• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : الثقافة .
              • القسم الفرعي : شرح وصايا الإمام الباقر (ع) .
                    • الموضوع : حلقات في شرح وصايا الإمام الباقر (عليه السلام) - 7 * .

حلقات في شرح وصايا الإمام الباقر (عليه السلام) - 7 *

 الأستاذ آية الله الشيخ مصباح اليزدي


 بسم الله الرحمـٰن الرحيم

الخوف الصادق

خلاصة ما فات

«وَتَخَلَّصْ إِلَى عَظِيمِ الشُّكْرِ بِاسْتِكْثَارِ قَلِيلِ الرِّزْقِ وَاسْتِقْلالِ كَثِيرِ الطَّاعَةِ، وَاسْتَجْلِبْ زِيَادَةَ النِّعَمِ بِعَظِيمِ الشُّكْرِ، وَتَوَسَّلْ إِلَى عَظِيمِ الشُّكْرِ بِخَوْفِ زَوَالِ النِّعَمِ»1

استعرضنا في المحاضرة الماضية فقرة من حديث جابر يوصيه فيها الإمام الباقر (عليه السلام) بالقول: «يا جابر! استكثر لنفسك من الله قليل الرزق تخلّصاً إلى الشكر، واستقلل من نفسك كثير الطاعة لله إزراءً على النفس وتعرُّضاً للعفو»؛ أي فليكن رزق الله القليل إليك في نظرك كثيراً وعبادتك الكثيرة لله قليلة كي تستطيع شكر الله تعالى. وقد ذكرتُ حينها أنّ عبارة مشابهة لهذه العبارة جاءت في أواخر الرواية وهي التي تلوتها عليكم في مستهلّ الكلام. وقد ذكرنا أنّ الإمام (سلام الله عليه) في الواقع يريد أن يبيّن هنا طريقة لاستنهاض الدافع إلى الشكر في أنفسنا. فخلاصة القول: إنّ الهدف من إسباغ النعم كافّة هو الشكر. لكنّه قد جرت العادة عندنا أنّ جلّ ما نصنعه إذا أردنا شكر الله تعالى هو أن نقول: الشكر لله! لكنّنا إذا أمعنّا النظر في هذا الشكر وجدناه عارياً عن اللياقة. إذن فمن أجل أن يكون شكرنا لائقاً فلابدّ من مراعاة أمرين؛ الأوّل هو أن نعرف آلاء الله حقّ معرفتها ولا نستقلّها. ولابدّ هنا من التفكّر مليّاً بأنّه كم من النعم التي هيّئها ورتّبها الباري تعالى كي يصل هذا الرزق إلى أيدينا؟ والثاني هو أن نستقلّ عباداتنا ولا نقيم لها وزناً.

وقد ذكرنا أيضاً أنّ الله عزّ وجلّ، ولكي يحثّنا على الشكر وجني جزيل ثماره وعظيم نتائجه، فقد اعتمد أساليب اُخرى من جملتها الوعد بزيادة الرزق عند الشكر والإنذار – في المقابل – بزوال النعمة في حال عدمه. فهو يشير في ختام العبارة المذكورة أيضاً إلى نقطتين مهمّتين: «واستجلب زيادة النعم بعظيم الشكر»؛ أي: إذا شئت نيل المزيد من النعم فأكثر من الشكر، وليكن شكراً عظيماً أيضاً. ومن أجل أن تُوفَّق إلى تأدية عظيم الشكر عليك أن تفكّر في أنّك إن لم تشكر فستزول منك النعم. وهذان العاملان يُعَدّان من أكبر العناصر المحفّزة للإنسان؛ فكلّ امرئ يسعى لنيل المزيد من النعم، وهذا يدلّنا على أنّ الازدياد في النعم هو من الاُمور التي تحظى بقيمة عظمى لدى الإنسان. وعلى العكس، فإنّ شحّة النعم يعتبر بلاء عظيماً له. إذن فالالتفات إلى هاتين النقطتين يحثّنا على شكر الله تعالى بما يستحقّه من الشكر. وبالطبع فإنّ الله ليس بحاجة لشكرنا، وإنّ سرّ إصراره على هذه المسألة هو رغبته جلّ وعلا في أن ينالنا نحن النفعُ من ذلك.

على أيّة حال فإنّ موضوع هاتين العبارتين مترابط وقد ارتأيتُ أن أضمّهما في بحث واحد حتّى وإن كان بينهما فاصل.

خطّة للعمل بالعلم

يتابع الإمام الباقر (عليه السلام) حديثه فيقول: «وَادْفَعْ عَنْ نَفْسِكَ حَاضِرَ الشَّرِّ بِحَاضِرِ الْعِلْمِ، وَاسْتَعْمِلْ حَاضِرَ الْعِلْمِ بِخَالِصِ الْعَمَلِ، وَتَحَرَّزْ فِي خَالِصِ الْعَمَلِ مِنْ عَظِيمِ الْغَفْلَةِ بِشِدَّةِ التَّيَقُّظِ، وَاسْتَجْلِبْ شِدَّةَ التَّيَقُّظِ بِصِدْقِ الْخَوْفِ». الإمام (عليه السلام) يركّز في هذه الوصايا الأخيرة على نقطة جوهريّة وهي: أنّك إذا استثمرت ما هو بحوزتك في الوقت الحاضر فستحصل على النتيجة المطلوبة؛ فإن خفت من أن يصيبك شرّ فاستخدم ما في جعبتك من علم؛ أي حاول أن تحسن العمل بما تعلم. فعمل الإنسان عن رياء وعُجب وتظاهر وما إلى ذلك ليس هو عملاً بما يعلم، بل هو عمل مخالف للعلم؛ ذلك أنّ العلم يقول له: لابدّ أن يكون عملك خالصاً. ومن أجل أن تكون قادراً على الإخلاص في عملك فاسْعَ أن تكون يقظاً تمام اليقظة في جوف الليل، وأن تتجنّب الغفلة لأنّ الغفلة تقود إلى الرياء في العمل. وبغية الحفاظ على حالة اليقظة فإنّ عليك أن تجتهد في أن يكون خوفك خوفاً صادقاً! ولوجود الترابط بين هذه الجمل فساُحاول التعرّض إليها ضمن تحليل واحد.

اغتنم ما تعلم!

نحن غالباً ما نسعى إلى اكتشاف السبيل التي تؤمّن لنا سعادتنا وكمالنا، ونظنّ أنّ اكتشاف سبيل كهذه هو بمثابة وصفة سحريّة وسرّ خفيّ علينا التجوال في أقطار العالم وأكنافه كي نعثر على خبير يعرف كيف يحرّر لنا هذه الوصفة الفريدة. لكنّ تفكيرنا بهذه الطريقة يدفعنا إلى التقاعس عن التوجّه نحو قمّة الكمال والقناعة بما أصبناه وما هو متوفّر بأيدينا. فهمّة المرء تقضي في بداية الطريق أن ينال المقامات العالية، لكنّه عندما يشاهد أنّ الأمر ليس بالسهولة التي يتصوّر فإنّه يتراجع شيئاً فشيئاً حتّى يصرف نظره عن الأمر كلّياً.
ومن أجل إلغاء هذا النمط من التفكير سعت الروايات إلى التأكيد على عدم تكثيف المساعي في كثرة طلب العلم؛ بل أن يركّز الإنسان سعيه في العمل بالمقدار الذي لديه من علم. يقول النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) في هذا المجال: «مَن عمل بما يعلم وَرّثه الله علمَ ما لم يعلم»2. إذن فالمهمّ هو أن يستفيد المرء ممّا بحوزته من العلم قبل أن يذهب إلى طلب غيره. بالطبع انّ المراد من العلم هنا هو العلوم التي ترتبط ارتباطاً مباشراً بالأعمال العباديّة وطاعة الله عزّ وجلّ.

فنحن نحبّ أن نعلم كلّ شيء؛ نودّ أن نعلم كيف وصل الأئمّة (صلوات الله عليهم أجمعين) وأولياء الله المقرّبون إلى ما وصلوا اليه من مقامات عالية؟ وما هي سلسلة المقامات والسبيل الموصلة إليه؟ فهذا هو حبّ الاستطلاع الذي غرسه الله تعالى في قلوب البشر وهو عامل مهمّ في دفع الإنسان إلى طلب العلم. لكنّ الأفضل من ذلك هو أن يعمل المرء بما تعلّمه. فشكر العلم يكون في العمل به. ألسنا نرغب في أن نقوم بما يجعلنا نشكر الله شكراً عظيماً كي يزيدنا من نعمه؟ فهذه الالتفاتة تمثّل بحدّ ذاتها علماً من العلوم وإنّ شكرها يكون في العمل بموجبها. ولهذا يقول الإمام الباقر (عليه السلام): «حاول جهدك أن تعمل بما اُوتيت من علم، على أن يكون عملك خالصاً».

الغفلة آفة الإخلاص

لكن كيف السبيل إلى إخلاص العمل؟ فلو وقف العبد وحيداً في مسجد أو صحراء يعبد ربّه من دون أن يراه أحد لما وجد في نفسه ما يحرّضه على الرياء، فالدافع للرياء لا يتولّد لدى المرء إلاّ إذا علم بأنّ شخصاً يراقب عمله؛ لأنّ «الرياء» يعني إظهار العمل للآخرين. فإذا تولّد في نفس المرء حافز على الرياء فستراه يحدّث نفسه: «إذا قمت بعملي بالكيفيّة التي ترضي فلاناً من الناس فإنّني سأحظى بمكانة مرموقة عنده وأقطف ثمار هذه المكانة. إذن من الأفضل أن اُصلّي صلاة لائقة أمامه»! غافلاً عن أنّ هذه النيّة تبطل صلاته؛ فلقد أغفَلَ ربّه إرضاءً للناس، وهذا من موجبات سخط الباري عزّ وجلّ.

إنّ ما يوجب خروج العمل عن حالة الإخلاص هو الغفلة عن مقام المعبود ولوازم ذلك المقام. فأوّل أثر للنيّة المشوبة هو ذهاب العبادة، بل وقد يُسجَّل له ذنب في صحيفة أعماله أيضاً. إذن فمن أجل أن يصبح عملنا خالصاً يتعيّن علينا المحافظة على هذه اليقظة حتّى لا تعرض الغفلة علينا.

ومن أجل حفظ هذه اليقظة فإنّ علينا الالتفات دوماً إلى هذه النقطة وهي: مَن هو الذي نتعامل معه؟ يجب أن نتنبّه باستمرار إلى أنّ تعاملنا هو مع الله سبحانه، وأنّ خلقه لا يقدرون على فعل أيّ شيء لنا: «وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ»3. إذن فما الذي يدفعني إلى التفكير بالناس والتظاهر أمامهم بالعبادة والزهد والتقوى؟! ينبغي لهذه القضيّة أن تكون حاضرة في أذهاننا دائماً. بالطبع إنّه عمل شاقّ ويحتاج إلى تمرين متواصل، ونادراً ما يُكلّل بالنجاح، فمشاغل الدنيا تجرّ الإنسان إلى الغفلة بين الفينة والاخرى. لكنّنا إذا تمكنّا من تقوية الخوف من الله في نفوسنا وجعله خوفاً صادقاً فإنّنا سننجوا من الرياء والغفلة.

 

ثق بوجود جهنّم!

وهنا تكمن المشكلة! فخوفنا من الله لا يتّصف بالعمق، فهو لا يتعدّى كونه ادّعاءً سطحيّاً. فعندما يكون خوف المرء من أمرٍ مّا جدّياً تراه يتوخّى الحذر الشديد لئلاّ يُبتلى به. فلو قيل: هناك في الطريق سلك كهربائيّ مجرّد من غلافه ملقىً على الأرض وهو موصول بالكهرباء ومن وَطَأه سيُصعَق، فسوف يتّخذ الجميع جانب الحيطة والحذر حتّى وإن كان احتمال كونه مكهرباً واحداً بالمائة فقط، حذراً من الإصابة بالصعقة الكهربائيّة. فإذا كان المرء يخاف من جهنّم ومن سقوطه من عين الله تعالى بقدر خوفه من سلك الكهرباء فسوف يكون يقظاً باستمرار كي لا يأتي بما يثير غضب الباري جلّ وعلا وسخطه عليه.

يقول الإمام (سلام الله عليه): «إذا أردت المحافظة على هذه اليقظة في سبيل عدم الابتلاء بالرياء والتحايل وطلب السمعة وكلّ ما يبطل العبادة فلابدّ أن يكون خوفك خوفاً صادقاً». وهنا يتبادر السؤال التالي إلى الذهن: كيف نجعل خوفنا صادقاً؟ وللإجابة على هذا السؤال يتعيّن الالتفات إلى قضيّة أنّه من أجل القيام بأيّ فعل فإننا نحن مَن ينبغي أن يقرّر القيام به، ومن ثمّ نُقدِم عليه بإرادتنا بعد التفكير والتأمّل. فإنّ عرْضَ خطّة للطريق لا يعني أنّ العمل سيُنجَز وينتهي كلّ شيء، بل إنّ تقديم الخطّة هو من أجل الإرشاد إلى الطريق الصحيح وتبيين مراحله كي يتمكّن المرء من التقدّم إلى المرحلة التالية بسهولة أكبر، أمّا الذي يتّخذ القرار ويُقدِم على العمل للحصول على نتائجه فهو الإنسان نفسه: «وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاّ مَا سَعَىٰ»4.

فمن أجل صيانة هذه اليقظة علينا تقوية الخوف في أنفسنا، وإطالة التفكير في كلام الله تعالى وفي أنّه: هل هذه الصورة التي ترسمها الآيات القرآنيّة عن عاقبة أهل المعصية جدّية؟ فابن آدم دائماً يرجّح دفع الضرر على استجلاب النفع. فلو دار الأمر بين أن يدفع عن نفسه مرضاً عضالاً وبين أن يحظى بجسم رشيق وجميل فهو سيرجّح دفع الضرر. فدفع الضرر هو من أهمّ العوامل المؤثّرة في أفعالنا الاختياريّة. وحتّى القرآن الكريم فإنّه يختار لأنبياء الله تعالى صفة المنذرين؛ حينما يقول: «أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ ءَايَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا»5، أو: «لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ»6. فصحيح أنّ الأنبياء (عليهم السلام) كانوا مبشّرين ومنذرين في آن معاً، لكنّ صفة «المنذر» قد اُطلقت عليهم بشكل مطلق، خلافاً لصفة «البشير» فهي لم تكن صفة مطلقة لهم؛ ذلك أنّ تأثير الإنذار في عمل المرء يفوق تأثير أيّ شيء آخر. طبعاً قد يُقدِم الإنسان على تعريض نفسه لضرر بسيط من أجل خير ونفع أعظم، لكنّه إذا تساوى عنده الضرر والنفع فإنّه يفضّل دفع الضرر على جلب النفع. ولا يتحقّق دفع الضرر إلاّ إذا خاف المرء من شيء مّا وعندها فقط سيسعى إلى دفع ضرره عنه، فإن لم يشعر بالخوف منه فإنّه لا يحاول دفع ضرره؛ فلو لم يخش الإنسان المرضَ فإنّه لن يراعي لوازم الصحّة والسلامة وسوف يُبتلى بالمرض لامحالة.

إذن فالخطوة الاُولى هي أن نسعى لتحصيل الخوف الصادق. أمّا السبيل إلى هذا الخوف فهو التفكّر في كلمات القرآن الكريم وتعابير الروايات الشريفة التي تذكّر بما للذنوب والسلوكيّات المنحرفة من تبعات سوء، ومحاولة تجسيد هذه التبعات أمام أنظارنا ولو قليلاً. فهذا النمط من الخوف يبعث على تيقّظ الإنسان وعدم غفلته، وإنّ عدم الغفلة يدفعه إلى الإخلاص في عمله، والإنسان المخلص يستفيد من علمه على نحو أفضل ويؤدّي شكر هذا العلم، وحينئذ سيزيد الله في علمه، وهكذا تتواصل هذه السلسلة؛ بمعنى أنّه: كلّما عمل بما لديه من المعلومات ازداد علمه. وإنّ العلم الأكثر يقتضي عملاً أكثر وأفضل، وهكذا تستمرّ هذه العجلة في الدوران حتّى يصل المرء إلى مقامات القرب من الله عزّ وجلّ.

ومن هذا المنطلق يقول أبو جعفر (عليه السلام): «وَادْفَعْ عَنْ نَفْسِكَ حَاضِرَ الشَّرِّ بِحَاضِرِ الْعِلْمِ، وَاسْتَعْمِلْ حَاضِرَ الْعِلْمِ بِخَالِصِ الْعَمَلِ، وَتَحَرَّزْ فِي خَالِصِ الْعَمَلِ مِنْ عَظِيمِ الْغَفْلَةِ بِشِدَّةِ التَّيَقُّظِ، وَاسْتَجْلِبْ شِدَّةَ التَّيَقُّظِ بِصِدْقِ الْخَوْفِ». ولعلّ التأكيد هنا على كلمة «حاضر» هو من أجل أن لا يظنّ الإنسان أنّ عليه الجدّ والمثابرة لسنوات طوال من أجل طلب العلم وعند ذاك فقط يمكنه العمل بهذا العلم، بل إنّه إذا استفاد من نفس هذا العلم الذي بحوزته في الوقت الحاضر فإنّه سيدفع الشرّ عنه. ثمّ يقول (عليه السلام): إنّ الإفادة من العلم هي أن تعمل به بكلّ إخلاص، وإنّ ما يبعث على تبدّد الإخلاص هي الغفلة. فبغية صيانة النفس من الغفلة ينبغي للمرء الاجتهاد في أن يكون في حالة يقظة تامّة، أمّا المفتاح لهذه اليقظة التامّة والمستمرّة فهو الخوف الصادق. فلابدّ أن تصدّق بما جاء في الآيات والروايات من ذكر أشكال العذاب كي تستثير هذه اليقظة في نفسك. لكنّك إن لم تحمل هذا الأمر على محمل الجدّ فستصاب بالغفلة وستُبتلى في إثرها بالرياء أيضاً.

ومن ثمّ يأتي الإمام (عليه السلام) بعبارة يكتنفها بعض الغموض، الذي قد يكون بسبب خطأ حصل في النسخ، وهي: «وَاحْذَرْ خَفِيَّ التَّزَيُّنِ بِحَاضِرِ الْحَيَاةِ». المعنى الذي أفهمه أنا من العبارة هو أنّ الإمام الباقر (سلام الله عليه) يشير هنا استكمالاً لموضوع الخوف الصادق إلى آفة هذا النمط من الخوف. فإنّ من الاُمور التي تجعل المرء لا يحمل ألوان الإنذار على محمل الجدّ هي معاشرة محبّي الدنيا. فإنّ معاشرة اُولئك الذين لا يفتأون يتّحدثون عن ملذّات الدنيا، وعن صعود أسعار المادّيات ونزولها، وعن الأفلام، وما شابه ذلك ولا ينقطعون عن التفكير في التزيّن بزينة الدنيا وزخارفها هي من العوامل التي تخلي قلب الإنسان من الخوف، فلا يصبح بعد ذلك من اُولئك الذين تضطرب وترتعش قلوبهم لذكر الله عزّ وجلّ، بل قد يبلغ مرحلة لا يحبّ معها سماع اسم الباري المتعال! فأنا اُفسّر جملة: «وَاحْذَرْ خَفِيَّ التَّزَيُّنِ» بهذه الصورة: احذر ممّن همّته التزيّن بالحياة الدنيا. فمعاشرة أمثال هؤلاء تبعث على فقدان الخوف الصادق وإزالة التيقّظ من قلب الإنسان، والله العالم.

وفّقنا الله وإيّاكم إن شاء الله


1. تحف العقول، ص285.

2. بحار الأنوار، ج40، ص128.

3. سورة يونس، الآية 107.

4. سورة النجم، الآية 39.

5. سورة الزمر، الآية 71.

6. سورة غافر، الآية 15.

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1929
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 04 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18