• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : مناهج وأساليب القصص القرآني .
                    • الموضوع : منهاج بحث القصة في القرآن الكريم ( القسم الثاني ) .

منهاج بحث القصة في القرآن الكريم ( القسم الثاني )

الشهيد السيد محمد باقر الحكيم

المنهج التقليدي التجزيئي

المنهج الاول : هو المنهج الذي سار عليه المفسرون منذ بداية عصر التفسير وذلك من خلال تناول الآيات القرآنية بحسب تسلسل دورها في القرآن الكريم آية بعد اخرى.

والتوجه العام في هذا المنهج هو تفسير المفردات والاحداث في القصة كما وردت في ذلك الموضع والمقطع من اجل فهمها في حدود موردها.

والاسلوب العام المتبع في هذا المنهج هو تفسير المفاهيم اللغوية، والبحث في الاحتمالات التاريخية والعقائدية حول المفردات. والتوسع احياناً في مناقشة الآراء المختلفة حولها. ومحاولة التركيب بين الوقائع في حدود المضمون العام للمقطع استناداً الى المأثور عن النبي واهل البيت (عليهم السلام) احياناً او الصحابة والتابعين واهل الكتاب في الغالب.

ويمكن ان نجد نموذجاً لهذا المنهج في تفسير مجمع البيان للطبرسي والتفسير الكبير للفخر الرازي وتفسير الميزان للعلامة الطباطبائي مع وجود الفرق بينهم في التوسع والتحليل والاستطراد.

وقد اضاف العلامة الطباطبائي لهذا المنهج تقديم خلاصة كاملة عامة عن قصة كلنبي من الانبياء اختار لها موضعاً مناسباً من موارد القصة، حاول فيها ان يقتصر على ما ذكره القرآن الكريم فيها من مفاهيم، مع تقسيم القصة الى عدة اقسام يذكر فيهاصفات النبي التي ذكرها القرآن الكريم بطريقة استعراضية والوضع العام لقومهوالاحداث التي رافقت حياته.

وبهذا الاسلوب يكون العلامة الطباطبائي قد قدم لنا منهجاً اخر متطوراً في عرض القصة القرآنية سوف نشير اليه، ولا سيما انه يضيف الى هذا العرض بعض الابحاث التاريخية العامة او المستفادة من الكتب الدينية السابقة ويتناولها بالبحث والتمحيص.

وقد اعتمد العلامة الطباطبائي في هذا التطوير على منهجه التفسيري العام الذي يحاول فيه الاعتماد على القرآن الكريم وحده ويميز فيه بين ما هو قرآني وغير قرآنى، كما يحاول ان يجمع فيه بين التفسير التجزيئي والتفسير الموضوعي.

وقد يبدو للمتابع ان العلامة الطباطبائي قد تأثر في هذا المنهج بالمنهج الذي اتبعه عبدالوهاب النجار في كتابه قصص القرآن، ولكن مع احداث تطوير في العرض كما اشرنا ولا سيما وان العلامة الطباطبائي يتناول الابحاث والاثارات التي ذكرت في هذا الكتاب ويأخذ منه احياناً بعض الموضوعات باشارة او بدون اشارة.

ومن البديهي فان ذلك لا يقلل من اهمية الانجاز الذي حققه العلامة الطباطبائي في كتابه الميزان.

وبذلك  يكون قد جمع العلامة الطباطبائي بين منهج البحث التجزيئي في القصة حيث يستفيض في تحليله ومتابعة ومناقشة الاراء في الموارد المختلفة حسب ورود القصة من ناحية وبين منهج عرض القصة بصورة عامة كموضوع قرآني. ومقارنتها احياناً بالابحاث الاخرى ذات العلاقة بها سواء الدينية منها كما وردت في النصوص والروايات وكتب العهدين او التاريخية الانسانية.

المنهج الحديثي

المنهج الثاني: الذي يتناول قصص الانبياء كموضوع مستقل من خلال النصوص الدينية التي وردت عن النبي واهل بيته والصحابة والتابعين ، ويمكن ان نذكر نموذجاً لذلك في اعمال وكتابات كل من ابن كثير الدمشقي في كتابه (قصص الانبياء) والمجلسي في كتابه (البحار) قسم قصص الانبياء، حيث يتم ذكر الآيات القرآنية ذات العلاقة بالمقطع او الجانب الخاص للقصة ثم ذكر الروايات المتعددة التي وردت حولها.

ويمتاز ابن كثير في بحثه هذا بعدة امتيازات تجعله النموذج الامثل في العرض والاسلوب لهذا المنهج، مع قطع النظر عن مدى وثاقة النصوص او النتائج التي ينتهي اليها في البحث.

الميزة الاولى: هي تقطيع القصة الى عدة فصول تتناسب مع تسلسلها التاريخي وايراد الآيات والروايات ذات العلاقة بالفصل المذكور، واما المجلسي فهو يفصلها بطريقة اخرى لايلاحظ فيها التسلسل التاريخي ؟

فمثلا نجد العلامة المجلسي في البحار يذكر العناوين التالية ـ فقط ـ في قصة ابراهيم عليه السلام:

1 ـ علل تسمية ابراهيم وسنه وفضائله ومكارم اخلاقه وسننه ونقش خاتمه.

2 ـ قصص ولادته الى كسر الاصنام وما جرى بينه وبين نمرود (فرعون زمانه) وبيان حال ابيه.

3 ـ إراءته ملكوت السماوات والارض وسؤاله إحياء الموتى والكلمات التي سأل ربه وما أوحي اليه وصدر عنه من الحكم.

4 ـ جمل احواله ووفاته.

5 ـ احوال اولاده وازواجه صلوات الله عليهم وبناء البيت.

6 ـ قصة الذبح وتعيين الذبيح.

واما ابن كثير، فقد ذكر في كتابه (قصص الانبياء) العناوين التالية في قصة ابراهيم عليه السلام

1 ـ قصة ابراهيم الخليل.

2 ـ ذكر مناظرة الخليل مع من أراد أن ينازع الخليل.

3 ـ ذكر هجرة الخليل الى بلاد الشام ودخول الديار المصرية واستقراره بالارض المقدسة.

4 ـ ذكر مولد اسماعيل من هاجر.

5 ـ ذكر مهاجرة ابراهيم بابنه اسماعيل وامه هاجر الى جبال فاران وهي ارض مكة وبنائه البيت العتيق.

6 ـ قصة الذبح

7 ـ ذكر مولد اسحاق.

8 ـ ذكر بنائه البيت العتيق.

9 ـ ذكر ثناء الله ورسوله الكريم على عبده وخليله ابراهيم.

10 ـ ذكر قصره في الجنة.

11 ـ ذكر صفة ابراهيم عليه السلام.

12 ـ ذكر وفاة ابراهيم الخليل وما قيل في عمره.

13 ـ ذكر اولاد ابراهيم الخليل.

وبملاحظة هذه العناوين يمكن ان نلاحظ  احد الميزات بين هذين الاسلوبين في هذا النهج، حيث انهما يسيران في بقية الانبياء على هذا الاسلوب.

الميزة الثانية : ان ابن كثير يتناول النصوص المختلفة بالبحث والتحليل من حيث المضمون والسند ولا سيما عندما تكون مختلفة ويطبق عليها الضوابط العلمية التي يؤمن بها على طريقة مذهب اهل الحديث.

واما العلامة المجلسي فهو لا يهتم  بهذا الجانب كثيراً الا بالقدر الذي يصحح فيه الجانب المذهبي والعقائدي عندما يبدو التنافي بين النص وبين هذا الجانب المذهبي، ولذا لا يأتي البحث مستكملا لجميع الجوانب.

الميزة الثالثة : ان ابن كثير يحاول ان يبرز ظاهرة النفوذ والتسلل لثقافة اهل الكتاب (الاسرائيليات) في التراث المأثور حول هذه القصص، وان كان يقف عاجزاً احياناً امام بعض الروايات التي رويت بطريق معتبر ـ على مذهبه في الحديث ـ فيتحير في امرها او يسلِّم بها على مضض.

واما المجلسي فيكتفي ـ كما اشرنا ـ بمناقشة ما يكون ظاهرها خلاف المتبنيات العقائدية المذهبية.

ولعل هذا الفرق انما كان بسبب ان التراث الذي يعتمد عليه العلامة المجلسي وهو الروايات عن طريق اهل البيت عليهم السلام لم يتأثر بالاسرائيليات الاّ بصورة محدودة، وان احد الضمانات المهمة في هذا المجال هو المبادىء العقائدية المذهبية المسلِّمة لدى اتباع اهل البيت التي توضح الموقف من هذه الاسرائيليات، ولذا يتناولها بالبحث والتحليل عندما يواجه مثل ذلك.

ولكن يبقى الاهتمام بمراقبة عملية التسلل لثقافة اهل الكتاب في نفسها عملية مهمة تحتاج الى متابعة خاصة وهي ميزة لصالح منهج ابن كثير مقارناً بمنهج المجلسي(1).

ولكن لابد ان نشير هنا ايضاً الى ان اكثر المؤلفين على طبق هذا المنهج قد اخذوا قسطاً كبيراً من رواياتهم من ثقافة اهل الكتاب، لانهم كانوا يمثلون مصدراً مهماً من مصادر هذه الروايات، ولعل اكثر الروايات التي رويت عن الصحابة والتابعين تستند الى اهل الكتاب مضافاً الى حدوث التزوير والوضع من الرواة المتأخرين، وبهذا السبب الثاني يفسّر ما نلاحظه في بعض ما روي عن اهل البيت عليهم السلام مما يمكن نسبته الى الاسرائيليات، وكأن هذا المنهج ينطلق من مبدأ فهم ان اكثر النصوص غير القرآنية كانت من موروثات اهل الكتاب انفسهم.

المنهج الحسي التجريبي

المنهج الثالث: هو المنهج الذي يحاول ان يقترب من احداث قصص الانبياء والظواهر الغيبية او غير العادية فيها من الواقع الحسي التجريبي والنتائج التي توصلت اليها البشرية في معرفتها بالسنن الاجتماعية والاسرار العلمية او اكتشاف بعض الظواهر الشاذة في القوانين والانظمة الكونية، والتوجه العام فيه هو تقريب هذه الصور والظواهر من الادراك الحسي البشري الذي سيطر على العقل الانساني من خلال المدرسة الوضعية وتجارب العلوم الانسانية، فهو محاولة لمعالجة الوضع النفسي والروحي الذي شهدته المجتمعات الانسانية ولا سيما الاسلامية منها بعد النهضة الصناعية والغزو الاستعماري والاتجاه الى العلمنة والتجارب والاستكشافات العلمية.

وقد كان من خصائص هذا المنهج هو محاولة الاقتصار على خصوص ما ورد في القرآن الكريم مع تفسيره وتأويله بما ينسجم مع هذا التقريب والرجوع الى غير القرآن الكريم بمقدار ما يساهم في توضيح وتأييد هذا المضمون والتوجه ورد ما عدا ذلك في النصوص الاخرى.

ويمكن ان نجد نماذج من الباحثين يمثلون هذا التوجه والنهج في الشيخ محمد عبده في بعص ابحاث تفسير المنار وعبد الوهاب النجّار في كتابه قصص الانبياء. ولعل محاولة الشيخ محمد عبده في انكاره لواقعية بعض القصص القرآنية وتفسيرها على انها تمثيل للواقع ينطلق من الثقافة العامة تفادياً لبعض الاثارات حول هذه القصص. وكذلك الضجة التي اثارها كتاب النجار عند صدوره الامر الذي انتهى الى محاكمته من قبل الازهر وتشكيل لجنة للتحقيق في كتابه تنطلق من هذا الاتجاه في تفسير القصة.

ويمكن ان نجد معالم لهذا الاتجاه في بعض مواقفهم تجاه بعض الظواهر الغريبة ومحاولة تفسيرها تفسيراً علمياً او تجريبياً.

ويعتبر هذا المنهج في الطرف الآخر من المنهج السابق (المنهج الحديثي) حيث يجمد ذلك المنهج على النصوص ويأخذ بها على أي حال. واما هذا المنهج فهو يحاول ان يستخدم العقل والرأي في تفسير النص القرآني ما يلائم الفهم البشري التجريبي والحسي للاشياء.

ويمكن ان نلاحظ على هذا المنهج :

اولا : ان من الاهداف والاغراض المهمة للقصة القرآنية ـ كما ذكرناه في كتابنا القصص القرآني ـ هو تربية الانسان على الايمان بالغيب، ولذلك يمثل هذا الاتجاه في التفسير اتجاهاً مغايراً للاهداف الرئيسية في القصة القرآنية بل للقرآن كلّه.

ثانياً : إنّ دراستنا وتحليلنا لتطور الرسالة الالهية انتهى بنا الى أنّ الرسالات الالهية السابقة كانت متدرجة في مخاطبة العقل الانساني في قضايا الغيب والحس بحيث يمكن ان نلاحظ انه كلّما تطوّر الانسان في مجتمعه وادراكاته كلّما اتجهت الرسالات الالهية الى مخاطبة العقل الانساني بصورة اكثر تركيزاً حتى كانت الرسالة الاسلامية الخاتمة التي اهتمت بصورة اساسية بمخاطبة العقل الانساني الى جانب تربيته على الايمان بالغيب. وهذا التحليل يعني أنّ الرسالات السابقة كانت تخاطب الجانب الغيبي في الانسان الذي له تأثير مباشر في قضية الايمان بالغيب يتناسب مع المستوى العقلي للانسان في مراحله السابقة. ومن ثم فانّ هذه الظاهرة الغيبية هي واقع لا محيص عنه في قصص الانبياء السابقين.

ثالثاً : اننا وان كنا نفهم الاغراض الصالحة لبعض هؤلاء البحاثين في سلوك هذا المنهج وذلك لمعالجة الوضع النفسي والروحي القائم بما يخدم قضية الايمان وفهم الدين، ولكن الاغراق في هذا التوجه وتجاوز قضية الاغراض القرآنية في التربية على الغيب والتسليم له هو مما يؤاخذ على هذا المنهج كما اشرنا الى ذلك في الملاحظة الاولى.

المنهج التغييري الاجتماعي

المنهج الرابع : هو المنهج الذي يعتمد بصورة اساسية على ماورد في القرآن الكريم من معلومات ووقائع حول الانبياء وكذلك على النصوص الصحيحة التي وردت في توضيح الصورة القرآنية او النصوص التي وردت تؤيد هذه الصورة.

ويتجه هذا المنهج الى ترتيب المعلومات وتقسيمها حول محاور رئيسية هي :

1 ـ الاوضاع الاجتماعية والسياسية والثقافية  والعقائدية والاخلاقية التي كان يتصف بها الزمن الذي بعث النبي فيه.

2 ـ شخصية النبي ومواصفاته الخاصة التي تحدث عنها القرآن الكريم سواء في البعد الذاتي ومواصفاته الشخصية له او علاقته بالله تعالى او علاقته بالناس او موقعه الرسالي ودوره في عملية التغيير الاجتماعي.

3 ـ مسيرة حياة النبي (ص) في الحياة الشخصية والحياة الرسالية والعملية وتطور عمل الرسالة واهدافه في المراحل المختلفة لهذه الحياة والنتائج الرسالية التغييرية التي حققها في هذه المراحل.

4 ـ النتائج العامة التي توصل اليها النبي في رسالته وعملية التغيير والمعوقات والمشاكل.

وبذلك نخرج بصورة كاملة مترابطة بين احداث القصة من ناحية والاهداف المنشودة من وراء الرسالة والانجازات التي حققتها الرسالة والمشاكل والمعوقات التي واجهتها.

وينظر هذا المنهج في تناوله للقصة ـ بصورة اساسية ـ الى الهدف القرآني العام وهو التغيير الاجتماعي والعوامل المؤثرة او المعيقة في العملية التغييرية.

وقد حاولنا تطبيق هذا المنهج في دراستنا لقصص الانبياء أولي العزم (نوح وابراهيم وموسى وعيسى) كما ورد ذلك في كتابنا (القصص القرآني).

واذا اضفنا الى ذلك ما فعلناه في دراستنا لقصة موسى عليه السلام بصورة خاصة، حيث احصينا ايضاً (الموضوعات) التي تناولتها القصة وعلاقة هذه (الموضوعات) بالقصة واهدافها، يصبح هذا المنهج من المناهج الجديدة والمتطورة في دراسة القصة القرآنية.

حيث يشتمل على عدة مزايا اساسية، هي :

أ ـ الاعتماد على ماورد في القرآن الكريم بصورة خاصة وتوضيحات ذلك في النصوص المعتمدة بعيداً عن ثقافة اهل الكتاب الخاصة.

ب ـ الاهتمام بالهدف الاساس للقرآن الكريم وللقصص وهو التغيير الاجتماعي وتوضيح صورته.

جـ ـ إعطاء تصور متكامل ومنسجم عن حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في شخصيته ومسيرة حياته والاوضاع السياسية والثقافية والاجتماعية العامة.

د ـ الاهتمام بالموضوعات الفكرية والاجتماعية التي وردت الاشارة اليها في ثنايا القصة للخروج بتصورات كاملة عنها.

وفي حدود اطلاعي فان هذا المنهج لم يسبق عرضه بهذه الطريقة من قبل في بحث القصة القرآنية.

 

ــــــــــــــــ

(1) لابد من الانتباه ان العلامة المجلسي لم يدوّن هذه القصص بطريقة البحث حول الموضوع القرآني (القصة في القرآن) وانما بطريقة جمع الروايات، ولذا اختلف منهج البحث بينهما من حيث الغرض من التأليف.

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=375
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2009 / 01 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19