• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : الأخلاق في القرآن .
                    • الموضوع : التوبة والغفران في القرآن الكريم .

التوبة والغفران في القرآن الكريم

 

بقلم: السيد رضا العلي
قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى}[طه: 82]
المعاني العامة لبعض المفردات:
(إنّي) : ضمير عائد لله سبحانه وتعالى، أي: أنّ الله تعالى عهد على نفسه بالمغفرة إلى من رجع له سبحانه وناب إليه.
(الغفور): اسم مشتق من المغفرة، وهو الغافر الغفار، وأصله في اللغة التغطية والستر، وكلمة (غفّار) صيغة مبالغة، وتوحي أنّ الله سبحانه لا يقبل هؤلاء التائبين ويشملهم برحمته التي وسعت كلّ شيء مرّة واحدة فقط، بل سيعمهم عفوه ومغفرته مرات ومرات.
(تاب): لمن تاب من المعاصي والشرك.
(اهتدى): ملازمة الإيمان إلى الموت. وبحسب تفسير أهل البيت (عليهم السلام) إنّ المقصود من قوله (ثُمَّ اهْتَدَى) هو الاهتداء إلى ولايتهم.      
تعريف التوبة
وعرّفها، الشيخ المفيد، بقوله: (إنّ حقيقة التوبة هي الندم عن المعصية والعزم على عدم العود إلى مثلها في القبح). (أوائل المقالات، ص192. مثله عرّفها الشيخ الطوسي في التبيان ج3، ص145).
وعرّفها الشيخ محمد أمين زين الدين بقوله: (التوبة هي ندم العبد على ما فعل من المعاصي) [كلمة التقوى، ح1، ص193].
شروط التوبة
 جاء في جملة ما ذكره الإمام علي (عليه السلام) في خصوص التوبة، أنّ شروطها ستة:
أولها: النّدم على ما مضى من الذنب، وهو شرط صحة، أو قل هو الركن الأول من أركانها وبدونه لا تتحقق التوبة.
ثانيها: العزم على ترك الرجوع إلى الذنب، وهو شرط صحة أيضاً، وهو الركن الثاني لها.
ثالثها: إرجاع حقوق الآخرين، شرط قبول؛ إذ قد يكون العمل صحيحاً ولكنه غير مقبول عند الله تعالى، كمن يصلي صلاة يومية صحيحة من حيث الشرائط، ولكن من حيث الواقع غير مقبولة عند الله تعالى، كمن لا تنهاه صلاته عن فعل القبيح والمنكر { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ } [العنكبوت: 45].
رابعها: تأدية حقوق الله تعالى، وهو شرط قبول أيضاً.
خامسها: إذابة اللحم الذي بني من الحرام، وهو شرط قبول أيضاً.
سادسها: إذاقة البدن ألم الطاعة، وهو شرط قبول أيضاً.
كما ذكرنا أنّ هذه الشروط المتقدّمة قد جاء ذكرها في جواب لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) لمن قال في حضرته: (استغفر الله)، قال (عليه السلام): (ثكلتك أمك أتدري ما الاستغفار، إنّ الاستغفار درجة العليين وهو اسم واقع على ستة معان أولها الندم على ما مضى، والثاني العزم على ترك العود إليه أبداً، والثالث أن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله أملس ليس عليك تبعة، والرابع أن تعمد إلى كل فريضة عليك ضيعتها تؤدي حقها، والخامس أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتى تلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد، والسادس أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية، فعند ذلك تقول: أستغفر الله)[نهج البلاغة: المختار من الحكم رقم 417].
شروط الغفران:
ذكرت الآية مورد البحث شروطاً خاصةّ لتحقق المغفرة الإلهية، كان من بينها الشرط الأول وهو التوبة، أي لابد على العبد أولاً الإقلاع عن المعصية وتركها بالابتعاد عمّا حرمه الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) عليه؛ لكي يهيئ أرضية نفسه بحيث تكون روحه نقية زكية خالية من أثر جميع المعاصي بغسلها بماء التوبة.
ثمّ ذكرت شرطاً ثانياً، وهو الإقلاع عن الشرك بتحقق الإيمان؛ إذ إنّ ناقص الإيمان، الذي له أبواب وشعب متعددة، حتى قيل له أكثر من سبعين باباً، أعلاها شهادة أن لا إله الا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق.
 ثم بعد التوبة والإيمان لابد أن يقوم بغرس الطيّب لكي يجني ثماره بعد ذلك، وهو الشرط الثالث للمغفرة، أعني العمل الصالح، كما قال عزّ وجلّ{وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}[فاطر: 10]. فمن ليس له إلا الإيمان ومقصر في الأعمال، فإنه قريب من أن تنقلع شجرة إيمانه إذا صدمتها الرياح العاصفة المحركة للإيمان، كمجيء لحظة الموت وقدوم ملك الموت ووروده؛ بينما قال الله تعالى في حق صاحب الإيمان {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}[المجادلة :11]  
 ثم ذكرت الآية الكريمة شرطاً رابعاً معتبرة إياه أهم من الشروط السابقة، وهو شرط الاهتداء، وجاء في تفسير أهل البيت (عليهم السلام) لها بأنّ المراد من الاهتداء هنا هو الاهتداء إلى ولايتهم (عليهم السلام)، كما جاء ذلك في رواية عن الباقر (عليه السلام)، أنّه قال:(ثمّ اهتدى إلى ولايتنا أهل البيت) ثم أضاف (فو الله لو أنّ رجلاً عبد الله عمره ما بين الركن والمقام، ثم مات ولم يجيء بولايتنا لأكبه الله في النّار على وجهه) [تفسير نور الثقلين، ج3، ص387].
والآية قد أشارت إلى لزوم قبول الولاية، والالتزام بقيادة القادة الربانين، أي: أنّ المغفرة لا تتحقق بدونها حتى مع تحقق التوبة والإيمان والعمل الصالح، والاستمرار عليها.
النتيجة:
إنّ طبيعة الإنسان ميّالة للرغبات والشّهوات الحيوانيّة وأنّها ما أن تحس بالنعيم والتنعيم تطغى وتستغني عن الله تعالى، كما قال الله تعالى:{ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى }[العلق: 6-7] ولكن الإنسان المؤمن بالله سرعان ما أن يلتفت إلى نفسه فيندم على ما فعل ويسرع بإعلان التوبة والإنابة إلى الله تعالى خصوصاً وأنّ الله تعالى جعل باب التوبة مفتوحاً دائماً أمام كل من يريد الدخول منه للرجوع عن معصيته؛ نتيجة الغفلة عن ذكر الله فأنساهم الله أنفسهم{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[الحشر: 19].
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): أوحى الله عزّ وجلّ إلى داوود النبي: يا داوود إنّ عبدي المؤمن إذا أذنب ذنباً، ثم رجع وتاب من ذلك الذنب، واستحيا مني عند ذكره غفرت له، وأنسيته الحفظة وأبدلته الحسنة، ولا أبالي، وأنا أرحم الراحمين .[بحار الأنوار، ج6 ص28].

  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1458
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 02 / 13
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19