00989338131045
 
 
 
 

  • الصفحة الرئيسية لقسم النصوص

التعريف بالدار :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • من نحن (2)
  • الهيكلة العامة (1)
  • المنجزات (15)
  • المراسلات (0)
  • ما قيل عن الدار (1)

المشرف العام :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • سيرته الذاتية (1)
  • كلماته التوجيهية (14)
  • مؤلفاته (4)
  • مقالاته (73)
  • إنجازاته (5)
  • لقاءاته وزياراته (14)

دروس الدار التخصصية :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • التجويد (6)
  • الحفظ (14)
  • الصوت والنغم (11)
  • القراءات السبع (5)
  • المفاهيم القرآنية (6)
  • بيانات قرآنية (10)

مؤلفات الدار ونتاجاتها :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • المناهج الدراسية (7)
  • لوائح التحكيم (1)
  • الكتب التخصصية (8)
  • الخطط والبرامج التعليمية (6)
  • التطبيقات البرمجية (11)
  • الأقراص التعليمية (14)
  • الترجمة (10)
  • مقالات المنتسبين والأعضاء (32)
  • مجلة حديث الدار (51)
  • كرّاس بناء الطفل (10)

مع الطالب :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • مقالات الأشبال (36)
  • لقاءات مع حفاظ الدار (0)
  • المتميزون والفائزون (14)
  • المسابقات القرآنية (22)
  • النشرات الأسبوعية (48)
  • الرحلات الترفيهية (12)

إعلام الدار :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • الضيوف والزيارات (160)
  • الاحتفالات والأمسيات (75)
  • الورش والدورات والندوات (62)
  • أخبار الدار (33)

المقالات القرآنية التخصصية :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • علوم القرآن الكريم (156)
  • العقائد في القرآن (62)
  • الأخلاق في القرآن (163)
  • الفقه وآيات الأحكام (11)
  • القرآن والمجتمع (69)
  • مناهج وأساليب القصص القرآني (26)
  • قصص الأنبياء (ع) (81)

دروس قرآنية تخصصية :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • التجويد (17)
  • الحفظ (5)
  • القراءات السبع (3)
  • الوقف والإبتداء (13)
  • المقامات (5)
  • علوم القرآن (1)
  • التفسير (16)

تفسير القرآن الكريم :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • علم التفسير (87)
  • تفسير السور والآيات (176)
  • تفسير الجزء الثلاثين (37)
  • أعلام المفسرين (16)

السيرة والمناسبات الخاصة :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • النبي (ص) وأهل البيت (ع) (105)
  • نساء أهل البيت (ع) (35)
  • سلسلة مصوّرة لحياة الرسول (ص) وأهل بيته (ع) (14)
  • عاشوراء والأربعين (44)
  • شهر رمضان وعيد الفطر (19)
  • الحج وعيد الأضحى (7)

اللقاءات والأخبار :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • لقاء وكالات الأنباء مع الشخصيات والمؤسسات (40)
  • لقاء مع حملة القرآن الكريم (41)
  • الأخبار القرآنية (98)

الثقافة :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • الفكر (2)
  • الدعاء (16)
  • العرفان (5)
  • الأخلاق والإرشاد (19)
  • الاجتماع وعلم النفس (13)
  • شرح وصايا الإمام الباقر (ع) (19)

البرامج والتطبيقات :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • البرامج القرآنية (3)

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية لهذا القسم
  • أرشيف مواضيع هذا القسم
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة









 
 
  • القسم الرئيسي : الثقافة .

        • القسم الفرعي : شرح وصايا الإمام الباقر (ع) .

              • الموضوع : حلقات في شرح وصايا الإمام الباقر (عليه السلام) - 7 * .

حلقات في شرح وصايا الإمام الباقر (عليه السلام) - 7 *

 الأستاذ آية الله الشيخ مصباح اليزدي


 بسم الله الرحمـٰن الرحيم

الخوف الصادق

خلاصة ما فات

«وَتَخَلَّصْ إِلَى عَظِيمِ الشُّكْرِ بِاسْتِكْثَارِ قَلِيلِ الرِّزْقِ وَاسْتِقْلالِ كَثِيرِ الطَّاعَةِ، وَاسْتَجْلِبْ زِيَادَةَ النِّعَمِ بِعَظِيمِ الشُّكْرِ، وَتَوَسَّلْ إِلَى عَظِيمِ الشُّكْرِ بِخَوْفِ زَوَالِ النِّعَمِ»1

استعرضنا في المحاضرة الماضية فقرة من حديث جابر يوصيه فيها الإمام الباقر (عليه السلام) بالقول: «يا جابر! استكثر لنفسك من الله قليل الرزق تخلّصاً إلى الشكر، واستقلل من نفسك كثير الطاعة لله إزراءً على النفس وتعرُّضاً للعفو»؛ أي فليكن رزق الله القليل إليك في نظرك كثيراً وعبادتك الكثيرة لله قليلة كي تستطيع شكر الله تعالى. وقد ذكرتُ حينها أنّ عبارة مشابهة لهذه العبارة جاءت في أواخر الرواية وهي التي تلوتها عليكم في مستهلّ الكلام. وقد ذكرنا أنّ الإمام (سلام الله عليه) في الواقع يريد أن يبيّن هنا طريقة لاستنهاض الدافع إلى الشكر في أنفسنا. فخلاصة القول: إنّ الهدف من إسباغ النعم كافّة هو الشكر. لكنّه قد جرت العادة عندنا أنّ جلّ ما نصنعه إذا أردنا شكر الله تعالى هو أن نقول: الشكر لله! لكنّنا إذا أمعنّا النظر في هذا الشكر وجدناه عارياً عن اللياقة. إذن فمن أجل أن يكون شكرنا لائقاً فلابدّ من مراعاة أمرين؛ الأوّل هو أن نعرف آلاء الله حقّ معرفتها ولا نستقلّها. ولابدّ هنا من التفكّر مليّاً بأنّه كم من النعم التي هيّئها ورتّبها الباري تعالى كي يصل هذا الرزق إلى أيدينا؟ والثاني هو أن نستقلّ عباداتنا ولا نقيم لها وزناً.

وقد ذكرنا أيضاً أنّ الله عزّ وجلّ، ولكي يحثّنا على الشكر وجني جزيل ثماره وعظيم نتائجه، فقد اعتمد أساليب اُخرى من جملتها الوعد بزيادة الرزق عند الشكر والإنذار – في المقابل – بزوال النعمة في حال عدمه. فهو يشير في ختام العبارة المذكورة أيضاً إلى نقطتين مهمّتين: «واستجلب زيادة النعم بعظيم الشكر»؛ أي: إذا شئت نيل المزيد من النعم فأكثر من الشكر، وليكن شكراً عظيماً أيضاً. ومن أجل أن تُوفَّق إلى تأدية عظيم الشكر عليك أن تفكّر في أنّك إن لم تشكر فستزول منك النعم. وهذان العاملان يُعَدّان من أكبر العناصر المحفّزة للإنسان؛ فكلّ امرئ يسعى لنيل المزيد من النعم، وهذا يدلّنا على أنّ الازدياد في النعم هو من الاُمور التي تحظى بقيمة عظمى لدى الإنسان. وعلى العكس، فإنّ شحّة النعم يعتبر بلاء عظيماً له. إذن فالالتفات إلى هاتين النقطتين يحثّنا على شكر الله تعالى بما يستحقّه من الشكر. وبالطبع فإنّ الله ليس بحاجة لشكرنا، وإنّ سرّ إصراره على هذه المسألة هو رغبته جلّ وعلا في أن ينالنا نحن النفعُ من ذلك.

على أيّة حال فإنّ موضوع هاتين العبارتين مترابط وقد ارتأيتُ أن أضمّهما في بحث واحد حتّى وإن كان بينهما فاصل.

خطّة للعمل بالعلم

يتابع الإمام الباقر (عليه السلام) حديثه فيقول: «وَادْفَعْ عَنْ نَفْسِكَ حَاضِرَ الشَّرِّ بِحَاضِرِ الْعِلْمِ، وَاسْتَعْمِلْ حَاضِرَ الْعِلْمِ بِخَالِصِ الْعَمَلِ، وَتَحَرَّزْ فِي خَالِصِ الْعَمَلِ مِنْ عَظِيمِ الْغَفْلَةِ بِشِدَّةِ التَّيَقُّظِ، وَاسْتَجْلِبْ شِدَّةَ التَّيَقُّظِ بِصِدْقِ الْخَوْفِ». الإمام (عليه السلام) يركّز في هذه الوصايا الأخيرة على نقطة جوهريّة وهي: أنّك إذا استثمرت ما هو بحوزتك في الوقت الحاضر فستحصل على النتيجة المطلوبة؛ فإن خفت من أن يصيبك شرّ فاستخدم ما في جعبتك من علم؛ أي حاول أن تحسن العمل بما تعلم. فعمل الإنسان عن رياء وعُجب وتظاهر وما إلى ذلك ليس هو عملاً بما يعلم، بل هو عمل مخالف للعلم؛ ذلك أنّ العلم يقول له: لابدّ أن يكون عملك خالصاً. ومن أجل أن تكون قادراً على الإخلاص في عملك فاسْعَ أن تكون يقظاً تمام اليقظة في جوف الليل، وأن تتجنّب الغفلة لأنّ الغفلة تقود إلى الرياء في العمل. وبغية الحفاظ على حالة اليقظة فإنّ عليك أن تجتهد في أن يكون خوفك خوفاً صادقاً! ولوجود الترابط بين هذه الجمل فساُحاول التعرّض إليها ضمن تحليل واحد.

اغتنم ما تعلم!

نحن غالباً ما نسعى إلى اكتشاف السبيل التي تؤمّن لنا سعادتنا وكمالنا، ونظنّ أنّ اكتشاف سبيل كهذه هو بمثابة وصفة سحريّة وسرّ خفيّ علينا التجوال في أقطار العالم وأكنافه كي نعثر على خبير يعرف كيف يحرّر لنا هذه الوصفة الفريدة. لكنّ تفكيرنا بهذه الطريقة يدفعنا إلى التقاعس عن التوجّه نحو قمّة الكمال والقناعة بما أصبناه وما هو متوفّر بأيدينا. فهمّة المرء تقضي في بداية الطريق أن ينال المقامات العالية، لكنّه عندما يشاهد أنّ الأمر ليس بالسهولة التي يتصوّر فإنّه يتراجع شيئاً فشيئاً حتّى يصرف نظره عن الأمر كلّياً.
ومن أجل إلغاء هذا النمط من التفكير سعت الروايات إلى التأكيد على عدم تكثيف المساعي في كثرة طلب العلم؛ بل أن يركّز الإنسان سعيه في العمل بالمقدار الذي لديه من علم. يقول النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) في هذا المجال: «مَن عمل بما يعلم وَرّثه الله علمَ ما لم يعلم»2. إذن فالمهمّ هو أن يستفيد المرء ممّا بحوزته من العلم قبل أن يذهب إلى طلب غيره. بالطبع انّ المراد من العلم هنا هو العلوم التي ترتبط ارتباطاً مباشراً بالأعمال العباديّة وطاعة الله عزّ وجلّ.

فنحن نحبّ أن نعلم كلّ شيء؛ نودّ أن نعلم كيف وصل الأئمّة (صلوات الله عليهم أجمعين) وأولياء الله المقرّبون إلى ما وصلوا اليه من مقامات عالية؟ وما هي سلسلة المقامات والسبيل الموصلة إليه؟ فهذا هو حبّ الاستطلاع الذي غرسه الله تعالى في قلوب البشر وهو عامل مهمّ في دفع الإنسان إلى طلب العلم. لكنّ الأفضل من ذلك هو أن يعمل المرء بما تعلّمه. فشكر العلم يكون في العمل به. ألسنا نرغب في أن نقوم بما يجعلنا نشكر الله شكراً عظيماً كي يزيدنا من نعمه؟ فهذه الالتفاتة تمثّل بحدّ ذاتها علماً من العلوم وإنّ شكرها يكون في العمل بموجبها. ولهذا يقول الإمام الباقر (عليه السلام): «حاول جهدك أن تعمل بما اُوتيت من علم، على أن يكون عملك خالصاً».

الغفلة آفة الإخلاص

لكن كيف السبيل إلى إخلاص العمل؟ فلو وقف العبد وحيداً في مسجد أو صحراء يعبد ربّه من دون أن يراه أحد لما وجد في نفسه ما يحرّضه على الرياء، فالدافع للرياء لا يتولّد لدى المرء إلاّ إذا علم بأنّ شخصاً يراقب عمله؛ لأنّ «الرياء» يعني إظهار العمل للآخرين. فإذا تولّد في نفس المرء حافز على الرياء فستراه يحدّث نفسه: «إذا قمت بعملي بالكيفيّة التي ترضي فلاناً من الناس فإنّني سأحظى بمكانة مرموقة عنده وأقطف ثمار هذه المكانة. إذن من الأفضل أن اُصلّي صلاة لائقة أمامه»! غافلاً عن أنّ هذه النيّة تبطل صلاته؛ فلقد أغفَلَ ربّه إرضاءً للناس، وهذا من موجبات سخط الباري عزّ وجلّ.

إنّ ما يوجب خروج العمل عن حالة الإخلاص هو الغفلة عن مقام المعبود ولوازم ذلك المقام. فأوّل أثر للنيّة المشوبة هو ذهاب العبادة، بل وقد يُسجَّل له ذنب في صحيفة أعماله أيضاً. إذن فمن أجل أن يصبح عملنا خالصاً يتعيّن علينا المحافظة على هذه اليقظة حتّى لا تعرض الغفلة علينا.

ومن أجل حفظ هذه اليقظة فإنّ علينا الالتفات دوماً إلى هذه النقطة وهي: مَن هو الذي نتعامل معه؟ يجب أن نتنبّه باستمرار إلى أنّ تعاملنا هو مع الله سبحانه، وأنّ خلقه لا يقدرون على فعل أيّ شيء لنا: «وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ»3. إذن فما الذي يدفعني إلى التفكير بالناس والتظاهر أمامهم بالعبادة والزهد والتقوى؟! ينبغي لهذه القضيّة أن تكون حاضرة في أذهاننا دائماً. بالطبع إنّه عمل شاقّ ويحتاج إلى تمرين متواصل، ونادراً ما يُكلّل بالنجاح، فمشاغل الدنيا تجرّ الإنسان إلى الغفلة بين الفينة والاخرى. لكنّنا إذا تمكنّا من تقوية الخوف من الله في نفوسنا وجعله خوفاً صادقاً فإنّنا سننجوا من الرياء والغفلة.

 

ثق بوجود جهنّم!

وهنا تكمن المشكلة! فخوفنا من الله لا يتّصف بالعمق، فهو لا يتعدّى كونه ادّعاءً سطحيّاً. فعندما يكون خوف المرء من أمرٍ مّا جدّياً تراه يتوخّى الحذر الشديد لئلاّ يُبتلى به. فلو قيل: هناك في الطريق سلك كهربائيّ مجرّد من غلافه ملقىً على الأرض وهو موصول بالكهرباء ومن وَطَأه سيُصعَق، فسوف يتّخذ الجميع جانب الحيطة والحذر حتّى وإن كان احتمال كونه مكهرباً واحداً بالمائة فقط، حذراً من الإصابة بالصعقة الكهربائيّة. فإذا كان المرء يخاف من جهنّم ومن سقوطه من عين الله تعالى بقدر خوفه من سلك الكهرباء فسوف يكون يقظاً باستمرار كي لا يأتي بما يثير غضب الباري جلّ وعلا وسخطه عليه.

يقول الإمام (سلام الله عليه): «إذا أردت المحافظة على هذه اليقظة في سبيل عدم الابتلاء بالرياء والتحايل وطلب السمعة وكلّ ما يبطل العبادة فلابدّ أن يكون خوفك خوفاً صادقاً». وهنا يتبادر السؤال التالي إلى الذهن: كيف نجعل خوفنا صادقاً؟ وللإجابة على هذا السؤال يتعيّن الالتفات إلى قضيّة أنّه من أجل القيام بأيّ فعل فإننا نحن مَن ينبغي أن يقرّر القيام به، ومن ثمّ نُقدِم عليه بإرادتنا بعد التفكير والتأمّل. فإنّ عرْضَ خطّة للطريق لا يعني أنّ العمل سيُنجَز وينتهي كلّ شيء، بل إنّ تقديم الخطّة هو من أجل الإرشاد إلى الطريق الصحيح وتبيين مراحله كي يتمكّن المرء من التقدّم إلى المرحلة التالية بسهولة أكبر، أمّا الذي يتّخذ القرار ويُقدِم على العمل للحصول على نتائجه فهو الإنسان نفسه: «وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاّ مَا سَعَىٰ»4.

فمن أجل صيانة هذه اليقظة علينا تقوية الخوف في أنفسنا، وإطالة التفكير في كلام الله تعالى وفي أنّه: هل هذه الصورة التي ترسمها الآيات القرآنيّة عن عاقبة أهل المعصية جدّية؟ فابن آدم دائماً يرجّح دفع الضرر على استجلاب النفع. فلو دار الأمر بين أن يدفع عن نفسه مرضاً عضالاً وبين أن يحظى بجسم رشيق وجميل فهو سيرجّح دفع الضرر. فدفع الضرر هو من أهمّ العوامل المؤثّرة في أفعالنا الاختياريّة. وحتّى القرآن الكريم فإنّه يختار لأنبياء الله تعالى صفة المنذرين؛ حينما يقول: «أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ ءَايَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا»5، أو: «لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ»6. فصحيح أنّ الأنبياء (عليهم السلام) كانوا مبشّرين ومنذرين في آن معاً، لكنّ صفة «المنذر» قد اُطلقت عليهم بشكل مطلق، خلافاً لصفة «البشير» فهي لم تكن صفة مطلقة لهم؛ ذلك أنّ تأثير الإنذار في عمل المرء يفوق تأثير أيّ شيء آخر. طبعاً قد يُقدِم الإنسان على تعريض نفسه لضرر بسيط من أجل خير ونفع أعظم، لكنّه إذا تساوى عنده الضرر والنفع فإنّه يفضّل دفع الضرر على جلب النفع. ولا يتحقّق دفع الضرر إلاّ إذا خاف المرء من شيء مّا وعندها فقط سيسعى إلى دفع ضرره عنه، فإن لم يشعر بالخوف منه فإنّه لا يحاول دفع ضرره؛ فلو لم يخش الإنسان المرضَ فإنّه لن يراعي لوازم الصحّة والسلامة وسوف يُبتلى بالمرض لامحالة.

إذن فالخطوة الاُولى هي أن نسعى لتحصيل الخوف الصادق. أمّا السبيل إلى هذا الخوف فهو التفكّر في كلمات القرآن الكريم وتعابير الروايات الشريفة التي تذكّر بما للذنوب والسلوكيّات المنحرفة من تبعات سوء، ومحاولة تجسيد هذه التبعات أمام أنظارنا ولو قليلاً. فهذا النمط من الخوف يبعث على تيقّظ الإنسان وعدم غفلته، وإنّ عدم الغفلة يدفعه إلى الإخلاص في عمله، والإنسان المخلص يستفيد من علمه على نحو أفضل ويؤدّي شكر هذا العلم، وحينئذ سيزيد الله في علمه، وهكذا تتواصل هذه السلسلة؛ بمعنى أنّه: كلّما عمل بما لديه من المعلومات ازداد علمه. وإنّ العلم الأكثر يقتضي عملاً أكثر وأفضل، وهكذا تستمرّ هذه العجلة في الدوران حتّى يصل المرء إلى مقامات القرب من الله عزّ وجلّ.

ومن هذا المنطلق يقول أبو جعفر (عليه السلام): «وَادْفَعْ عَنْ نَفْسِكَ حَاضِرَ الشَّرِّ بِحَاضِرِ الْعِلْمِ، وَاسْتَعْمِلْ حَاضِرَ الْعِلْمِ بِخَالِصِ الْعَمَلِ، وَتَحَرَّزْ فِي خَالِصِ الْعَمَلِ مِنْ عَظِيمِ الْغَفْلَةِ بِشِدَّةِ التَّيَقُّظِ، وَاسْتَجْلِبْ شِدَّةَ التَّيَقُّظِ بِصِدْقِ الْخَوْفِ». ولعلّ التأكيد هنا على كلمة «حاضر» هو من أجل أن لا يظنّ الإنسان أنّ عليه الجدّ والمثابرة لسنوات طوال من أجل طلب العلم وعند ذاك فقط يمكنه العمل بهذا العلم، بل إنّه إذا استفاد من نفس هذا العلم الذي بحوزته في الوقت الحاضر فإنّه سيدفع الشرّ عنه. ثمّ يقول (عليه السلام): إنّ الإفادة من العلم هي أن تعمل به بكلّ إخلاص، وإنّ ما يبعث على تبدّد الإخلاص هي الغفلة. فبغية صيانة النفس من الغفلة ينبغي للمرء الاجتهاد في أن يكون في حالة يقظة تامّة، أمّا المفتاح لهذه اليقظة التامّة والمستمرّة فهو الخوف الصادق. فلابدّ أن تصدّق بما جاء في الآيات والروايات من ذكر أشكال العذاب كي تستثير هذه اليقظة في نفسك. لكنّك إن لم تحمل هذا الأمر على محمل الجدّ فستصاب بالغفلة وستُبتلى في إثرها بالرياء أيضاً.

ومن ثمّ يأتي الإمام (عليه السلام) بعبارة يكتنفها بعض الغموض، الذي قد يكون بسبب خطأ حصل في النسخ، وهي: «وَاحْذَرْ خَفِيَّ التَّزَيُّنِ بِحَاضِرِ الْحَيَاةِ». المعنى الذي أفهمه أنا من العبارة هو أنّ الإمام الباقر (سلام الله عليه) يشير هنا استكمالاً لموضوع الخوف الصادق إلى آفة هذا النمط من الخوف. فإنّ من الاُمور التي تجعل المرء لا يحمل ألوان الإنذار على محمل الجدّ هي معاشرة محبّي الدنيا. فإنّ معاشرة اُولئك الذين لا يفتأون يتّحدثون عن ملذّات الدنيا، وعن صعود أسعار المادّيات ونزولها، وعن الأفلام، وما شابه ذلك ولا ينقطعون عن التفكير في التزيّن بزينة الدنيا وزخارفها هي من العوامل التي تخلي قلب الإنسان من الخوف، فلا يصبح بعد ذلك من اُولئك الذين تضطرب وترتعش قلوبهم لذكر الله عزّ وجلّ، بل قد يبلغ مرحلة لا يحبّ معها سماع اسم الباري المتعال! فأنا اُفسّر جملة: «وَاحْذَرْ خَفِيَّ التَّزَيُّنِ» بهذه الصورة: احذر ممّن همّته التزيّن بالحياة الدنيا. فمعاشرة أمثال هؤلاء تبعث على فقدان الخوف الصادق وإزالة التيقّظ من قلب الإنسان، والله العالم.

وفّقنا الله وإيّاكم إن شاء الله


1. تحف العقول، ص285.

2. بحار الأنوار، ج40، ص128.

3. سورة يونس، الآية 107.

4. سورة النجم، الآية 39.

5. سورة الزمر، الآية 71.

6. سورة غافر، الآية 15.

 

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/04/27   ||   القرّاء : 5434





 
 

كلمات من نور :

من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها .

البحث في القسم :


  

جديد القسم :



 السيرة القرآنية للإمام الرضا (عليه السلام)

 الأخوة في القرآن الكريم *

 مـلامـح الإبـداع في التجربة التفسيرية للشهيد الصدر (قدّس سرّه)

 قراءة في استعمال الإمام الخميني للظهور في الآيات الشريفات

 التفسير عند السيد الخوئي

 توجيهات لخدام القرآن الكريم لاستقبال شهر رمضان المبارك 1446هـ

 قصص القرآن حقائقُ وقعتْ في تاريخ الأُمم

 التزاور في الإسلام آدابه وآثاره وأهدافه

 حقيقة التفسير وتمييزه عن سائر شؤون القرآن الكريم

 أثر الأسباب المادية والغـيـبـيـة في حياة البشر

ملفات متنوعة :



 المؤسسات القرآنية ينبغي أن لا تصر على الأسلوب المكثف للتحفيظ

 ماذا تحت الثرى حتى يقسم الله العلي العظيم به

 كلمة شكر للمساهمين بتسنّم الدار المراتب الأولى في المسابقة القرآنيّة للعام ١٤٤٠هـ

 حقيقة الإنسان في القرآن

 سلسلة دروس في الوقف والابتداء (الدرس الثالث عشر)

 فضل القرآن الكريم على اللغة العربية

 الفساد في المفهوم القرآني

 لقاء مع الأستاذ ميثاق عزيز الأحمدي

 الوضع السياسي للأمّة الإسلامية في عصر الإمامين الكاظم والرضا(عليهما السلام)

  سيدة عشّ آل محمّد .. إطلالة نور ورحمة

إحصاءات النصوص :

  • الأقسام الرئيسية : 13

  • الأقسام الفرعية : 71

  • عدد المواضيع : 2223

  • التصفحات : 17426319

  • التاريخ :

المكتبة :

. :  الجديد  : .
 موسوعة التسبيح في مدرسة الثقلين - الجزء الثالث

 موسوعة التسبيح في مدرسة الثقلين - الجزء الثاني

 موسوعة التسبيح في مدرسة الثقلين - الجزء الأول

 معالم السجود في الإسلام

 معالم التسبيح في الإسلام

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء العشرون)

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء التاسع عشر)

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء الثامن عشر)

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء السابع عشر)

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء السادس عشر)



. :  كتب متنوعة  : .
 تفسير الصافي ( الجزء الرابع)

 تفسير النور - الجزء الخامس

 الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل (الجزء السادس عشر

 التبيان في تفسير القرآن ( الجزء الثامن )

 تفسير النور - الجزء العاشر

 صيانة القرآن من التحريف

 عصمة الأنبياء في القرآن الكريم

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء العشرون)

 توجيهات الداني لظواهر الرسم القرآني

 موسوعة التسبيح في مدرسة الثقلين - الجزء الثالث

الأسئلة والأجوبة :

. :  الجديد  : .
 إمكان صدور أكثر من سبب نزول للآية الواحدة

 تذكير الفعل أو تأنيثه مع الفاعل المؤنّث

 حول امتناع إبليس من السجود

 الشفاعة في البرزخ

 في أمر المترفين بالفسق وإهلاكهم

 التشبيه في قوله تعالى: {وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ}

 هل الغضب وغيره من الانفعالات ممّا يقدح بالعصمة؟

 كيف يعطي الله تعالى فرعون وملأه زينة وأموالاً ليضلّوا عن سبيله؟

 كيف لا يقبل الباري عزّ وجلّ شيئاً حتى العدل {وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ}؟

 حول المراد من التخفيف عن المقاتلين بسبب ضعفهم



. :  أسئلة وأجوبة متنوعة  : .
 كيف يراجع الحافظ للقرآن الكريم؟

 معنى آية من سورة الأحقاف

 علاج المرض بالقرآن

 هل يجوز اهداء ختمة القرآن الی الوالدين و هم احياء؟

 ارجو ذكر تفسير لبعض فواتح السور مثل « كهيعص ».

 هل يشترط في كلمة ( ولا الضالين ) في الصلاة الواجبة وضع اللسان في مكان معين حتى تخرج الضاد على النهج الصحيح ؟

 أنبياء ورسل إلى البشر والجن؟

 معنى قوله تعالى (وإن من شيعته لإبراهيم)

 حكم خروج الزوجة بلا إذن زوجها في بُعده الشرعي والاجتماعي

 س: هل التكرار وحده يكفي لذلك؟

الصوتيات :

. :  الجديد  : .
 الصفحة 604

 الصفحة 603

 الصفحة 602

 الصفحة 601

 الصفحة 600

 الصفحة 599

 الصفحة 598

 الصفحة 597

 الصفحة 596

 الصفحة 595



. :  الأكثر إستماع  : .
 مقام البيات ( تلاوة ) ـ الشيخ عبدالباسط عبدالصمد (25386)

 مقام صبا ( تلاوة ) ـ حسان (13409)

 مقام البيات ( تواشيح ) ـ فرقة القدر (10304)

 مقام صبا ( تواشيح ) ـ ربي خلق طه من نور ـ طه الفشندي (9766)

 الدرس الأول (8762)

 الشیخ الزناتی-حجاز ونهاوند (8450)

 الدرس الأوّل (8068)

 آل عمران من 189 إلى 195 + الكوثر (7987)

 سورة الحجرات وق والانشراح والتوحيد (7899)

 درس رقم 1 (7820)



. :  الأكثر تحميلا  : .
 مقام البيات ( تلاوة ) ـ الشيخ عبدالباسط عبدالصمد (6923)

 مقام صبا ( تواشيح ) ـ ربي خلق طه من نور ـ طه الفشندي (5163)

 مقام النهاوند ( تلاوة ) محمد عمران ـ الاحزاب (4363)

 مقام صبا ( تلاوة ) ـ حسان (4143)

 سورة البقرة والطارق والانشراح (3860)

 مقام البيات ( تواشيح ) ـ فرقة القدر (3690)

 الدرس الأول (3505)

 تطبيق على سورة الواقعة (3376)

 الرحمن + الواقعة + الدهر الطور عراقي (3365)

 الدرس الأوّل (3302)



. :  ملفات متنوعة  : .
 الصفحة 155

 فصلت

 سورة آل عمران

 سورة النبأ ـ عبدالباسط ـ عجم ورست

 سورة المعارج

 الصفحة 400

 الصفحة 272

 الجزء 14 - الحزب 28 - القسم الثاني

 الصفحة 245

 الصفحة 150

الفيديو :

. :  الجديد  : .
 الأستاذ السيد نزار الهاشمي - سورة فاطر

 الأستاذ السيد محمدرضا المحمدي - سورة آل عمران

 محمد علي فروغي - سورة القمر و الرحمن و الكوثر

 محمد علي فروغي - سورة الفرقان

 محمد علي فروغي - سورة الأنعام

 أحمد الطائي _ سورة الفاتحة

 أستاذ منتظر الأسدي - سورة الإنسان

 أستاذ منتظر الأسدي - سورة البروج

 أستاذ حيدر الكعبي - سورة النازعات

 اعلان لدار السیدة رقیة (ع) للقرآن الکریم



. :  الأكثر مشاهدة  : .
 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الاول (9496)

 القارئ أحمد الدباغ - سورة الدخان 51 _ 59 + سورة النصر (8848)

 سورة الطارق - السيد محمد رضا المحمدي (7959)

 سورة الدهر ـ الاستاذ عامر الكاظمي (7608)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الثالث (7444)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الثاني (7431)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الحادي عشر (7164)

 سورة الانعام 159الى الأخيرـ الاستاذ ميثم التمار (7155)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الخامس (7125)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الرابع (6954)



. :  الأكثر تحميلا  : .
 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الاول (3377)

 القارئ أحمد الدباغ - سورة الدخان 51 _ 59 + سورة النصر (3052)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الثاني (2839)

 سورة الطارق - السيد محمد رضا المحمدي (2728)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الرابع (2609)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس السابع (2569)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الثالث (2567)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الحادي عشر (2555)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الخامس (2533)

 سورة الدهر ـ الاستاذ عامر الكاظمي (2519)



. :  ملفات متنوعة  : .
 محمد علي فروغي - سورة الفرقان

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الحادي عشر

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس التاسع

 الفلم الوثائقي حول الدار أصدار قناة المعارف 3

 سورة الذاريات ـ الاستاذ السيد محمد رضا محمد يوم ميلاد الرسول الأكرم(ص)

 سورة الرعد 15-22 - الاستاذ رافع العامري

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الثامن

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الثالث

 تواشيح السيد مهدي الحسيني ـ مدينة القاسم(ع)

 الأستاذ السيد محمدرضا المحمدي - سورة آل عمران

















 

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net