• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : تفسير القرآن الكريم .
              • القسم الفرعي : أعلام المفسرين .
                    • الموضوع : أثر علماء الشيعة في بناء علم التفسير* .

أثر علماء الشيعة في بناء علم التفسير*

آية الله العظمى الشيخ جعفر السبحاني

إنّ القرآن هو المصدر الرئيسي للمسلمين في مجالي العقيدة والشريعة، وهو المعجزة الخالدة للنبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله)، وقد قام المسلمون بأروع الخدمات لهذا الكتاب الإلهي على وجه لا تجد له مثيلاً بين أصحاب الشرائع السابقة، حتّى أسّسوا لفهم كتابهم علوماً قد بقي في ظلّها القرآن مفهوماً للأجيال، كما قاموا بتفسيره وتبيين مقاصده بصور شتى، لا يسع المقام ذكرها. فأدّوا واجبهم تجاه كتاب الله العزيز ـ شكر الله مساعيهم ـ من غير فرق بين الشيعة والسنّة.

إنّ مدرسة الشيعة منذ أن ارتحل النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) إلى يومنا هذا، أنتجت تفاسير على أصعدة مختلفة، وخدمت الذكر الحكيم بصور شتّى، نأتي بوجه موجز، لما ألّف في القرون الإسلامية الأُولى.

إنّ أئمّة أهل البيت ـ بعد الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) ـ هم المفسّـرون الحقيقيون للقرآن الكريم، حيث فسّروا القرآن بالعلوم التي نحلهم الرسول (صلّى الله عليه وآله) بأقوالهم وأفعالهم وتقريراتهم التي لا تشذّ عن قول الرسول (صلّى الله عليه وآله) وفعله وحجته، ومن الظلم الفادح أن نذكر الصحابة والتابعين في عداد المفسّـرين ولا نعترف بحقوق أئمّة أهل البيت وهم عديله باتفاق الجميع.

وهذا ما فعله في كتابه محمّد حسين الذهبي، جعل عليّاً ـ وهو الوصي وباب علم النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ـ في الطبقة الثالثة من حيث نقل الرواية عنه، وجعل تلميذه ابن عباس في الدرجة الأُولى!!(1)، ولم يذكر عن بقية الأئمّة شيئاً مع كثرة ما نقل عنهم في مجال التفسير من الروايات الوافرة.

أقول: ما أن ارتحل النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) حتّى عكف المسلمون على دراسة القرآن وتدبره، بيد أنّهم وجدوا أنّ لفيفاً من المسلمين كانوا عاجزين عن فهم بعض ألفاظ القرآن. والقرآن وإن نزل بلغة الحجاز إلاّ أ نّه يحوي ألفاظاً غير رائجة فيها، وربّما كانت رائجة بين القبائل الأُخرى، وهذا النوع من الألفاظ ما سمّوه بـ «غريب القرآن». وقد سأل ابن الأزرق ـ رأس الخوارج ـ ابن عبّاس عن شيء كثير من غريب القرآن وأجاب عنه مستشهداً بشعر العرب الأقحاح، وقد جمعها السيوطي في إتقانه(2).

وبما أنّ تفسير غريب القرآن كان الخطوة الأُولى لتفسيره، فقد ألّف أصحابنا في إبّان التدوين كتباً في ذلك المضمار، نذكر قليلاً من كثير:

1 ـ غريب القرآن، لأبان بن تغلب بن رباح البكري (المتوفّى 141هـ ).(3)

2 ـ غريب القرآن، لمحمّد بن السائب الكلبي، من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام).(4)

3 ـ غريب القرآن، لأبي روق، عطية بن الحارث الهمداني الكوفي التابعي. قال ابن عقدة: كان ممّن يقول بولاية أهل البيت.(5)

4 ـ غريب القرآن، لعبد الرحمن بن محمّد الأزدي الكوفي، جمع فيه ما ورد في الكتب الثلاثة المتقدّمة.(6)

5 ـ غريب القرآن، للشيخ أبي جعفر أحمد بن محمّد الطبري الآملي الوزير الشيعي (المتوفّى 313هـ ).(7)

وقد توالى التأليف حول غريب القرآن في القرون الماضية، فبلغ العشرات، وكان أخيرها ـ لا آخرها ـ ما ألّفه السيّد محمّد مهدي الخرسان في جزأين.(8)

مجازات القرآن

إذا كان الهدف من هذه الكتب بيان معاني مفردات القرآن وألفاظه، فإنّ في الجانب الآخر منه لوناً آخر من التفسير يهدف لبيان مقاصده ومعانيه إذا كانت الآية مشتملة على المجاز والكناية والاستعارة. إليك أخي القارئ الكريم نماذج قليلة ممّا أُلّف في ذلك المجال بيد أعلام الشيعة:

1 ـ مجاز القرآن، لشيخ النحاة الفرّاء يحيى بن زياد الكوفي (المتوفّى عام 207هـ )، وقد طبع أخيراً في جزأين.(9)

2 ـ مجاز القرآن، لمحمّد بن جعفر بن محمّد، أبو الفتح الهمداني. قال النجاشي: له كتاب «ذكر المجاز من القرآن»(10).

3 ـ مجازات القرآن، للشريف الرضي المسمّى بتلخيص البيان في مجازات القرآن. وهو أحسن ما أُلّف في هذا الباب، وهو مطبوع.

التفسير بصور متنوّعة

وهناك لون آخر من التفسير، يعمد فيه المفسّـر إلى توضيح قسم من الآيات تجمعها صلة خاصّة كالمحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، وآيات الأحكام، وقصص الأنبياء، وأمثال القرآن، وأقسامه، والآيات الواردة في مغازي النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، والنازلة في حقّ العترة الطاهرة (عليهم السلام) إلى غير ذلك من الموضوعات التي لا تعمّ جميع آيات القرآن، بل تختصّ بموضوع واحد.

وكان علماء الشيعة قد شاركوا غيرهم من علماء المسلمين في هذا الجانب الحيوي والمهم، ورفدوا المكتبة الإسلامية بهذه الأنواع من التفاسير، ومن أراد أن يقف عليها فعليه أن يرجع إلى المعاجم، وأخص بالذكر: الذريعة إلى تصانيف الشيعة.

الشيعة والتفسير الموضوعي

إنّ نزول القرآن نجوماً، وتوزّع الآيات الراجعة إلى موضوع واحد في سور متعدّدة، يطلب لنفسه نمطاً آخر، غير النمط المعروف بالتفسير الترتيبي; فإنّ النمط الثاني يتّجه إلى تفسير القرآن سورة بعد سورة، وآية بعد آية، وأمّا النمط الأوّل فيحاول فيه المفسّـر إيراد الآيات الواردة في موضوع خاصّ، في مجال البحث، وتفسير الجميع جملة واحدة وفي محلّ واحد.

فيستمدّ المفسّـر من المعاجم المؤلّفة حول القرآن، ومن غيرها، في الوقوف على الآيات الواردة في جانب معيّـن، مثلاً في خلق السماء والأرض، أو الإنسان، أو أفعاله وحياته الأخروية، فيفسّـر المجموع مرّة واحدة، ويرفع إبهام آية بآية أُخرى، ويخرج بنتيجة واحدة، وهذا النوع من التفسير وإن لم يهتم به القدماء واكتفوا منه بتفسير بعض الموضوعات كآيات الأحكام، والناسخ والمنسوخ، إلاّ أنّ المتأخّرين منهم بذلوا جهدهم في طريقه، ولعلّ العلاّمة المجلسي (1037 ـ 1110هـ ) كان أوّل من فتـح هذا البــاب على مصراعيه في موسوعته الموسومة بـ «بحار الأنوار»، حيث أورد في أوّل كل باب من أبواب كتابه المتخصّصة جملة الآيات الواردة حول موضوع الباب، ثمّ لجأ إلى تفسيرها إجمالاً، ثمّ أورد ما جمعه من الأحاديث التي لها صلة بالباب.

وقد قام كاتب هذه السطور بتفسير الآيات النازلة حول العقائد والمعارف وانتشر باسم «مفاهيم القرآن» في عشرة أجزاء.

الشيعة والتفسير الترتيبي

إنّ المنهج الراسخ بين القدماء وأكثر المتأخّرين هو التفسير الترتيبي، وقد قام فضلاء الشيعة من صحابة الإمام علي والتابعين له إلى العصر الحاضر بهذا النمط من التفسير، إمّا بتفسير جميع سوره، أو بعضها، والغالب على التفاسير المعروفة في القرون الثلاثة الأُولى، هو التفسير بالأثر، ولكن انقلب النمط إلى التفسير العلمي والتحليلي من أواخر القرن الرابع. فأوّل من ألّف من الشيعة على هذا المنهاج هو الشريف الرضي (359 ـ 406هـ ) مؤلّف كتاب «حقائق التأويل» في عشرين جزءاً(11)، ثمّ جاء بعده أخوه الشريف المرتضى فسلك مسلكه في أماليه المعروفة بـ «الدرر والغرر»، ثمّ توالى التأليف على هذا المنهاج من عصر الشيخ الأكبر الطوسي (385 ـ 460هـ ) مؤلّف «التبيان في تفسير القرآن» في عشرة أجزاء كبار، إلى عصرنا هذا.

فقد قامت الشيعة في كلّ قرن بتأليف عشرات التفاسير وفق أساليب متنوّعة، ولغات متعدّدة. لا يحصيها إلاّ المتوغّل في المعاجم وبطون المكتبات.

ولقد فهرسنا على وجه موجز أسماء مشاهير المفسّـرين من الشيعة وأعلامهم في 14 قرناً، وفصّلنا كلّ قرن عن القرن الآخر، واكتفينا بالمعروفين منهم; لأنّ ذكر غيرهم عسير ومحوج إلى تأليف حافل. فبلغ عددهم (122) مفسّراً. ومن أراد الإلمام بذلك فعليه الرجوع إلى المقدّمة التي قدّمناها لتفسير التبيان للشيخ الطوسي، ولأجل ذلك نطوي الكلام في المقام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* من كتاب: بحوث في الملل والنحل، آية الله الشيخ جعفر السبحاني، ج6، ص662-668، - موقع مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام) على الانترنت، بتصرّف يسير.

1. التفسير والمفسّـرون: 1 / 89 ـ90.

2. الإتقان: 4 / 55 ـ 88.

3. رجال النجاشي: 1 / 73 برقم 6.

4. المصدر نفسه: 78 برقم 6.

5. فهرست ابن النديم: 57 ; رجال النجاشي: 1 / 78.

6. رجال النجاشي: 1 / 78.

7. فهرست ابن النديم: 58.

8. الذريعة: 16 / 50 برقم 208.

9. المصدر نفسه: 19 / 351 برقم 1567.

10. رجال النجاشي: 2 / 319 برقم 1054.

11. وللأسف لم توجد منه نسخة كاملة في عصرنا الحاضر إلاّ الجزء الخامس، وهو يكشف عن عظمة هذا السفر ويدل على جلالة المؤلّف.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2338
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 03 / 18
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29