• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : الأخلاق في القرآن .
                    • الموضوع : الدُعاء في القُرآن والسُنّة .

الدُعاء في القُرآن والسُنّة

إسلام الكاظمي

الدعاء لغةً : السؤال والطلب والاستغاثة والفزع إلى المدعو.

والدعاء عبادة، بل أفضل العبادات ومخّها، وليس شيء أفضل عنده سبحانه وتعالى من دعائه والطلب ممّا عنده (عزّ وجلّ). وما أحد أبغض إليه ممّن يستكبر عن عبادته فلا يسأل ما عنده.

عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال : (إنّ اللّه عزّ وجلّ يقول : (إِنّ الّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي َيَدْخُلُونَ جَهَنّمَ دَاخِرِينَ) قال : هو الدعاء، وأفضل العبادة الدعاء)(1).

وعن سدير قال : قلتُ لأبي جعفر (عليه السلام) أي العبادة أفضل؟ فقال : (ما من شيء أفضل عند الله عزّ وجلّ من أن يُسأل ويُطلب ممّا عنده، وما أحد أبغض إلى اللّه عزّ وجلّ ممّن يستكبر عن عبادته ولا يسأل ما عنده)(2).

والدعاء أحبّ الأعمال إلى اللّه (عزّ وجلّ)، وسلاح الأنبياء (عليهم السلام) وتَرس المؤمنين، وهو أنفذ من السِنان، ومفاتيح النجاح، ومقاليد الفلاح، به تدرّ الأرزاق، ويردّ القضاء والبلاء الذي أُبرِم إبراماً، وفيه الشفاء من كلّ داء.

الداعي وأدبُ الدعاء

من أدب الدعاء : أن يكون الداعي خاشعاً خاضعاً، كما ورد في قوله تعالى : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)(3)، وأن يكون متذلِّلاً خائفاً من عقابه طامعاً في رحمته : (ولا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إصلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)(4).

(تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا)(5).

ومن أدب الدعاء : أن لا يرفع الداعي صوته بالدعاء، بل يدعوه سرّاً وخُفية، ولا يَعجل فيدعو بالشرّ يحسبه دعاءه بالخير : (وَيَدْعُ الإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولاً)(6)، فيتمنّى الموت مثلاً لأقل حادثة كما يتمنّى طول البقاء ساعة اليسر والهناء... ومن الآداب : عدم اليأس من الإجابة وأن يواظب ويلحّ فيه على اللّه تعالى.

عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : (إنّ اللّه يُحب المُلحّين في الدعاء)، وأن يكون مستحضر المشاعر، مخلصاً أشدّ الإخلاص فيه، متوجّهاً إليه تعالى بجميع أحاسيسه، روحه وعقله وقلبه وجميع جوارحه، مستعجلاً الكلِم الطيب: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)(7)، (... إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ...)(8).

هذه باقة من الآيات وردت في القرآن الكريم تحدِّد مسار المسلم حينما يتوجّه إلى اللّه تعالى في دعائه، وهناك نماذج من أدعية النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمّة (عليهما السلام)، منها هذا الدعاء عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) : (.. وسألتُك مسألة الحقير، الذليل، البائس، الفقير، الخائف، المستجير، مع ذلك خيفة وتضرُّعاً وتعوّذاً وتلوّذاً، لا مستطيلاً بتكبّر المتكبّرين، ولا مُتعالياً بدالّة المطيعين..)(9).

الإخلاصُ في الدعاء

لاستجابة الدعاء شروطٌ منها:

1 ـ أن يكون خالصاً لا يشوبه شرك ولا رياء، قال تعالى : (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (10)، (هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إلاّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)(11).

2 ـ أن يستجيب الداعي للّه تعالى، يعمل بأوامره ويؤمن به وبإجابته : (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)(12).

3 ـ أن لا يكون آيساً عند عدم الاستجابة للدعاء، فلعلّ مصلحة الداعي في ذلك، عن الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول في دعائه : (.. ولعلّ الذي أبطأ عنّي هو خيرٌ لي ؛ لِعلمك بعاقبة الأمور..).

وهناك أمكنة وأزمنة هي مظان الإجابة، كالمساجد : (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)(13)، وعند الكعبة المشرّفة، وقبر النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقبور أهل بيته (عليهما السلام)، وبالخصوص عند رأس الحسين (عليه السلام) وتحت قبّته، وعند قبر الوالدين، وقبور الصالحين، وبعد كلّ صلاة وأذان، وعند زوال وغروب شمس يوم الجمعة، وساعات هبوب الرياح، ونزول المطر.

له دعوةُ الحق

كما أنّ الاستعانة والتوكّل والنذر من مختصات الربوبيّة، كذلك الدعاء، فليس أحد غير الله تعالى ـ مهما كان عظيماً أو حقيراً، كبيراً أو صغيراً، مَلَكاً مُقرّباً أو نبيّاً مُرسلاً ـ أهلاً لأن يُدعى من دون اللّه جلّ ثناؤه، وليس باستطاعته كشف الضرّ عنّا ولا تحويلا.

فهذا رسول اللّه سيّد الأنبياء والمرسلين وخير الخلق أجمعين، يأمره ربّه أن يقول للناس : (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا)(14)، وها هو (صلّى الله عليه وآله سلّم) يخاطب أعزّ الخلق ابنته الطاهرة البتول (عليهما السلام) قائلاً : (يا فاطمة بنت محمّد، اعمَلي ؛ فإنّي لا أملكُ لكِ من اللّه شيئاً).

لقد أمرَ سبحانه أن ندعوه وحده ووضعَ لذلك صيَغاً لا يجوز تخطّيها ولا الانحراف عنها، وإذا نَظرنا إلى القرآن الكريم نجد آيات كثيرة تحمل المسلم أن يسلك السبيل المستقيم في دعائه، وأن لا ينصرف فيه إلى غيره جلّت قدرته ؛ فإنّ في ذلك شَططاً وسراباً يحسبه الظمآن ماء حتّى إذا جاءه لم يجده شيئاً.. هذه الآيات تشير إلى هذا المعنى:

هناك دعا زكريّا ربّه قال : (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ)(15).

(إِنّ الّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (16). (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ)(17)، (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقّ وَالّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَي‏ءٍ)(18).

(قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا)(19)، (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَءِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ)(20) (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ)(21)، (إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)(22).

(وَمَنْ أَضَلّ مِمّن يَدْعُوا مِن دُونِ اللّهِ مَن لاَ يَسْتَجِيبُ لَهُ إلى‏ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ)(23).

فبِهُداهم اقتدِه

إنّ جميع الخلق، ملائكة وأنبياء وأولياء وصالحين، يتوجّهون في دعائهم إلى اللّه سبحانه، يريدون بذلك وجهه ويرجون رحمته ويخافون عقابه ؛ لأنّهم يعلمون أنّ دعاء غير الله هو الخيبة والخسران، وهو الشقاء والهلاك، وهو الفرط والشطط، وهو الغفلة وإتباع الهوى، وبالتالي فهو الشرك والعياذ باللّه.

وهنا نورد بعض ما وردَ من أدعية الأنبياء (صلوات اللّه عليهم أجمعين) في القرآن الكريم لنتأسّى بهم، وليكونوا لنا قدوة ونكون لهم أولياء:

(فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ)(24).

(قُلْ إِنّمَا أَدْعُوا رَبّي وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً)(25).

(وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا)(26).

(وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)(27)، وسيأتي مزيد من أدعيتهم (صلوات اللّه عليهم).

الهوامش

ـــــــــــــــ

1 ـ الكافي.

2 ـ م. س.

3 ـ الأعراف : 55.

4 ـ الأعراف : 56.

5 ـ السجدة : 16.

6 ـ الإسراء : 11.

7 ـ الأنبياء : 90.

8 ـ فاطر :10.

9 ـ الصحيفة السجاديّة.

10 ـ غافر : 14.

11 ـ غافر : 65.

12 ـ البقرة : 186.

13 ـ الأعراف : 29.

14 ـ الجن : 21.

15 ـ آل عمران : 38.

16 ـ الأعراف : 194.

17 ـ الأعراف : 197.

18 ـ الرعد : 14.

19 ـ الإسراء : 56.

20 ـ النمل : 62.

21 ـ فاطر : 13.

22 ـ فاطر : 14.

23 ـ الأحقاف : 5.

24 ـ القمر : 10.

25 ـ الجن : 20.

26 ـ مريم : 48.

27 ـ الكهف : 28.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=458
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2009 / 04 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19