: اللهم اجعل لي وزيرا من أهلي كما جعلت هارون من موسى، فأوحى الله عزوجل إلي أن عليا وزيرك وناصرك والخليفة من بعدك، ثم يا علي أنت من أئمة

___________________________________

(1) مجمع البيان: ج 1 - 2 ص 433 في بيان معنى آيتي 33 و 34 من سورة آل عمران، والظاهر أن قوله: (وهو المروي عن أبي عبدالله عليه السلام) لا علاقة له بما نقله أولا.

(2) تفسير العياشي: ج 1 ص 168 ح 29. (*)

[61]

الهدى وأولادك منك، فأنتم قادة الهدى والتقى والشجرة التي أنا أصلها وأنتم فرعها، فمن تمسك بها فقد نجا ومن تخلف عنها فقد هلك وهوى، وأنتم الذين أوجب الله تعالى مودتكم وولايتكم والذين ذكرهم الله في كتابه ووصفهم لعباده، فقال عزوجل من قائل: " إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم " فأنتم صفوة الله من آدم ونوح وآل إبراهيم وآل عمران، وأنتم الاسرة من إسماعيل والعترة الهادية من محمد (صلوات الله عليهم أجمعين)(1).

وفي عيون الاخبار في باب ذكر مجلس الرضا (عليه السلام) مع المأمون في الفرق بين العترة والامة في حديث طويل، وفيه: فقال المأمون: هل فضل الله العترة على سائر الناس؟ فقال أبوالحسن (عليه السلام): إن الله تعالى أبان فضل العترة على سائر الناس في محكم كتابه، فقال المأمون: أين ذلك من كتاب الله؟ فقال الرضا (عليه السلام): في قوله تعالى: " إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين "(2).

وء‌ال عمرن: آله: موسى وهارون ابنا عمران بن يصهر، وقيل: عيسى ومريم بنت عمران بن ثاثان، وبين العمرانين ألف وثمانمائة سنة(3).

وفي تفسير علي بن إبراهيم: قال العالم (عليه السلام): نزل (آل إبراهيم وآل عمران وآل محمد على العالمين) فأسقطوا آل محمد من الكتاب(4)(5).

___________________________________

(1) لا يوجد لدينا هذا الكتاب، ووجدناه في تفسير البرهان ج 1 سورة آل عمران ص 279 ح 16 نقلا عن الامالي.

(2) عيون أخبار الرضا: ج 1 ص 230 باب 23 ذكر مجلس الرضا مع المأمون. ح 1.

(3) أنوار التنزيل: ج 1 ص 156 - 157 في تفسير آية 33 من سورة آل عمران.

(4) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 100 في تفسير آية " ان الله اصطفى آدم ونوحا. " الآية.

(5) سيأتي من المصنف انكار ان يكون اسقاط من القرآن او زيادة فيه. وسنعرض له في تعاليق آتية.

ونقول هنا: ان روايات هكذا، وبهذه الصراحة في وقوع التحريف في الكتاب العزيز، تخالف نص القرآن اولا.

وصحيح الروايات ثانيا. قال تعالى: " لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ". وقال: " انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون ". وفي رسالة ابي جعفر (عليه السلام) إلى سعد الخير: " وكان من نبذهم الكتاب ان اقاموا حروفه وحرفوا حدوده. " (الكافي: ج 8 ص 53 ح 16).

فقد صرح الامام الباقر (عليه السلام) أنهم لم يمسوا حروفه وعباراته شيئا، وانما عمدوا إلى تأويله وتفسيره على غير الوجه. وهو تحريف بالمبنى.

وكذلك في حديث أبي بصير مع الامام الصادق (عليه السلام) سأله عن السبب في عدم ذكر اهل البيت صريحا في القرآن، فاجابه الامام (عليه السلام) انه سبحانه انما ذكر في القرآن اصول الشريعة وكليات الاحكام، اما الفروع والجزئيات، فموكول إلى بيان الرسول (صلى الله عليه وآله) يبينها للناس على سواء.

فلو كان هناك تحريف في لفظ الكتاب لما صح هذا الجواب (الكافي: ج 1 ص 286 ح 1).

وعليه، فحيث دل صريح الكتاب وصحيح الروايات على عدم التحريف، فكل ما ورد على خلاف ذلك، فهو مردود على اهله، ويضرب به عرض الجدار. نعم لواحتمل تأويلا مقبولا اولناه ولو بعيدا، لانه اولى من الطرح مهما امكن.

وقد حاول العلماء تأويل هكذا روايات إلى ارادة الاسقاط من التفسير، اي هكذا كانت الآية تفسر فغيروا تفسيرها إلى غر ذلك. على انا ذكرنا عند الكلام عن " صيانة القرآن من التحريف " ان هذا التفسير المشتهر بتفسير " علي بن إبراهيم القمي " ليس من تأليفه، وانما هو تأليف تلميذه " ابي الفضل العلوي " المجهول، وقد اهمله اصحاب التراجم.

وهذا قد اخذ شطرا من املاء‌ات القمي، واضاف اليه شطرا من تفسير ابي الجارود، الملعون المطرود، فمزج بينهما مزجا، وكانت حصيلته هذا التفسير الموجود اليوم، المنسوب إلى القمي نسبة غير صحيحة، وهو جفاء صريح. اذن فلا يمكن الاعتماد على روايات جاء‌ت في هذا التأليف غير معلوم النسب.

[62]

وفي مجمع البيان: وفي قراء‌ة أهل البيت (عليهم السلام): وآل محمد على العالمين(1).

وفي تفسير العياشي عن هشام بن سالم قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قول الله عزوجل: " إن الله اصطفى آدم ونوحا " فقال: هو آل إبراهيم وآل محمد على العالمين، فوضعوا اسما مكان اسم(2)(3).

___________________________________

(1) مجمع البيان ج 1 - 2 ص 433 في بيان معنى آية 33 من سورة آل عمران.

(2) تفسير العياشي: ج 1 ص 168، سورة آل عمران، ح 30.

(3) هذه الرواية ايضا منقولة عن تفسير مقطوع الاسانيد، كان في اصله تفسيرا مسندا ذا اعتبار ووزن ثمين، لكن مع الاسف الشديد، عمد بعض من لا خبرة له إلى استنساخ هذا السفر القيم فاسقط اسناد رواياته طرا لغرض الاختصار او لغاية اخرى اعقبت أسفا وضياعا مرا. وعلى اي حال، فان هذا الكتاب كسابقه (في التعليق المتقدم) ساقط عن درجة الاعتبار غير صالح للاستناد اليه، لانه مبتور مقطوع الاسانيد.

وعلى فرض الصحة فالرواية محمولة على ارادة التفسير، والا فهي معارضة باصح منها سندا واظهر متنا ودلالة، فضلا عن معارضة الكتاب وصحيح الروايات.

[63]

على العلمين: قيل: فيه دلالة ظاهرة على تفضليهم على الملائكة، وقد مر مافيه في سورة البقرة.

وفي كتاب الخصال: عن أبي الحسن الاول (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله تبارك وتعالى اختار من كل شئ أربعة، إلى أن قال: واختار من البيوت أربعة فقال تعالى: " إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين "(1).

وعن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال في وصية له: يا علي، إن الله عزوجل أشرف على الدنيا فاختارني منها على رجال العالمين، صم اطلع الثانية فاختارك على رجال العالمين بعدي، ثم اطلع الثالثة فاختار الائمة من ولدك على رجال العالمين بعدك، ثم اطلع الرابعة فاختار فاطمة على نساء العالمين.(2).

وفي عيون الاخبار: في باب مجلس الرضا (عليه السلام) عند المأمون مع أهل الملل والمقالات وما أجاب به علي بن محمد بن الجهم في عصمة الانبياء (صلوات الله عليهم) حديث طويل يقول فيه الرضا (عليه السلام): أما قوله عزوجل في آدم: " وعصى آدم ربه فغوى " فان الله عزوجل خلق آدم حجة في أرضة وخليفة في بلاده لم يخلقه للجنة، وكانت المعصية من آدم (عليه السلام) في الجنة لا في الارض، وعصمته يجب أن تكون في الارض لتتم مقادير أمر الله عزوجل، فلما اهبط إلى

___________________________________

(1) الخصال: ص 225 باب الاربعة إن الله " عزوجل " اختار من كل شئ أربعة، قطعة من ح 58.

(2) الخصال: ص 206 باب الاربعة الاطلاعات الاربع من الله عزوجل إلى الدنيا، ح 25. (*)

[64]

 




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21335408

  • التاريخ : 28/03/2024 - 14:59

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net