• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : مؤلفات الدار ونتاجاتها .
              • القسم الفرعي : مقالات المنتسبين والأعضاء .
                    • الموضوع : فئة الشباب وضرورة اغتنام الفرص .

فئة الشباب وضرورة اغتنام الفرص

سماحة الدكتور الشيخ جواد أمين

بسم الله الرحمن الرحيم

عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: «يا أبا ذر اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك‏» [وسائل الشيعة، ج1، ص115].

تأتي فترة العطل المدرسية والشغلية غالباً استجابة لحاجة النفس والجسم إلى الراحة بعد أشهر ملئت بكل أشكال الاجتهاد والعطاء وليكون الإنسان مستعدًا لما هو قادم من واجبات ومسؤوليات، ممّا يجعل الحاجة ملحّة إلى (كسر) روتين الحياة والترويح عن النفس والتخلّص من الملل.

ومع بدء فترات العطل، يجد الشباب أنفسهم بحاجة لبرنامج يكون فيه عدّة أهداف منها: زيادة قدرات النفس وتوجيه ميولاتها بما يجعلها معترفة بفقرها واحتياجها لله القوي والغني المطلق، وبالتالي تحصينها من كل الآفات المحدقة بها، وأهمّها آفة الفراغ على مستوى الوقت والفكر التي تلقي بظلالها القاتمة على حياة بعض الناس، وتنهي سعادتهم، وتحوّل حياتهم إلى كآبة وهمّ وغمّ، وقد يؤدّي إلى انحرافات عديدة تؤثّر على سلوكيات المجتمع، وقد يقود البعض إلى السقوط في هوّة الغفلة والفساد.

من خلال هذا التحقيق الذي نلتمس فيه جوانب عديدة، قد يغفل عنها كثير من الشباب والشابات خلال إجازتهم، فالبعض لا يعلم منه إلا السهر والنوم، حيث إنّهم قد غفلوا عن عدد من الأمور الهامّة، ولعل من أبسطها إعادة فرصة التواصل الاجتماعي، الذي أصبح ضعيفًا نتيجة للانشغال، وبدأ ينتابه شيء من الاضمحلال، حيث أصبحت العلاقات سطحية ونفعية ومؤقتة، نعم هذا التواصل الذي صار من أبرز الأهداف الإنسانية السامية  والتي يرتفع فيها الإنسان عن المقاصد المادية، وإذا كنّا نطالب الشباب باستغلال أوقات فراغهم، بما يعود عليهم بالنفع، فإنّه لابدّ للمجتمع أن يوفّر الوسائل المشروعة التي تساهم في شغل أوقات فراغهم، وتفريغ طاقاتهم بشكل يعود عليهم بالنفع.

الشباب نقلة نوعية للارتقاء الكيفي

لا شك أن الشباب هم الأكثر طموحًا في المجتمع لما يتمتعون به من روح حماسية ونفس طاهرة مهيأة لقبول نور الحق، فهم منبع السخاء والحب والعفاف، ولو أحسن استغلال تلك الروح والقوة بشكل مناسب، لحدثت في المجتمعات نقلة نوعية وتنمية شاملة وفي جميع المجالات، فللشباب قصب السبق في الارتقاء الكيفي من خلال تحلّيهم بأفكار رياديّة وخلاّقة تسير بالأمم للرقيّ والازدهار والتقدّم.

ونلاحظ أن القرآن الكريم ضرب أفضل الأمثلة وأجملها في الشباب الفتية الذين امتحنهم الله عز وجل، فأدّوا دورهم في القيام بالواجبات وتحمّل أعباء المسؤوليات الضخمة، ومنهم: نبي الله يوسف (عليه السلام) الذي آتاه الله العلم والحكمة عندما بلغ أشده، قال تعالى: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَينَاهُ حُكماً وَعِلماً وَكَذَلِكَ نَجزِي المُحسِنِينَ﴾ [يوسف: 22].

وذلك من خلال نبذ ملّة الشرك والكفر بالآخرة، واتباع ملّة أولياء الله تعالى القائمة على الإيمان به والانصياع لأوامره على كل حال – ولو مع تحمّل شتى أنواع المشاقّ والأخطار - ﴿إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ﴾ [يوسف: 38-39].

فأصبح الفتـى القوي الصامد أمام إغراءات الجنس والمال والجاه وضغوط الاضطهاد، والفتى الثائر المكسر لكل قيود وأغلال العبودية والمجتمع الفاسد، فآثر السجن على تلك الأغلال ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [يوسف: 33].

ومن الأمثلة الأخرى الرائعة للفتوّة والشباب هم (أصحاب الكهف)، حيث ظهرت فيهم شعلة الإيمان بالله فتألّقت قلوبهم نوراً وهدًى، بعدما كانوا يعيشون وسط بيئة فاسدة شاعت فيها عبادة الأصنام والكفر، فأحسوا بالفساد، وبتوفيق من الله تعالى قرّروا القيام ضدّ هذا المحيط الفاسد الهدّام بشكل علني، بعدما لم تكن لهم القدرة على إظهارها، فتحمّلوا في سبيل ذلك أعباء الدعوة فربط الله على قلوبهم، قال تعالى: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا * هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا * وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا﴾ [الكهف: 13-16].

وغير ذلك من الأمثلة الكثيرة في القرآن الكريم والتأريخ للشباب والفتوة.

الشباب وتحمّل المسؤولية

تبيّن أنّ الشباب هم عُدّة الأمّة ورجال الغد، وفَلاحهم فلاح للأمّة، ومقياس تميّز الأمم إنّما يكون بوعي شبابها وإدراكهم، ومرحلة الشباب من أهمّ مراحل العمر، فهي مرحلة متميّزة بالقوة والعطاء والنشاط والقدرة أكثر من مراحل الحياة الأخرى، وجاء التخصيص بالسؤال عن هذه المرحلة لأهميتها، فعنه (صلّى  اليه عليه وآله) قوله: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع.. وذكر منها: وشبابه فيما أبلاه» [الأمالي، الصدوق، ص39].

ومن تتبّع أخبار الشباب، وتأمّل أحوالهم، وعرف كيف يقضون أوقاتهم، وكيف يمضون أعمارهم، عَلِمَ أن كثيراً من الشباب مضيّعون أوقاتهم، وأنّهم محرومون من نعمة استغلال العمر واغتنام الوقت، ولذا نراهم ينفقون أوقاتهم ويهدرون أعمارهم فيما لا يعود عليهم بالنفع. وإنّ المرء ليعجب من فرح هؤلاء بمرور الأيام، وسرورهم بانقضائها، ناسين أنّ كل دقيقة، بل كل لحظة تمضي من عمرهم تقرّبهم من القبر والآخرة، وتباعدهم عن الدنيا.

إنَّا لنفرح بالأيام نقطعها

                                                         وكل يوم مضى يدني من الأجل

وهنا لابد من وقفة جادة ننطلق بها من قراءة أنفسنا قراءة ندرك إمكاناتنا وقدراتنا الذاتية ومن ثم نقرأ جيدًا عوامل استثمار الوقت، ونمضي لما يحفظ قوّة الشباب وعنفوانه ومبادئه لندخل في قراءة الحياة ولنكون من الذين يقدّمون الأحسن والفضل في ميادين الابتلاء والامتحان، حيث يقول الله تبارك وتعالى: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [هود: 7].

لذا يحسن بفئة الشباب - خاصة - الاستفادة المثلى من جميع الأوقات بشكل عام، مع التركيز على الأوقات المقدّسة العبادية والعلمية، واستثمار أوقاتهم بشكل منظّم ومدروس ومحفوف بجدّية أكثر.

مجالات استثمار الوقت

من هنا، لابدّ أن ننطلق من قوله تبارك وتعالى: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [سورة العصر: 1-3]، ففي هذه السورة مضامين راقية؛ منها: كيفية استغلال الوقت، وأن هذا الإنسان دائم الخسارة على المستوى الوقتي، دائم الفلاح والربح ببركة اسثمار وصرف الوقت في الميدان الأمثل، فالوقت هو الحياة، وهو العمر الحقيقي للإنسان، وأن حفظه أصل كل خير، وضياعه منشأ كل شر، كان لابدّ من استثماره فيما يعود على الشاب بالخير في الدنيا والآخرة، وأن مجالات استثمار الوقت كثيرة، وللشباب أن يختار منها ما هو أنسب له وأصلح، ومن هذه المجالات:

1- حفظ كتاب الله تعالى وتعلُّمه

وهذا خيرُ ما يَستغِلُّ به المسلم وقته، وقد حثّ النبي (صلّى الله عليه وآله) على تعلُّم كتاب الله، في قوله المرويّ عنه: «خيركم من تعلّم القرآن وعلَّمه» [مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، ج‏4، ص: 235].

وعنه (صلّى الله عليه وآله) أيضاً أنه قال: (من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ خمسين آية كتب من الذاكرين، ومن قرأ مائة آية كتب من القانتين، ومن قرأ مائتي آية كتب من الخاشعين، ومن قرأ ثلاثمائة آية كتب من الفائزين، ومن قرأ خمس مائة آية كتب من المجتهدين، ومن قرأ ألف آية كتب له قنطار، والقنطار خمسون ألف مثقال ذهب، والمثقال أربعة وعشرون قيراطاً أصغرها مثل جبل أحد، وأكبرها ما بين السماء والأرض) [الأمالي للشيخ الصدوق، ص115].

وكل مؤمن وشاب غيور يشعر بمسؤولية كبرى تجاه كتاب الله الكريم، باعتبار أن القرآن الكريم هو المصدر الأول والأساس في الإسلام، والمنبع الذي ننتهل منه المعارف العذبة في شتى المجالات؛ الأخلاقية والسلوكية والمعرفية، وذلك من خلال بيان النبي (صلّى الله عليه وآله) والمعصومين من آله (عليهم السلام) فهم ورثة علم رسول الله وعِدل كتاب الله تبارك وتعالى بنص حديث الثقلين المتواتر.

وينبغي أيضًا إتباع العلم بالعمل، فلا فائدة من علم لا يتبعه عمل، وهو الأمر الذي كان يؤرّق كبار صحابة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقد ورد أن أبا ذر (رضي الله عنه) جاء إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله إني أخاف أن أتعلم القرآن ولا أعمل به، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (لا يعذب الله قلباً أسكنه القرآن) [بحار الأنوار، ج89، ص184].

2- طلب العلم

اغتنام الوقت في تحصيل العلم وطلبه له صور، منها: حضور الدروس العلمية، والاستماع إلى المحاضرات النافعة، واقتناء الكتب المفيدة.

وممّا يثلج الصدر في هذا الوقت إقامة الدورات العلمية التي هيّأت للشباب الاستفادة من مجموعة من العلماء وطلبة العلم في مكان وزمان محدَّدين، وأصبحت تنقل مثل هذه الدورات للعالم كلّه ـ بحمد الله تعالى ـ عبر وسائل الاتصال الحديثة.

3- إحياء الأوقات العبادية

فهناك أوقات اختصها الله تعالى بالتكريم وفضّلها على سائر الأوقات وأيام أشهر السنة، هي خير الأيام وخير الأشهر، ومن ذلك: ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، بنصّ القرآن الكريم، فينبغي للمؤمن ـ وخاصة الفتية الشباب والشابات ـ استثمار هذه الليالي المقدّسة بعبادة الله تعالى وطاعته، وإحياؤها بالعلم والتدبّر في آيات الله عز وجل والتفكّر في نظام خلقة السموات والأرض، والقيام بما ينفع الناس؛ فخير الناس مَن نفع الناس، كالتعاضد والتآخي وإسداء المعروف.

4- زيارة الأقارب وصلة الأرحام

فهي سبب لدخول الجنَّة، وحصول الرحمة، وزيادة العمر، وبسط الرزق، فعنه (صلّى الله عليه وآله): «من أحب أن يوسع له في رزقه، وينسأ له في أجله، فليصل رحمه‏» [مشكاة الأنوار، ص166].

والإجازة الصيفية فرصة عظيمة لتحقيق ذلك.

5- تعلُّم أنواع الفنون النافعة

مثل: الحاسوب واللُّغات والسباكة والكهرباء والنجارة وغيرها بهدف أن ينفع المسلم نفسه وإخوانه.

6- تعلّم المهارات التي يحتاجها الشاب في حياته العملية

مثل: مهارات القراءة السريعة، مهارات البحث والكتابة، مهارات الطباعة، ومهارات الإلقاء.. وغيرها.

كلمة للشباب واستنهاض لهممهم

أيها الشاب العزيز..

وفّقنا الله وإياكم لتربية جيل المستقبل لهذه الأمة الإسلامية، لتكون خير أمّة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، كما أرادها الله تعالى. وسعى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لتكوينها، وديمومتها، معزّزةً مكرّمة بين الأمم على مرّ العصور بالأخص في عصر صاحب الأمر والزمان المصلح العالمي المنقذ الإمام المهدي (عليه السلام).

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمد وآله الطّاهرين وصحبه المنتجبين.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2363
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 05 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19