• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : علوم القرآن الكريم .
                    • الموضوع : القـران والتحريف (القسم الثاني) .

القـران والتحريف (القسم الثاني)

سماحة آية الله العظمى السيد حسين بحر العلوم

ثالثا: استدلال الشيعة على عدم التحريف

ويستدل الشيعة على عدم نقصان القران وتحريفه ـ بعد الاجماع بقسميه ـ بوجوه:

الأول: قوله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) سورة الحجر/9.

حيث أطلق الذكر على القران كما اطلق الحفظ عليه ـ أيضاً ونسب الأمران الى الله تعالى فالقران محفوظ بحفظ الله عن كل زيادة ونقيصة أو تغيير في الاسلوب والترتيب بحيث يؤثر في كونه ذكراً لله وقرآناً له. ولامعنى لحفظه إلا من التلاعب فيه زيادة ونقصاناً.

الثاني: قوله تعالى:  (إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) سورة فصلت/41 ـ 42.

فقد دلت هاتان الآيتان ـ بحكم عموم النفي الوارد على الطبيعة ـ على نفي الباطل عن القران بجميع أقسامه من جهة كونه ذكراً لله تعالى، والتحريف المزعوم من أفرد الباطل، فيجب أن لايكون  في القران، ولا معنى لتأويل صيانته من التناقض في أحكامه، ونفي الكذب عن أخباره، ونحو ذلك من بعض الجهات فان الاية دالة على نفي مطلق الباطل عن القران من مطلق الجهات  ـ من حيث هو ذكر ـ فلابد أن لا يغلبه أي باطل في كل زمان ومن كل الجهات ـ كما هو واضح من السياق العمومي والأطلاقي.
الثالث: أخبار الثقلين، اللذين خلفهما النبي(صلى الله عليه وآله) في أمته: الكتاب والعترة، وهي قوله(صلى الله عليه وآله): ((إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي اهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا)) أو بقريب من هذا المضمون من أخبار متواترة النقل ـ من طرق العامة والخاصة ـ (1).

والاستدلال بها من جهتين:

الاولى: أن المفروض في الحديث المذكور: التمسك بالكتاب المنزل الكامل الكيان ـ كالتمسك بالعترة الطاهرة المتكاملة الصفات ـ واحتمال نقصانه وتحريفه يستلزم عدم التمسك بذلك الكتاب المنزل، لضياعه على الامة ـ كما هو المفروض.

الجهة الثانية: إن المفروض في الحديث المذكور حجية الكتاب المتمسك به، والقول بتحريفه يسقطه عن الحجية إذ لا معنى للتمسك بكتاب محرف ناقص، ونفي ضلال من تمسك به .

الرابع: الاخبار الكثيرة الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله) وأئمة أهل البيت (عليهم السلام) الآمرة بعرض الاخبار على الكتاب، فيؤخذ بما وافقه، ويرفض ما خالفه. وهي عامة مطلقة آبية عن التخصيص والتقييد ببعض القران دون بعض، فهي صريحة أو كالصريحة ـ في أن الأمر بالعرض على كتاب الله إنما هو لتمييز الصدق من الكذب، والحق من الباطل. وهذا المعنى لا يتم على القول بالتحريف والنقيصة، إذ كيف يكون المحرف والناقص موئلاً للتمييز بين صحيح الاخبار وسقيمها؟.

الخامس: الأخبار الكثيرة الواردة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) المتضمنة تمسكهم ، واستشهادهم بكثر من الآيات القرانية المختلفة في عامة ابوب الفقه. وذلك خير شاهد على أن المراد منه هو القران المتداول بين المسلمين ـ حينئذ ـ .

السادس: الأخبار الكثيرة الواردة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) القائلة بأن ما في ايدي الناس هو القران النازل من عند الله تعالى ـ ومن هذا الباب قولهم (عليهم السلام) لشيعتهم: (( اقرؤا كما قرأ الناس)).

ومن ذلك: أمرهم (عليهم السلام) بقراءة سورة الفاتحة في الصلوات المفروضة، وكذلك أمرهم بقراءة أي سورة من سور القران الكريم الذي بين ايدينا بعد الفاتحة، ومعنى ذلك عدم التحريف في القران، إذ مع احتماله لا تبرأ الذمة بأتيان أي سورة من سوره.

ومن ذلك الأخبار الواردة عنهم ـ الى حدّ التواترـ بأمر الناس بالرجوع والإرجاع الى هذا القران المتداول فيما بينهم والتمسك به، وعرض الأخبار الصحيحة عليه لتكون مدعومة به، ونبذ ما خالف الكتاب من الأخبار حيث جعلوا العرض على كتاب الله المتداول بينهم طليعة المرجحات في تصحيح الأخبار المنقولة عنهم (عليهم السلام).

السابع: إن القائل بالتحريف ـ على شذوذه ـ إما أن يدّعي تحريفه من قِبل الشيخين بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) أو من قِبل عثمان أو من قِبل شخص آخر ـ من الملوك والأمرآء ـ بعد إنتهاء دور الخلافة : وجميع الدعاوي باطلة.

أما إحتمال وقوعه من الشيخين: فأما ان يكون ذلك لا عن عمد منهما بل لعدم وصول القران ـ بتمامه ـ أليهما، وهذا الاحتمال بعيد ـ بل ساقط ـ فان اهتمام النبي (صلى الله عليه وآله) وعموم الصحابة ـ وهما  من مقربيّ الصحابة الى النبي(صلى الله عليه وآله) ـ بحفظ القران وكتابة آياته وسوره يورث القط ع بكون القران محفوظاً عندهم في الصدور أو في القراطيس.

وإما أن يكون ذلك عن عمد ـ جدلاً ـ فهو أيضاً احتمال مقطوع العدم، إذ الغرض السياسي والاجتماعي ـ يومئذ ـ كانا يبعثان على التظاهر بالدين وبحفظ القران من التلاعب، وبحكم معارضة علي والزهراء(عليهم السلام) وعموم بني هاشم وجماعة من عليّة الصحابة ـ المهاجرين والأنصارـ خلافة الشيخين، واحتجاجهم عليهما بما سمعوه من النبي(صلى الله عليه وآله) ـ من قصة الغدير، وغيرها ـ في حقّ أمير المؤمنين(عليه السلام). فلو صدر التحريف منهماـ او بعلم منهما ـ لكان ذلك أجدر بالذكر في مقام الأحتجاج والتشهير بهما، فعدم وقوع ذلك من هؤلاء المعارضين لخلافتهما دليل على عدم وقوع التحريف فيه.

وأما إحتمال وقوع التحريف من عثمان ـ او من قبِله ـ فهو بعيد أيضاً لأمور:

أولاً: لأنتشار الإسلام في زمانه بنحو ليس بامكانه التلاعب بالقران الذي هو دستور الاسلام.

ثانياً: لو وقع ذلك منه ـ جدلاً ـ لكان قي التشهير به خير سلاح للثائرين عليه، ولما احتاجوا ـ في تبرير ثورتهم ـ الى دواع أخر تتعلق بالانحرافات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

وثالثاً: لو وقع ذلك منه، لوجب على أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد ما آلت الخلافة اليه ـ ردّ القران الى واقعه، وإصلاح ما فيه من تحريف، ولاسيما إنه (عليه السلام) أمر برد الأموال والقطائع التي وهبها وأقطعها (عثمان) وردّ القران وإصلاح ما فيه من تحريف ـ لو كان ـ أولى من ردّ الأموال والقطائع، ولكنه (عليه السلام) أمضى القرآن على ما هو عليه وأمر بقرائته كما هو، وإمضاءه وأمره كذلك دليل على عدم التحريف فيه.

وأما احتمال وقوع التحريف بعد زمان الخلفاء من قبل ملوك وأمراء بني أمية وبني مروان، فهو احتمال أوهى من بيت العنكبوت، وذلك بحكم انتشار الاسلام، واتساع آفاقه بحيث يستحيل ـ عادة ـ أن تمسّ دستوره يد التلاعب من أي شخص كان ـ مهما بلغت منزاته السياسية والاجتماعية.

رابعا: نسخ التلاوة عند العامة هو التحريف:

ولقد ذهب جمع غفير من حشوية العامة، ومحدثي أهل السنة وعلمائهم ومفسريهم إلى وقوع نسخ التلاوة في القرآن، بمعنى أن بعض آيات القرآن نسخت تلاوتها، وكانت قرآنا على عهد النبي (صلى الله عليه وآله).

وهذا بعينه معناه القول بالتحريف، بمعنى النقص والتغيير فاشتهار القول بوقوع النسخ في التلاوة ـ عندهم ـ يستلزم اشتهار القول بالتحريف، ونقص القرآن في ملاك واحد.

فمن المناسب أن نذكر جملة من رواياتهم في هذا الشأن ليتضح لك أن الالتزام بصحتها معناه ـ بالحرف الواحد ـ الالتزام بوقوع التحريف المذكور.

من ذلك ما رواه ابن عباس: ((إن عمر قال في ما قال وهو على المنبر: إن الله بعث محمدا (صلى الله عليه وآله) بالحق، وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل الله: (آية الرجم) فقرأناها وعقلناها ووعيناها فلذا رجم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورجمنا بعده فأخشا أن طال بالناس زمانٌ أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضل بترك فريضة أنزلها الله والرجم ـ في كتاب الله ـ حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة أو كان الحبل والاعتراف(2).        

ثم قال عمر: (ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله: (أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم، أو: إن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم)(3).

وفي إتقان السيوطي نقلا عن إبن أشتتة في المصاحف ـ برواية الليث بن سعد ـ قال: ((أول من جمع القرآن أبو بكر وكتبه زيد فكان الناس يأتون زيد بن ثابت، فكان لا يكتب آية إلا بشاهدي عدل وإن آخر سورة براءة لم يجدها إلا مع خزيمة إبن ثابت فقال: اكتبوها فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) جعل شهادته بشهادة رجلين فكتب، وإن عمر أتى بآية الرجم فلم يكتبها لأنه كان وحده))(4).

وآية الرجم المشار إليها هنا: رويت بعدة وجوده أشهرها هي: (إذا زنا الشيخ والشيخة فارجموهما ـ البتة ـ نكالا من الله والله عزيز حكيم).

ويذكر الطباطبائي في الميزان ج12 ص113 ط بيروت: وجهين آخرين للآية وهما: (إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة. فإنهما قضيا الشهوة) (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة فإنهما قضيا الشهوة). وفي بعض الروايات (بما قضيا من اللذة).

فلو صحت الرواية فقد سقط من القرآن آية لم تكن في القرآن الذي بأيدينا.

ومن ذلك ما رواه نافع عن عمر: إنه قال: (ليقولن قد أخذت القرآن كله وما يدريه ما كله؟ قد ذهب منه قرآن كثير، ولكن ليقل: قد أخذت منه ما ظهر)(5).

ومن ذلك ما رواه عروة بن الزبير عن عائشة إنها قالت: (كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) مئتي آية فلما كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها إلا ما هو الآن)(6).

والملاحظ: أن الموجود منها في القرآن الذي بأيدينا (ثلاث وسبعون) آية. فقد نقص عثمان ـ بناءا على صحة الرواية ـ مائة وسبعة وعشرين آية، وتلك ثلمة كبيرة في كتاب الله.

وروى زر بن حبيش قال: (قال إبي بن كعب: يا زر كأين تقرأ سورة الأحزاب؟ قلت: ثلاثا وسبعين آية، قال: إن كانت لتضاهي سورة البقرة أو هي أطول من سورة البقرة)(7).

وروى عمرة عن عائشة: إنها قالت: كان في ما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهن في ما يقرأ من القرآن)(8).

وروى المسور بن محزنة قال: (قال عمر لعبد الرحمن بن عوف ألم نجد فيما أنزل علينا: (أن جاهدوا كما جاهدتهم أول مرة) فإنها لا نجدها؟ قال: أسقطت فيما أسقط من القرآن)(9).

وروى أبو سفيان الكلاعي: (إن مسلم بن مخلد الأنصاري قال لهم ذات يوم: أخبروني بآيتين في القرآن لم يكتبا في المصحف؟ فلم يخبروه ـ وعندهم أبو الكنود سعد بن مالك ـ فقال ابن مسلمة: (إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ألا أبشروا أنتم المفلحون)، (والذين آووهم ونصروهم وجادلوا عنهم الذين غضب الله عليهم أولئك لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون)(10).

وقد روي في كتب كثيرة وبطرق عديدة ثبوت سورتي ـ الخلع والحفد في مصحف ابن عباس، وأبي بن كعب، فسورة الخلع: (بسم الله الرحمن الرحيم اللهم، إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك). وسورة الحفد هي: (بسم الله الرحمن الرحيم اللهم، إياك نعبدوا ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجوا رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكافرين ملحق). وفي بعض الروايات (نخشى نقمتك بدل عذابك) ـ الميزان ج12 ص115.

أرأيت كيف شاع وذاع بين علماء السنة القول بنسخ التلاوة على ضوء ما اعتمدوه من رواياتهم المذكورة، وغيرها. وذلك بنفسه معناه القول بالتحريف والنقص.

ومن العجيب مع هذا إنكار جماعة من علماء السنة ومفسريهم نسبة القول بالتحريف إلى جماعتهم من السنة، حتى أن الألوسي كذب الشيخ الطبرسي ـ صاحب مجمع البيان ـ في نسبته القول بالتحريف إلى الحشوية من العامة، فقال: (إن أحدا من علماء أهل السنة لم يذهب إلى ذلك(11)، فافهم وتأمل! فإنها شنشنة نعرفها من أخزم.

والحمد لله رب العالمين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)ـ لاحاجة الى استعراض ذكر الحديث المذكور من طريق الخاصة في كتبهم في الحديث،والتفسير والتاريخ وغيرها، فقد تجاوز ـ عندهم ـ حد التواتر، واما من طريق العامة، فقد تواتر نقله عندهم ـ باختلاف ألفظه المتقاربة المضمون ـ وقد ذكرتها عامة حفاظهم ومفسريهم ومؤرخيهم ـ مسنداً عن الصحابة ومرسلاً أيضاً ـ في كثير من كتبهم المطبوعة، ونكتفي بذكر البعض منها عن الاستيعاب تفاديا عن التطويل فنقول:

ذكره ـ برواية أبي سعيد الخدري ـ كل من ابن سعد في (الطبقات ج2ص194) ط/ دار المعارف بمصر. والحافظ الطبراني في (المعجم الصغير:ص73) والمحب الطبري في (ذخائر العقبى ص15) والحافظ السيوطي في (مجمع الزوائد ج9ص163) ط/مصر. ومسلم في (صحيحه ج7ص122) ط/صبيح بمصر .... والكثير الكثير من كتب العامة.

(2) صحيح البخاري ج8 ص179، وصحيح مسلم ج5 ص116.  

(3) مسند أحمد ج1 ص47، والمصدر الآنف من صحيح البخاري.

(4) الاتقان للسيوطي ج1 ص101.

(5) الاتقان للسيوطي ج2 ص40 ـ 41.

(6) نفس المصدر السابق.

(7) منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج2 ص43.

(8) صحيح مسلم ج4 ص167.

(9) الاتقان للسيوطي ج2 ص42.

(10) المصدر السابق.

(11) روح المعاني ج1 ص24.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=399
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2009 / 02 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20