00989338131045
 
 
 
 

  • الصفحة الرئيسية لقسم النصوص

التعريف بالدار :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • من نحن (2)
  • الهيكلة العامة (1)
  • المنجزات (15)
  • المراسلات (0)
  • ما قيل عن الدار (1)

المشرف العام :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • سيرته الذاتية (1)
  • كلماته التوجيهية (14)
  • مؤلفاته (4)
  • مقالاته (71)
  • إنجازاته (5)
  • لقاءاته وزياراته (14)

دروس الدار التخصصية :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • التجويد (6)
  • الحفظ (14)
  • الصوت والنغم (11)
  • القراءات السبع (5)
  • المفاهيم القرآنية (6)
  • بيانات قرآنية (10)

مؤلفات الدار ونتاجاتها :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • المناهج الدراسية (7)
  • لوائح التحكيم (1)
  • الكتب التخصصية (8)
  • الخطط والبرامج التعليمية (6)
  • التطبيقات البرمجية (11)
  • الأقراص التعليمية (14)
  • الترجمة (10)
  • مقالات المنتسبين والأعضاء (32)
  • مجلة حديث الدار (51)
  • كرّاس بناء الطفل (10)

مع الطالب :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • مقالات الأشبال (36)
  • لقاءات مع حفاظ الدار (0)
  • المتميزون والفائزون (14)
  • المسابقات القرآنية (22)
  • النشرات الأسبوعية (48)
  • الرحلات الترفيهية (12)

إعلام الدار :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • الضيوف والزيارات (160)
  • الاحتفالات والأمسيات (75)
  • الورش والدورات والندوات (62)
  • أخبار الدار (33)

المقالات القرآنية التخصصية :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • علوم القرآن الكريم (152)
  • العقائد في القرآن (62)
  • الأخلاق في القرآن (163)
  • الفقه وآيات الأحكام (11)
  • القرآن والمجتمع (69)
  • مناهج وأساليب القصص القرآني (25)
  • قصص الأنبياء (ع) (81)

دروس قرآنية تخصصية :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • التجويد (17)
  • الحفظ (5)
  • القراءات السبع (3)
  • الوقف والإبتداء (13)
  • المقامات (5)
  • علوم القرآن (1)
  • التفسير (16)

تفسير القرآن الكريم :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • علم التفسير (87)
  • تفسير السور والآيات (175)
  • تفسير الجزء الثلاثين (37)
  • أعلام المفسرين (16)

السيرة والمناسبات الخاصة :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • النبي (ص) وأهل البيت (ع) (104)
  • نساء أهل البيت (ع) (35)
  • سلسلة مصوّرة لحياة الرسول (ص) وأهل بيته (ع) (14)
  • عاشوراء والأربعين (45)
  • شهر رمضان وعيد الفطر (19)
  • الحج وعيد الأضحى (7)

اللقاءات والأخبار :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • لقاء وكالات الأنباء مع الشخصيات والمؤسسات (40)
  • لقاء مع حملة القرآن الكريم (41)
  • الأخبار القرآنية (98)

الثقافة :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • الفكر (2)
  • الدعاء (16)
  • العرفان (5)
  • الأخلاق والإرشاد (18)
  • الاجتماع وعلم النفس (12)
  • شرح وصايا الإمام الباقر (ع) (19)

البرامج والتطبيقات :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • البرامج القرآنية (3)

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية لهذا القسم
  • أرشيف مواضيع هذا القسم
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة









 
 
  • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .

        • القسم الفرعي : القرآن والمجتمع .

              • الموضوع : الإنسان والمعرفة في القرآن الكريم .

الإنسان والمعرفة في القرآن الكريم

 آية الله العظمى السيد محمود الهاشمي الشاهرودي"دام ظله"

لقد أشار ‌‌‌‌القـرآن‌ الكريم في مواضع متعدّدة الى هذا البعد من أبعاد الإنسان بوصفه كائنا فيه‌ قـابلية‌ المـعرفة‌ والإدراك والعـلم والشعور والفهم، وهذا الموضوع متشعّب الجوانب ومحتو‌ لأبحاث كثيرة ومختلفة، منها المنطقية والفلسفية والاجتماعية والعـلمية والنفسية، وما سنتطرّق‌ الى ه‌ هو مجمل من هذا الموضوع، وذلك من خلال تتبّع مـجموعة الآيات القرآنية التي تـتعرّض الى هـذا الجانب في الإنسان تصريحا أو تلميحا، والخروج من هذا البحث بنظرية أو نظريات‌ متكاملة عن هذا البعد المهم في الإنسان، والذي لا يقل أهمية عن أصل البحث الذي ابتدأنا به عن الإنسان في القرآن.

و موضوع الإنسان والمـعرفة في القرآن الكريم من الموضوعات‌ الشائكة‌ والمعقّدة التي تحتاج الى كثير من الجهد والعناية في استخراج واستخلاص النظرية المتكاملة عن هذا البعد، وهو ممّا لا يتأتى إلاّ لمن سبر أغوار هذا الكتاب‌ العزيز‌ واسـتوعب مـضامينه العالية، وهو ممّا يختصّ به النّبي(ص) وأهل بيته الطاهرين(ع)، ثمّ بعد ذلك وبدرجات نازلة أولئك الذين نهلوا من منهلهم وارتشفوا من معينهم وتعلّموا‌ في أحضان مدرستهم، ونحن هنا لا ندّعي أنّ كلّ مـا نـطرحه هو البعد النهائي للنظرية القرآنية في هذا الموضوع، أو ذاك، وإنّما هو استفادات وتصوّرات (في حدود قدرتنا‌ العلمية‌ المحدودة) لمعطيات‌ ومداليل الآيات القرآنية في‌ الموضوع‌ المعين.

و ممّا يزيد من صعوبة استخراج نظرية قرآنية صـريحة تـخصّ هذا البعد من أبعاد الإنسان، كون القرآن الكريم-و كما بينّا سابقا-هو أساسا‌ كتاب‌ هداية‌ وتربية وصنع.

للإنسان، وليس كتاب نظريات‌ علمية،‌ بل إنّ‌ مردوده بتلك الجوانب والأبحاث والمصطلحات يكون بالمقدار الذي يحتاج اليه فـي هـدفه الأسـاسي، وهو صنع‌ الإنسانية‌ الصّالحة.

نظرية المعرفة فـي القـرآن الكريم:

و يـمكن إيجاز أهمّ ما تتعرّض له‌ الآيات الكريمة المتعدّدة والمتنوّعة في مدالى لها بما يلي:

إنّ الإنسان كائن مدرك: تعبّر الكثير من الآيات الكـريمة بـصراحة‌ عـن‌ كون‌ الإنسان كائنا له القدرة على الإدراك والفهم والتحقّق والوعـي‌ والشـعور، وبتعابير مختلفة، كالإبصار والسّمع والتعقّل والشّعور والشّهود، فظاهرة الإدراك‌ في‌ الإنسان‌ ثابتة وأساسية تميزه عن سائر الكائنات، والقرآن يـعبّر عـمّن لمـ‌ يستفيدوا‌ من‌ هذه الموهبة الإلهية(العقل والإرادة) بأنّهم كالأنعام، بل هم أضـلّ سبيلا، فهؤلاء لم يغتنموا الفرصة‌ المتاحة‌ لهم،‌ والتي تمكنهم من السّير في الطريق الذي يؤدّي بهم الى التقرّب من اللّه‌ سـبحانه‌ بـحيث أنـّهم يتميزون عندها حتى على الملائكة في درجة قربهم.

و كيف أن ملاك‌ تميز‌ آدم‌ عـليه السلام على الملائكة هو علمه بالأسماء، وقدرته على التعلّم وكونه صالحا‌ للإدراك،‌ فقد علمّه اللّه سبحانه فـتعلّم، وبـهذا اسـتحقّ ذلك التعظيم من خلال الأمر‌ بسجود‌ الملائكة‌ له، وبالتالي سقطت شبهة وتساؤل المـلائكة عـن سـبب تميز آدم عنهم والأمر‌ بالسجود‌ له.

و من خلال الآيات الكريمة في هذا الشأن نستنتج أنّ قـدرة هـذا‌ المـخلوق‌ مطلقة‌ وليست محدودة، وهو يمتلك قدرة على تعلّم كلّ حقائق الوجود، إلاّ المرتبة التي‌ تـمتنع‌ عـن‌ الإدراك للممكن، وهي المرتبة المتعلّقة باللّه سبحانه، فما دون هذه المرتبة‌ يمكن‌ للإنسان الوصول اليها، فيمكنه أن يـتطوّر ويتكامل ويدرك أكبر قدر ممكن من الحقائق الكبرى‌ في‌ الوجود والتي لا يتمكن حتى المـلائكة مـن إدراكها، فالنّبي (ص) استطاع إدراك‌ كلّ‌ ما يمكن أن يدركه الممكن من حقائق‌ عالم‌ الغـيب‌ والشـّهادة بـالنّحو الذي تبينه الآيات الكريمة ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ [النجم: 9ـ8]، فكان أقرب ما يكون الى اللّه‌ سـبحانه والى معرفة مقام‌ الرّبوبية،‌ وفي‌ الرّوايات‌ ورد‌ أنّ جبرئيل قد بلغ الى حدّ‌ لم‌ يـتمكن مـن الصـّعود بعده، فصعد النّبي(ص) لوحده، وهذه كناية وإشارة الى أنّ‌ الحدّ الوجودي والإمكاني لجبرئيل وهو أرقى المـوجودات أقـلّ‌ مـن‌ حدّ النّبي في مقام القرب‌ والتعرّف على الحقيقة المطلقة، فاستمرّ النّبي(ص) في دنـوّه وتـكامله وتطوّره في الإدراك‌ والمعرفة وسائر الحيثيات التي‌ كانت‌ تستبطنها‌ تلك المعرفة الخاصّة‌ وذلك العروج الرّبّاني الخاصّ.

و تمتاز‌ قـابلية الإنـسان على الإدراك بكونها ديناميكية ومتنوّعة وغير ثابتة ولا متناهية،‌ فكلّ‌ مخلوق قابل للإدراك (عدا الإنـسان) له حـدّ ثابت‌ لا‌ يتطوّر ولا‌ يزداد‌ أو ينقص منه، فاستجابته وتوجيهه تـكونان بـاتّجاه مـعين ثابت لا يحيد عنه كما جاء في وصـف المـلائكة ﴿لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 6]، وفي الرّوايات نجد‌ أنّ‌ لكلّ ملك عـملا خـاصّا مكلّف به، كتدبير السّماوات وتـسيير الرّيـاح وخلقة الإنـسان... والتـكليف هـنا‌ هو‌ التكليف‌ التكويني لا التشريعي المولوي.

و لهذه المـيزة نـري‌ تطوّر‌ الإنسان‌ في‌ سلّم‌ الكمالات،‌ حتى أحاط الأنبياء والأولياء بالوجود كلّه وبـالحقيقة كـلّها، هذا في جانب الفرد، أمّا فـي جانب المجتمع فنري تـطوّرها فـيما يرجع الى مدركاتها المادية الطبيعية وأسـراره إضـافة الى مدركاتها المعنوية والأخلاقية والرّوحية، فالإنسان الذي كان يعيش في زمن موسي(ع) كانت مدركاته العقلية مـحدودة جـدّا بحيث إنّه يصّر أنّ العـجل يـمكن أن يـكون إلها، أو‌ أنّ‌ إنـسانا كـفرعون يمكن أن يكون إلها لهـ، وبـفضل نزول الهداية الإلهية ونموّ الإنسان نفسه، زالت كلّ تلك الخرافات والغشاوات عن الذّهنية البشرية وهـذّب الذّهـن البشري،‌ وكشفت عنه حجب الجهل.

فالإنسان كائن مـدرك زوّد بـقابلية المعرفة، وهـي أرفـع مـمّا لدي سائر المخلوقات المدركة حتى الملائكة، وهذه القابلية ديناميكية‌ متحرّكة‌ وليست قسرية، وهي‌ قابلة‌ للنموّ والرّشد فيما يرتبط بعالم الطـّبيعة، أو عـالم الغيب والمعاني والملكوت.

خصيصة المعرفة هي أشرف الخـصائص التـي تـوجد فـي مـقياس القيمة الحقيقية،‌ فـالعلم‌ والمـعرفة هما أعلى‌ وأشرف ما يمكن أن يتحلّى به الإنسان، وهي من خصائص اللّه سبحانه، فهو العالم، وهو الذي نـفخ روح الإنـسان مـن روحه فأوجد فيه قابلية المعرفة، وخصّيصا شـرف‌ المـعرفة‌ يـعترف بـها حتى المـاديون المنكرون لله سبحان وتعالى، فلا يوجد عاقل يقول باستواء العالم والجاهل ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ[الزمر: 9]، ﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ[الزمر: 19ـ20]

التأكيد على ضرورة الاستناد الى العلم والمنطق والبرهان والدّليل والعقل والفكر في كلّ تحرّك‌ و‌‌موقف‌ يقفه ويعتقد به الإنسان، فـبعد هـذه الأهمية للعلم والمعرفة لا بدّ‌ من‌ استخدام‌ العقل في فهم وإدراك ما يعتقد به الانسان مستندا الى العلم والمنطق والعقل ‌﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا﴾ [الاعراف: 179] فالآيات‌ تحثّ على الاعتماد على المـعرفة‌ والتدبّر لا الجهالة والخرافة والغفلة لاهية قلوبهم‌ ﴿ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى [طه: 62]، فلا بدّ من انعكاس هذا الإدراك على عقيدة الإنسان ومواقفه التي يتّخذها.

و يكتسب هذا الموضوع أهمية‌ كـبرى في‌ الحياة العـقائدية للإنسان باعتباره يشكل الأساس للجـوانب الأخرى، فكلّ سلوك فردي أو اجتماعي مبني على نظرية عقائدية معينة هي الأساس والخلفية الفكرية التي تبرّر السّلوك الخارجي للفرد أو المجتمع.

و من‌ جملة الآيات التي تعرّضت الى هـذا الجـانب ما يلي:

﴿ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [البقرة: 111]

﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الاسراء: 36]

﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ [الملك: 10]

﴿ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾ [الانفال: 42]

إنّ للمعرفة قيمة، أي انّ للإدراك ما يطابقه في الواقع الخـارجي، ويـعرف‌ هذا البحث في المنطق ب(نظرية المعرفة) فللإدراك جانبان، جانب ذاتي، وآخر موضوعي، فالجانب الذّاتي له لم ينكره أحد، حتى السوفسطائيون، فلا إشكال بأنّ الإنسان يدرك بأنّه يدرك، كما قال‌ الفيلسوف‌ الغربي‌ (ديكارت):«أنا أفـكر فـإذن أنا مـوجود»،‌ ونحن‌ نصطلح عل يهذا العلم بالعلم الحضوري، وهو علمنا وإدراكنا بما ندركه، لكنّ الخلاف قد وقع فـي الجانب الموضوعي لهذا‌ الإدراك‌ وهو وجود مطابق خارجي لهذا الإدراك، فـلعلّ هـذا‌ الإدراك‌ حاله حال سائر الانفعالات النفسانية، كالألم والجوع والعطش، والتي هي حالات ذاتية، ولكن ليس لها‌ ما‌ وراء‌ نـفس ‌تـلك الحالات من كشف لحقيقة موضوعية خارج ذات الإنسان،‌ فحالة الفرح عند ما تحدث للإنـسان يـتصوّر وجـود شي‌ء مقابل تلك الحالة في واقعة الخارجي، ولكنّه مجرّد‌ انفعال‌ لا‌ يترتّب عليه أثر في الخـارج، وهذا الإشكال أورده السوفسطائيون والمثالى والشكاكون قديما وحديثا، فانبري الحكماء والفلاسفة الواقعيون لإثبات وجـود مطابق موضوعي خارجي للإدراك‌ إذا‌ حـصل‌ من مناشئه المنطقية الصّحيحة.

على هذا فالجانب الذّاتي للإدراك يمثّل حالة شعورية كباقي‌ الانفعالات‌ النفسانية‌ وهو محلّ اتفاق المناطقة، أمّا الجانب الموضوعي للإدراك وهو ما يمتاز به‌ على سائر‌ الحالات الشعورية (الذّاتية) فهو وجود المطابق لهذا الإدراك فـي الواقع الخارجي، وهو ما يعبّر عنه‌ في‌ بحث القطع في علم الأصول بطريقة القطع وكاشفيته، فللعلم والإدراك كاشفية‌ عن‌ مطابق‌ في الخارج، وليسا حالة ذاتية محضة، وهذه النّقطة مهمّة في الأبحاث المـنطقية،‌ وقـد كانت محلّ خلاف بين السوفسطائيين والفلاسفة الواقعيين.

الآيات القرآنية واضحة وصريحة‌ في‌ أنّ‌ عملية الإدراك عملية موضوعية وليست مجرّد حالة ذاتية، فهي تؤكد بأنّ الإنسان ومن‌ خلال‌ موهبة العقل والمعرفة والقدرة على التـعلّم والإبـصار والسّمع‌ وغيرها،‌ فإنّه يدرك أمورا واقعية لها ما بإزائها، بل يطرح القرآن ما هو أوسع من ذلك، فهو‌ يطرح‌ واقعية‌ وموضوعية وطريقية للإدراك ووجود مطابقات واقعية موضوعية خارج الذّهن‌ أوسع‌ ممّا تـطرحه الاتـّجاهات المنطقية، فالمنطق الإنساني ربّما لا يثبت الواقعية لأكثر من الواقع المحدّد بهذا الوجود،‌ بينما‌ القرآن الكريم يؤكد بأنّ الواقع الذي يمكن للإنسان أن يدركه ويشهده‌ سو‌ يتّصل به هو أوسع من الوجـود المـادّي،‌ وهـو‌ ما يعبّر عنه بعالم الغـيب فـي هـذه‌ النشأة‌ والنشأة الأخرى، ومن الآيات التي تعرض هذا الجانب:

﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ... لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾ [النجم: 11 و18]

﴿ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ﴾ [مريم: 61]

﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ﴾ [البقرة: 3]

في تحديد مصدر المعرفة، أو منشأ الإدراكـات، لدى‌ الإنسان،‌ وهي: النظرية الحسّية، ونظرية الاستذكار‌ الإفلاطونية، ونظرية التجريد‌ الذّهني‌ لأرسطو.

لم تتطرّق الآيات القرآنية الى مثل‌ هذا البحث المنطقي(في نظرية المـعرفة) من أن مـصدر نشوء المعرفة الحصولية هو الحسّ فقط‌ أو‌ الإستذكار، أو الحسّ والعقل‌ مـمّا‌ يجعل‌ من الصّعب استخلاص‌ نظرية‌ قرآنية بهذا الشأن، وما‌ يؤكد عليه القرآن من خلال السّمع والبصر والفؤاد، ومـا اسـتظهر مـن‌ الآيات‌ القرآنية بشأن تحديد منشأ الإدراك لدي‌ الإنسان‌ هو تحميل‌ للآيات‌ بـأكثر‌ مـمّا هي متعرّضة له‌ لأنّ القرآن-أساسا-لا يتعرّض الى هذه النّقاط العلمية غالبا، فهو كتاب هداية وتربية وصنع‌ للإنـسان‌ ومـا يـتطرّق الى ه -أحيانا-متعلّق بهذا‌ الهدف‌ السّامي‌ والرّفيع.

يمكن ومن خلال‌ الاستفادة‌ من الآيات القرآنية(بطريق غـير مـباشر)تحديد بـعض المصادر التي يعتبرها القرآن الكريم صحيحة وسليمة في المعرفة‌ إضافة‌ الى المصادر غير الصـّحيحة، فـالمصادر الصـّحيحة للمعرفة من‌ وجهة‌ نظر‌ قرآنية‌ هي:

أ-المعارف التي‌ تعتمد على الفطرة البشرية السّليمة الخالية وغير المـلوّثة بـالأفكار الزّائفة، فللإنسان مدركات فطرية يعترف بها القرآن الكريم كمصدر سليم من مصادر الإدراك، فـأصل الدّيـن هو أمر‌ مطابق مع الفطرة الإنسانية في تشريعاته وتنظيماته، إضافة الى جانب الاعتقاد باللّه سـبحانه، فـهو أمر منسجم مع الفطرة، فالإنسان مدرك للتوحيد بفطرته، فللفطرة مدركات أوّلية وجدانية صـحيحة فـيما يـختصّ‌ بتوحيد‌ اللّه سبحانه- في أقل تقدير-و لكنّ الإنسان لا يسلم بذلك بعد تلوّثه بالذّنوب وبالأفكار المنحرفة، فـهو يـولد على الفطرة-كما في الحديث الشريف- وأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه، فالإنسان‌ يولد‌ على التـوحيد، ولكـن مـن خلال المجتمع تتلوّث فطرته السّليمة من خلال الأجواء المحيطة به.

الإنسان مخلوق أودع نفخة من روح اللّه سبحانه، تستبطن‌ هـذه‌ النـّفخة العـلم والإدراك بوجود‌ اللّه‌ ووحدانيته، ومن الآيات التي تطرّقت الى هذه المسألة:

﴿ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [ابراهيم: 10]

فكأنّ معرفة اللّه سبحانه‌ مسألة‌ فطرية، وكلّ شي‌ء‌ يدلّ‌ عليه، وكما يقول الإمام الحسين (ع) في دعـائه فـي يوم عرفة: (متى غبت حتى تحتاج الى دليل يدلّ عليك، ومتى بعدت حتى تـكون الآثـار هي التي توصل اليك، عميت عين‌ لا‌ تـراك عـليها رقيبا).

﴿وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ [لقمان: 32]

و غيرها من‌ الآيات‌ الكريمة التـي‌ تـتحدّث عن الحالة التي تعتري الإنـسان فـي الأوقات الحـرجة، فـهو يـتوجّه لا شعوريا بفطرته الى اللّه سبحانه‌ كالحالات التي تـصيب الإنـسان عند ما يركب السّفينة وتحيط‌ به‌ الأمواج‌ من كلّ جانب، وكذلك حـالات النـّزع وفي سكرات الموت ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس: 90]

ب- ما نصطلح على بالمنهج الاسـتقرائي للمـعرفة، وهو التعرّف على الحقيقة مـن خـلال المـلاحظة والتجربة والمشاهدة واسـتقرار‌ الجـزئيات واستنتاج ما‌ يناسبها‌ مـن حـقائق غير ملموسة، وهو المنهج العلمي الذي تبتني عليه كلّ النّظريات العلمية والتسمية الصحيحة له في المـنهج الاسـتقرائي، فهذا المنهج يعتبر في نظر القـرآن الكـريم سليما وصـحيحا‌ كـمصدر للمـعرفة، بل فيه حثّ على استخدام هذا المنهج للتعرّف على الحقائق كالإيمان باللّه وتوحيده وبعض صفاته إضافة لبعض أصول الدّيـن وحتى الحقائق العلمية المادّية، ومن الآيات‌ التـي‌ تـعرّضت لهـذا المنهج.

﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [إل عمران: 191]

فأي إنسان يقف أمام هـذه الجـزئيات المـستقرأة يـدرك وجـود النـّظم والإتقان والدّقّة المتناهية في كلّ جزء‌ من‌ أجزاء السّماوات والأرض بحيث أنّه لو كان اختلال في ذرّة أو جزيئة لأدّي الى التخلخل في هذا النّظم، فلا يمكن أن يكون كلّ ذلك الإتقان من غير مـدبّر،‌ وهو‌ ما يسمّي بدليل النّظم، ويعتبر‌ هذا‌ الدّليل من أفضل الأدلّة على وجود اللّه سبحانه، وقد أثبت السيد الشهيد الصّدر(قده) في كتابه الأسس المنطقية للاستقراء، ومن خلال الدّليل الاستقرائي‌ إنّ‌ مبني‌ العلم والإيمان واحد، فـالذي يـؤمن بأحدهماه لا‌ بدّ‌ وأن يؤمن بالآخر، ويعتبر الدّليل الاستقرائي من أيسر المناهج وأوضحها وأكثرها قبولا عند النّاس وهو‌ مقبول‌ عند من تلوّثت فطرته بخلاف الدّليل الاستقرائي من أيسر المناهج وأوضحها وأكثرها قبولا عـند النـّاس، وهو مقبول عند من تلوّثت فطرته بخلاف الدّليل الفطري، فإنّه يتلائم مع‌ صاحب‌ الفطرة‌ السّليمة، ولذلك فقد أكد القرآن الكريم على هذا الدّليل أكـثر‌ مـن‌ أي دليل آخر.

﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ﴾ [فاطر: 27]

فأواخر الآيـات‌ جـعلت‌ نتيجة‌ للّذي يفتح عينيه على الكون والطّبيعة ويستقري آيات اللّه فإنّه سينتهي الى الإيمان‌ باللّه، لذلك فإنّ الآيات تؤكد أنّ أكثر النّاس خشية للّه هم العلماء، ونحن‌ نري‌ أنّ العملاء في المذاهب والعلوم المـختلفة يـختلفون عن أتباعهم في كونهم كلّما ازدادوا‌ علما‌ ازدادوا إيمانا باللّه سبحانه، ويقال بأنّ داروين صاحب كتاب (أصل الأنواع) الذي كان‌ قسّيسا‌ أرسل‌ اليه القساوسة مستفهمين عن صحّة شكه في اللّه سبحانه بعد نظريته فـي التـطوّر؛ فأجاب بأنّه على العكس‌ من ذلك، فإنّه قد ازداد إيمانا لأنّه قد اكتشف المزيد من الدّقّة‌ في‌ الخلق.

﴿ وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 20ـ21]

﴿ سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ [فصلت: 53]

ج- المنهج العقلي (القياس)، ويستفاد من إشارات كثيرة‌ في‌ آيات متعدّدة، فالآية الكريمة ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا﴾ [الانبياء: 22] ، واردة في إثبات الوحـدانية‌ ونـفي الشّريك، وفيها استدلال قياس، ففرض وجود إلهين يؤدّي الى فساد‌ وبطلان وانتفاء الوجود، وهـو اسـتدلال‌ عـقلي‌ يقول‌ به الفلاسفة، وكذلك الآية‌ الكريمة ﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ[الطور: 35] فهي تثير العـقل بالإشارة الى أنّه‌ لا بدّ لكلّ ممكن من‌ خالق،‌ فهي تستبطن‌ قياسا،‌ فإمّا‌ أن يـكونوا قد خلقوا من غـير‌ شـي‌ء‌ وهو غير معقول، أو يكونوا هم الخالقين، وهو مستحيل، لأنّه‌ يلزم‌ التناقض عندها سيتعين الاحتمال بعد بطلان‌ الاحتمالين الأوّلين فيكونون مخلوقين.

و قوله‌ تعالى ‌﴿ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ [النحل: 20] فـالذي يحتاج في خلقه على خالق‌ لا‌ يمكن ان يخلق غيره.

و قوله‌ تعالى ‌﴿ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [يس: 78ـ79]، ففي‌ الآية استدلال عقلي بأنّ الذي يـشكك فـي‌ البعث‌ والنّشور‌ فإنّ‌ اللّه‌ سبحانه ينبّهه الى خلقه‌ أوّل مرّة، فمن خلقه أوّل مرّة يمكنه إعادته متي شاء.

و كذلك في قصّة إبراهيم(ع) عند ما‌ كسّر‌ الأصنام ثمّ جعل الفأس في رقبة‌ كبيرهم،‌ وحين‌ سئل‌ إبـراهيم(ع) عن الفـاعل‌ ﴿ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ﴾ [الانبياء: 63] ففي الآيات إشارة لقومه بأنّ من لا ينطق‌ ولا‌ يدفع عنه الضّرّ لا يستحقّ أن يتّخذ‌ إلها

د-الإدراك بالوحي،‌ ويمثّل مصدرا راقيا وغنيا ورفيعا من حيث الأسـلوب والمـنهج، وزمامه بيد اللّه سبحانه، والوحي ركيزة في كل الدّيانات، وهو مصدرها، فكلّها‌ نازلة بالوحي، فيوحي اللّه سبحانه الى العبد الذي يجده مؤهّلا للإيحاء. ولا يختصّ بالأنبياء كالإيحاء الى مريم، ونحن هنا نريد البحث عن الوحـي مـن النـاحية المنطقية(باعتباره مصدرا حقيقيا وسليما‌ مـن مـصادر الإدراك)لا من الناحية الفلسفية لكي يستلزم شرح ماهية الوحي فبحثنا عن مصادر وحقيقة الإدراك وجوهره من الناحية المنطقية فقط.

و من الآيات التي تطرّقت الى هـذا‌ الجـانب‌: ﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى [النجم: 10]

و كذلك‌ ﴿ وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ﴾ [الاسراء: 86]، والآية الكريمة ﴿ وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ [فاطر: 31، والآية ﴿ تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ [هود: 49]، وهـذا الوحـي أمـّا أن يكون من وراء حجاب كما في الوحي لموسى (ع) أو‌ عن طـريق إرسال رسول‌ كما‌ في الرّسول الأعظم (ص).

الإدراك بالإلهام، ويسمّيه الفلاسفة والعرفاء بالإشراق فالإنسان قد يصل الى المعرفة بلا استدلال منطقي فـيلقي فـي روعـه فيدكر شيئا ما إدراكا صحيحا، والإلهام مصدر للمعرفة‌ يمكن‌ التعويل عليه.

و يـدّعي اكـثر الفلاسفة الإسلاميين أنّ المؤمن إذا التزم بتعاليم اللّه سبحانه وجسّد بحقّ كلّ القيم الإلهية تصبح له شفّافية وإشراق على حـقائق الكـون والغيب، فلروح‌ الإنسان‌ القابلية على هذا الإشراق كلّما تجرّدت من التعلّقات المـادّية، فـهو يـدرك بعقله بلا حاجة الى مروره بمراحل الاستدلال المنطقي،‌ وذلك بارتباطه بعالم الغيب، ويضيفون على ذلك بأنّ الاسـتدلال‌ المـنطقي‌ هـو‌ من باب تعليم الأطفال الذي يكونون في غني عنه عند ما يكبرون، فالمعرفة الحصولية هـي بـمثابة الأوّليات ‌‌للطّفل‌ وإنّه إذا ما تدرّج في دراسته العليا فإنّه يكون في غني وإحـاطة‌ لكـلّ‌ تـلك المسائل ويدرك عند ذلك حقائق لم تكن من الممكن إدراكها في طفولته، وهذا هو حال الإنـسان العـادي بالنّسبة للإنسان العارف القريب من اللّه سبحانه.

ونحن‌ لا ندّعي صحّة كلّ‌ ما‌ يقولونه، لكن مـن المـؤكد أنّ المؤمن إذا اتّقي ربّه حقّ تقاته فإنّه يصل الى مقامات في القرب والإشراق والإشراف على عالم المـادّة، وقـدرة الأنبياء والأئمة(ع) جاءت من خلال‌ تجسيد الطّاعة التّامّة للّه سبحانه.

و من الآيات التي تتطرّق الى هـذه المـعاني: «فـوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلّمناه من لدنّا علما» [الكهف: 34]، والقرآن لم يقل‌ بأنّه‌ أنـزل الوحي على الخضر (ع)، بل هو نوع من الإلهام أو سمعناه بالعلم اللّدني الذي يرتبط فيه الإنسان بـعالم الغـيب، فالأئمة(ع) إضافة الى الصّدّيقة الزّهراء(ع) لم يكن ينزل عليهم الوحي، وإنّما‌ كان‌ علمهم لدنيا بالإلهام.

«قال بصرت بما لم يبصروا به فـقبضت قـبضة من أثر الرّسول فنبذتها وكذلك سوّلت لي نفسي» [طه: 96]

فقد حصل للسّامري ذلك الإشراق من خـلال تـلك القبضة،‌ والتي ألقاها في فم العجل فـأصبح له خوار.

«وأوحـينا الى أم موسى أن ارضعيه» [القصص: 7]، فالإيحاء هنا ليس بإرسال الوحـي وإنـّما بالإلهام، وكذلك الآية الكريمة «و أوحى‌ ربّك‌ الى النّحل أن اتّخذي من الجبال‌ بيوتا...» [النحل: 68].

هذا الى جـانب العـديد من الآيات التي تؤكد على وجـود الإلهام كـمصدر مـن مـصادر المعرفة السّليمة والصّحيحة والتي هي‌ إفـاضة‌ شـبه‌ طبيعية، وكأنّ كلّ إنسان له القابلية على الوصول-و‌ لو بالقوّة-الى تلك المراتب العالية فـي مـقام الاطّلاع والإشراف على عالم المادّة إضـافة الى بعض حقائق الغيب والتـدرّج‌ فـي‌ سلّم القرب الإلهي حينما يـجسّد الطـّاعة والعبودية الحقيقية للّه‌ سبحانه.

و في نفس الوقت الذي يشير فيه القرآن الكريم الى المصادر السّليمة والصـّحيحة للمـعرفة فإنّه يشخّص المصادر‌ غير‌ السـّليمة‌ التـي يـعتمدها بعض النّاس ويتصورونها عـلما، وما هي إلاّ‌ وهم، وهي:

 تقليد الآبـاء والأسـلاف، فهناك آيات كثيرة تشير الى هذا المصدر من المصادر غير‌ الصّحيحة‌ للمعرفة،‌ منها «إنّا وجدنا آبـاءنا على أمّة وإنّا على آثارهم مهتدون» [الزخرف: 22] وهـذه‌ الحـالة يتأثّر فـيها الإنـسان بـشكل غريزي وعاطفي تأثّرا بـالغا، ولا بدّ للإنسان‌ من‌ معاناة‌ كبيرة للتخلّص منها، وهي لا تقتصر على الذين ذكرهم القران الكريم مـن الأمـم‌ السابقة،‌ بل هي حالة غريزية مـتأصّلة فـي نـفس الإنـسان ومـن الصّعوبة أن يتخلّص‌ مـنها،‌ فـعند‌ ما يراجع الإنسان في ثقافته وفكره فإنّه يرى التأثير البالغ لآبائه وأسلافه‌ فيما‌ يعتقده، وقليل مـن يـستطيع التـحرّر من هذه الحالة تحرّرا مطلقا، ودرجات‌ التـأثّر‌ مـتفاوتة،‌ فـقد يـكون التـأثّر بـليغا، وبأمور مرتبطة بأصول الدّين مثلا كحالة الشّرك وقد يكون‌ التأثّر في‌ أمور أقل خطورة كتقليد الأعمى والعاطفي واللاّشعوري في الشؤون العامّة‌ والأخلاقية (و‌لعلّ أهمّ عامل يتمسّك به علماء السـّنّة في اتّباعهم وتقديسهم للخلفاء هو التأثّر والتّقليد‌ العاطفي‌ الأعمى لآبائهم وصعوبة تصوّر انحراف هؤلاء عن الحقّ)، ونحن نجد‌ في‌ مجتمعنا من الظّواهر الشّاذّة التي العاطفي اللاّشعوري غير المبني على أسـاس رصـين، فنرى مثلا تقليد عائلة‌ وعشيرة المرجع له مع أنّ ثبوت الأعلمية مسألة لا تقليد فيها، فبدلا‌ من‌ اتّباع الدّليل نري ظاهرة التّقليد هي الرّائجة‌ والمحكمة‌ في كثير من التصرّفات وبدرجات مـتفاوتة‌ وبـتبريرات مختلفة.

و هذا المصدر هو من أخطر المصادر التي يستقي الإنسان منها معارفه،‌ فكثير‌ ممّا نراه من الانقسامات في‌ المذاهب‌ والاتّجاهات‌ إنّما‌ هو‌ نتيجة لهـذا التـّقليد الأعمى، ففي الحديث‌ أنّ‌ كـلّ مـولود يولد على الفطرة وأبواه يهوّدانه أو ينصرّانه أو يمجّسانه،‌ ولهذا نرى التأكيد على عدم التّقليد في‌ أصول الدّين وضرورة‌ الاستدلال‌ عليها كي تكون عقيدة الإنسان‌ مبنية‌ على أسـاس راسخ، متين على بـراهين العـقل والمنطق، لا على التّقليد الأعمى‌ للآباء‌ والأسلاف.

إتّباع الحكام والمستكبرين‌ والأقوياء،‌ فنحن نجد آيات‌ كثيرة‌ تشجب المعتقدات التي يعتقد‌ بها‌ كثير من النّاس على أساس التأثّر بقوّة الأقوياء، فهم يتابعون أشخاصا يجعلونهم أنـدادا للّه‌ يحبّونهم‌ كحبّ اللّه كما في الآيات الكريمة «و‌ من‌ النّاس من‌ يتّخذ‌ من‌ دون اللّه أندادا يحبّونهم‌ كحبّ اللّه والّذين آمنوا أشدّ حبّا للّه ولو يرى الذّين ظلموا إذ يرون العذاب‌ أنّ‌ القوّة للّه جميعا وأنّ اللّه‌ شديد‌ العـذاب*إذ‌ تـبرّأ‌ الذين‌ اتـّبعوا من الّذين‌ اتّبعوا‌ ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب*و قال الّذين اتّبعوا لو أنّ لنا كرّة فنتبرّأ منهم‌ كما‌ تـبرّأو‌ منّا كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسرات وما‌ هم‌ بخارجين‌ من‌ النّار»‌ [البقرة: 165-167]

فهؤلاء حـبّهم للأفـراد حـبّ الخشية والانقياد لا مجرّد الودّ، فهو حبّ الدّاني للعالي، حبّ الخاضع للمخضوع له، فهؤلاء النّاس يبنون معتقداتهم ومدركاتهم على ‌أسـاس هذه العلاقة بينهم وبين المستكبرين، وقد قيل في وصف خطر هذه الآفة الاجـتماعية (إنّ النـّاس على دين ملوكهم) فهم يتّخذون القوّة دليلا على صحّة الزّعم والرّأي الذي يقوله‌ الحاكم‌ والمستكبر، فأكثر الآراء والمعتقدات انتشارا على مرّ التاريخ هي تلك التي روّجها الحكام بفرضهم تلك المعتقدات الفاسدة.

فمعاوية استطاع اللّعب بـمقدّرات الدّين عن طريق تـسلّطه ومـوقعه القيادي،‌ فأوجب‌ سبّ أمير المؤمنين(ع) علي منابر المسلمين وبرّره بمبرّرات واهية انطلت على الكثيرين، حتّى صار سبّ أمير المؤمنين(ع) سنّة في حكم بني أمية.

و القرآن الكريم‌ يؤكد‌ على خطورة هذه الظّاهرة لما‌ لها‌ من آثـار اجتماعية وخيمة على المجتمع، واستعرض لنا القرآن قصّة فرعون واستكباره في الأرض وتجبّره حتى وصل به الأمر أن‌ قال‌ «لا‌ أريكم إلاّ ما أري»‌ [غافر: 29]، فكلّ ما يقوله هو الصّحيح، وما عدا هو الباطل، وكـلّ المـعاجز التي جاء بها موسى(ع) عمّي عليها فرعون وفرض على بني إسرائيل ما يراه هو، فمن جانب‌ نرى‌ منتهى الجبروت والطّغيان في فرعون، ومن جانب آخر نرى منتهى الاستضعاف والاستحقار لهم، هـذا إضـافة الى فرض فرعون التحجّر وعدم الإدراك والتعقّل عليهم، فكلّ ما‌ يراه‌ هو ما‌ ينبغي اتّباعه.

و هناك آيات عديدة تصوّر هذا المصدر غير السّليم من مصادر المعرفة منها:

«و برزوا اللّه جميعا‌ فقال الضّعفاء للّذين اسـتكبروا إنـّا كنّا لكم تبعا فهل أنتم مغنون‌ عنّا‌ من‌ عذاب اللّه من شي‌ء» [ابراهيم: 21]

«و قالوا ربّنا إنّا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلّونا السّبيلا» [الاحزاب: 67]

إتّباع الأهواء‌ و‌‌الشّهوات‌ والآمال العريضة، وهي من آفات المعرفة التي يـشجبها القـرآن الكـريم، فهي‌ تبرّر‌ له‌ باتّباعها وضـع فـلسفة ومـسلك واتّجاه فكري، فالتّهالك على أمور الدّنيا واتّخاذها كلّ‌ شي‌ء في الحياة هو من أهم أسباب الضّياع الذي يعيشه الإنسان إن هو‌ انحراف عـن جـادّة الحـقّ،‌ فالاتجاهات‌ الفكرية المنحرفة الحديثة والقديمة كلّها جاءت نـتيجة للتـهالك على الدّنيا واتّباع الشّهوات بحيث يتّخذ من تلك الأهواء آلهة ومسلكا وفلسفة له في الحياة لأنّ الإنسان مفطور على اتـّباع مـعبود له يـمثّل كلّ المعاني السّامية التي يتصوّرها، فهو يتّخذ هذه الاتجاهات لإشباع ذلك الدّافع الفطري والغريزي عنده.

و هناك العديد من الآيات الكريمة التي تستعرض هذه الظّاهرة الخطيرة، منها:

«أرأيت من‌ اتّخذ إلهه هواه أفـأنت تـكون عـليه وكيلا» [الفرقان: 43]

«ذرهم يأكلوا ويتمتّعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون» [الحجر: 3]

«بل قلوبهم في غمرة مـن هـذا ولهم أعمال من دون ذلك هم‌ لها‌ عاملون*حتّي إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون*لا تجأروا اليوم إنّكم منّا لا تـنصرون*قد كـانت آيـاتي تتلي عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون*مستكبرين به سامرا تهجرون...و لو اتّبع الحقّ أهـواءهم‌ لفـسدت‌ السـّماوات والأرض ومن فيهنّ...» [المؤمنون: 63ـ71]

«يسمع آيات اللّه تتلي عليه‌ ثمّ‌ يصّر‌ مستكبرا كأن لم يسمعها فبشّره‌ بعذاب‌ اليم *‌ وإذا علم من آيـاتنا شـيئا اتّخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين» [الجاثية: 8ـ9].

الوساوس الشّيطانية للإنس والجنّ، وتوضّح هذا‌ المصدر‌ غير‌ السـّليم مـن مـصادر المعرفة الآيات من سورة الأنعام‌ «و‌ لو‌ أنّنا نزلنا الى هم الملائكة وكلّمهم الموتى وحشرنا عليهم كـلّ شـي‌ء قبلا ما كانوا ليؤموا إلاّ أن يشاء‌ اللّه‌ ولكنّ أكثرهم يجهلون*و كذلك جعلنا لكلّ نـبي عـدوّا شـياطين الإنس‌ والجنّ يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربّك ما فعلوه فذرهم وما‌ يـفترون*و‌ لتـصغى‌ اليه أفئدة الّذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما‌ هم‌ مقترفون» [الأنعام:111-114] .

فهذه الآيات تـوضّح أن لكـلّ نبي عدوّا من شياطين الإنس والجنّ يوحي بعضهم‌ الى بعض‌ بالهمس مثلا، كلاما مزينا ومـرتّبا ليـدحضوا بـه الحقّ، فكلّ مصلح على مرّ‌ التاريخ‌ نري تظافر جهود الشياطين بالإيحاء لبـضعهم البـعض بضرورة التصدّي للحقّ وبدافع الحفاظ على مصالحهم‌ وتتشكل على ضوء ذلك نظريات ومسالك بعضها يدّعي الحقّ، وهـي مـن الظّواهر‌ الخطيرة‌ في المجتمع لما لها من تأثير من خلال تصدّيها للحـقّ وادّعـائها بأنّها‌ هي‌ الحق،‌ وهذا نحو نم التـفاعل والتـناحر بـين الأهواء والغرائز الداخلية في داخل‌ نفس‌ كـلّ إنـسان من العناصر الخارجية من الجنّ والإنس المدعين لتلك الأهواء، وإن‌ كانت‌ المشكلة تـبدأ بـلحاظ كلّ فرد ولكنّه من خـلال الظـّاهرة الاجتماعية والحـياة الجـماعية للبـشرية‌ سوف‌ تتفاعل وتتطوّر المسألة، فيؤكد العـامل الخـارجي العوامل الداخلية في نفس كلّ‌ فرد‌ داخل‌ إطار المجتمع.

و هكذا يتشكل مجتمع الضـّلال والفـئات الضّالّة المضلّة للبشرية.

و من الآيات التي تـتعرّض‌ الى هذا‌ المصدر غـير السـّليم من مصادر المعرفة:

«قل أعوذ بربّ النـّاس*ملك النـّاس* إله النّاس*من‌ شرّ‌ الوسواس الخنّاس* الّذي يوسوس في صدور النّاس*من الجنّة والنّاس» [الناس: 1ـ6] .

و هي تشير بـوضوح الى ـ‌ وجود‌ نوعين من القائمين بـهذه الوسـوسة (الجنّ والإنس).

«قل أمـر ربّي بالقسط وأقـيموا‌ وجـوهكم‌ عند كلّ مسجد وادعـوه مـخلصين له‌ الدّين‌ كما‌ بدأكم تعودون*فريقا هدي وفريقا حقّ عليهم‌ الضّلالة‌ إنّهم اتّخذوا الشّياطين أوليـاء مـن دون اللّه ويحسبون أنّهم مهتدون» [الاعراف: 29ـ30] .

«ولكن‌ قست قـلوبهم وزيـّن لهم‌ الشـّيطان‌ مـا كـانوا‌ يعملون»‌ [الانعام: 43].

السّحر والشّعوذة، وهي‌ مـن‌ المصادر التي كانت على مرّ التاريخ موجدة لمعارف واتّجاهات وأفكار‌ منحرفة‌ وضالّة ممّا كان لهـا الأثـر‌ الكبير على الكثير من‌ النّاس، فالسّحر لا يعتبره القـرآن الكـريم مـصدرا‌ مـن‌ مـصادر المعرفة الصّحيحة؛ لأنّه غـير مـعتمد على الفطرة والعقل والمنطق، وإنّما‌ على قضايا لا يفلح صاحبها لكونها‌ ليست‌ مبنية‌ إلاّ على أساس‌ الخداع‌ والكـيد «إنّما صـنعوا كـيد‌ ساحر‌ ولا يفلح السّاحر حيث أتى» [طه: 69]، ولقد اسـتغلّ الفـراعنة السـّحر لأجـل‌ اظـهار‌ عـظمتاهم وألوهيتهم أمام النّاس الضّعفاء،‌ والقرآن يؤكد‌ على ضرورة‌ اتّباع الفطرة والعقل‌ والمنطق، ونبذ السّحر باعتباره لا يمثّل مصدرا سليما من مصادر المعرفة، بل هو‌ وهم وخداع، ويدعو الأنـبياء‌ النّاس‌ الى بناء‌ عقائدهم‌ على العقل والمنطق‌ والفطرة، وحتى المعاجز المادّية الخارقة، فإنّها إنّما يأتي بها النّبي لهداية الجمهور والعامّة،‌ وإلاّ‌ فالمعجزة الأصلية لكلّ نبي هي حقّانية ما‌ يطرحه‌ وعدم‌ تـنافيه‌ مـع‌ الفطرة والعقل والأنبياء وبالخصوص خاتمهم محمّد(ص). فهم لا يعتمدون على المعجزة في كسب النّاس لمدعياتهم، بل اعتمدوا على حقّانيتهم، فالرّسول الأعظم(ص) ادعى حقّانية القرآن واستخدم‌ الطّريق الطّبيعي في إقناعه النّاس، واستخدامه لبـعض المـعجزات الخارقة كان أمرا استثنائيا لمواجهة المعاندين أو ضعاف العقول، أمّا العقلاء أصحاب الفطرة السّليمة فإنّ الأنبياء كانوا يستخدمون معهم الاستدلال العقلي‌ والفطري، ومن خـلال تـعالى مهم الخالدة العظيمة، بل أعظم مـعاجز الأنـبياء كان هو الاعجاز العقلي المتمثّل في القرآن الكريم، وقد وردت آيات عديدة في شجب الاعتماد على السّحر،‌ على أنّه مصدر من مصادر المعرفة الصّحيحة، منها:

«فلمّا ألقـوا سـحروا أعين النّاس واسترهبوهم وجـاءوا بـسحر عظيم» [الاعراف: 116]

«واتّبعوا ما تتلوا الشّياطين‌ على ملك سليمان وما كفر‌ سليمان‌ ولكنّ الشّياطين كفروا يعلّمون النّاس السّحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت» [القرة: 102].

و قد وردت آيات عديدة تؤكد على أنّ‌ هـذا المصدر (السّحر) قد قوبل به‌ بعض‌ الأنبياء عند ما كانوا يبرزون معجزة من المعاجز كما قوبل موسى(ع) بأنّه ساحر حتى أبطل اللّه سبحانه سحر السّحرة المجتمعين وأثبت لهم أنّ ذلك لم يكن سحرا، وإنّما معجزة‌ واقـعية‌ وخـرق حقيقي للنـّظام الطّبيعي للكون، ومن الآيات:

«قالوا إنّما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون» [الحجر: 15]

و الآية «و قالوا ساحران تظاهرا وقالوا إنّا بـكلّ كافرون» [القصص: 48]

إتّباع الظّنون‌ والخيالات (المعارف الوهمية‌ غير الموضوعية)، تبين من الآيات الكريمة حـال فـريق مـن النّاس وهم المعاندون للأنبياء بأنّهم متّبعون للظّنّ (الظّنّ‌ هنا هو الاصطلاحي، وهو ما يقابل اليقين) و الخيال، وكلّ‌ مـا‌ ‌نـزل‌ من عند اللّه من الحقّ، فهم يتأثّرون في مدركاتهم بأمور تنشأ من مناشي غـير مـوضوعية (غير عـقلية) بحيث أنّه‌ لويحتكم ‌‌الإنسان‌ الى العقل والمنطق الصّحيح فلا يمكن أن يجد لها أساسا صحيحا، وإنّما‌ منشؤها‌ ذاتي، كالألفة التي تحصل للإنسان بالحياة المادّية، فعند ما يموت غيره ويراه‌ لا يرجع الى هـذه الحياة، فإنّه يبني مـعتقدا على ذلك بأن يقول ما‌ قاله الدّهريون «وما‌ يهلكنا‌ إلاّ الدّهر» [الجاثية24]، ويحاول بهذه المقولة مواجهة قول الأنبياء بالبعث والنّشور، والقرآن وباستدلال بسيط يفنّد إدّعاء هؤلاء ويؤكد أنّ فكرة المعاد مثلها مثل الكثير من‌ الظـّواهر المادّية التي نشاهدها كظاهرة إحياء الأرض بعد موتها «وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبّا فمنه يأكلون» [يس: 33]، هذا إضافة الى عدم كونه مشرفا على الوجود والكون‌ كلّه‌ كي يدّعي أنّه لا معاد لهذا الجسم بعد حين.

إنّ كـثيرا مـن المتبنيات التي يدّعيها أصحاب المذاهب والدّيانات الفاسدة مبنية على أسس واهية كالعاطفة والحبّ الشي‌ء والبغض لآخر،‌ يقول‌ السيد الشهيد الصّدر (قده) في كتاب اقتصادنا في تفسير نشوء نظريات العامل الواحد فـي تـفسير حركة التاريخ بأنّ عامل التأثّر بالعاطفة كان له الأثر الكبير في صياغة ماركس لنظريته في‌ الاقتصاد‌ ثمّ في الفلسفة ثمّ في الاجتماع والتاريخ، وذلك من خلال نشأته في الفقر والبؤس ومـا لاحـظه من مظالم الرأسمالية لطبقة العمّال والفلاّحين، فالأفكار والأوضاع‌ التي‌ يعيشها الإنسان في المجتمع والبيئة‌ التي‌ تحيط به لها الأثر الكبير في الاتّجاهات الفكرية التي يتّخذها إذا لم يحتكم الى المنطق والعقل السـّليم، والمـجتمع الذي‌ يعيش‌ تعقيدا‌ إقتصاديا واجتماعيا مـعينا يـعكس أفـكارا ونظريات‌ واتّجاهات تنسجم مع وحي ذلك التّعقيد، فمجموعة الآيات تشجب اتّباع الظّنّ باعتباره ليس مصدرا سليما من مصادر المعرفة لأنّه‌ لا‌ أساس‌ له مـن العـقل والمـنطق وإنّما هو خيالات نفسية‌ ينشأ بعضها من الألفة والعـادة وبـعضها من الخيالات والأوهام، وبعضها من التأثّر بالحياة الاجتماعية والبيئة،‌ وهي كلّها مناشئ غير موضوعية يريد القرآن تهذيبها وجعلها قـائمة‌ على العـلم والمنطق والمعرفة الحقيقية، ومن الآيات:

«إن يتّبعوه إلاّ الظّنّ وما تهوي الأنفس‌ ولقـد‌ جاءهم من ربّهم الهدي» [النجم: 23]

«إنّ الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمّون الملائكة‌ تسمية‌ الأنثى‌ وما لهم به من علم إن يتّبعون إلاّ الظـّنّ وإنّ الظـّنّ لا‌ يغني‌ من‌ الحقّ شيئا» [النجم: 28]

«إن يتّبعون إلاّ ظنّا وإنّ هم إلاّ يخرصون» [يونس: 66] .

«و ما‌ لهـم بـذلك من علم إن هم إلاّ يظنّون» [الجاثية: 24].

«ومنهم أمّيون لا‌ يعلمون‌ الكتاب‌ إلاّ أماني وإن هم إلاّ يظنّون» [البقرة: 78].

«وما يتّبع أكثرهم إلاّ ظنّا‌ وإنّ الظـّنّ لا يـغني من الحقّ شيئا» [يونس: 36].

هذه لمحة موجزة في عالم معرفة الإنسان وفق الرؤية القرآنية،نسأل الله تعالى أن يرزقنا الوصول لأعلى المراتب المعرفية في معرفة القرآن الكريم،فإنه الطريق الحق لمعرفة الحق جل وعلا. والحمد لله رب العالمين.

 

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/06/07   ||   القرّاء : 4729





 
 

كلمات من نور :

من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها .

البحث في القسم :


  

جديد القسم :



 تجلّي آيات من القرآن الكريم في سيرة الإمام الحسين (عليه السلام)

 الامام الحسن (عليه السلام) بين جهل الخواص وخذلان العوام

 ظاهرة الحروف المقطعة في فواتح سور القرآن - درس التفسير 1

 التدبر المضموني والبنيوي في الحروف المقطعة - الدرس 2

 ذكر فضائل علي اقتداءٌ برسول الله

 وفد من الكويت في زيارة للدار

 رئيس القساوسة في جورجيا يزور دار السيدة رقية (ع)

 دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم تحقق المركز الأول لجائزة 114 القرآنية العالمية

 الختمة القرآنية المجوّدة للدكتور القارئ رافع العامري

 المصحف المرتل بصوت القارئ الحاج مصطفى آل إبراهيم الطائي

ملفات متنوعة :



 القرآن المعجزة الخالدة

 الاَمثال القرآنية وانسجامها مع البيئة

 النشرة الاسبوعية العدد 49

 العدل فی القرآن الكريم

 الإمام الصادق(ع) ودوره في نشر الفكر الإسلامي

 المجتمع القرآني

 القرآن وأسرار خلق الإنسان (من وجهة نظر علم الطب)

 أحكام التجويد

 دار السيّدة رقية (ع) للقرآن الكريم تقيم مسابقة قرآنية وتستقبل وفد جامعة المصطفى (ص) العالمية

  النشرة الاسبوعية العدد ( 30 )

إحصاءات النصوص :

  • الأقسام الرئيسية : 13

  • الأقسام الفرعية : 71

  • عدد المواضيع : 2213

  • التصفحات : 15415408

  • التاريخ : 28/03/2024 - 22:12

المكتبة :

. :  الجديد  : .
 الميزان في تفسير القرآن (الجزء العشرون)

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء التاسع عشر)

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء الثامن عشر)

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء السابع عشر)

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء السادس عشر)

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء الخامس عشر)

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء الرابع عشر)

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء الثالث عشر)

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء الثاني عشر)

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء الحادي عشر)



. :  كتب متنوعة  : .
 الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل (الجزء الثاني)

 الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل (الجزء الأول)

 الميزان في تفسير القرآن ( الجزء الثالث)

 الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل (الجزء الثالث)

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء التاسع عشر)

 الاصفى في تفسير القران (الجزء الاول)

 الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل (الجزء التاسع)

 كيف نقرأ القرآن؟

 المدخل إلى سُنن التاريخ في القرآن الكريم

 دروس قرآنية في تزكية النفس وتكاملها

الأسئلة والأجوبة :

. :  الجديد  : .
 إمكان صدور أكثر من سبب نزول للآية الواحدة

 تذكير الفعل أو تأنيثه مع الفاعل المؤنّث

 حول امتناع إبليس من السجود

 الشفاعة في البرزخ

 في أمر المترفين بالفسق وإهلاكهم

 التشبيه في قوله تعالى: {وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ}

 هل الغضب وغيره من الانفعالات ممّا يقدح بالعصمة؟

 كيف يعطي الله تعالى فرعون وملأه زينة وأموالاً ليضلّوا عن سبيله؟

 كيف لا يقبل الباري عزّ وجلّ شيئاً حتى العدل {وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ}؟

 حول المراد من التخفيف عن المقاتلين بسبب ضعفهم



. :  أسئلة وأجوبة متنوعة  : .
 ما هي السورة التي شيّبت الرسولَ صلّى الله عليه وآله وسلّم ؟

 ما معنى قوله تعالى: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [النساء: 36]؟

 هل كانت لدى نبي الله موسى لثقة في لسانه؟ وان كانت ما سببها؟ وما مدى صحة اختبار فرعون لموسى وهو طفل بالتمر والجمر؟

 ما هو السبب وراء عبادة الاصنام؟

 الرواية التي يرويها العياشي في تفسيره عن المعمر بن سليمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أبي عليه السلام: ( ما ضرب رجل القرآن بعضه ببعض إلا كفر ) .. ما هو معناها الحقيقي ، مع شيء من الامثلة ؟

 ما مدى أهمية مسألة التوحيد؟

 كيف لي أن أستفيد من آيات القرآن الكريم ليتخلّص من تلك الغفلة والوساوس التي تسيطر على هذا الشخص؟

 ما هو المقصود من ان الله ((لطيف))؟

 ما هي واجبات الطلاب نحو استادهم شهرياً إذا كان الاستاد لم يضع لهم أجور لتدريسه ؟

 لماذا تحديد (المخارج غير الصحيحة) وعدم إدراجها تحت (اللّهجات العاميّة)؟

الصوتيات :

. :  الجديد  : .
 الجزء 30 - الحزب 60 - القسم الثاني

 الجزء 30 - الحزب 60 - القسم الأول

 الجزء 30 - الحزب 59 - القسم الثاني

 الجزء 30 - الحزب 59 - القسم الأول

 الجزء 29 - الحزب 58 - القسم الثاني

 الجزء 29 - الحزب 58 - القسم الأول

 الجزء 29 - الحزب 57 - القسم الثاني

 الجزء 29 - الحزب 57 - القسم الأول

 الجزء 28 - الحزب 56 - القسم الثاني

 الجزء 28 - الحزب 56 - القسم الأول



. :  الأكثر إستماع  : .
 مقام البيات ( تلاوة ) ـ الشيخ عبدالباسط عبدالصمد (24560)

 مقام صبا ( تلاوة ) ـ حسان (12749)

 مقام البيات ( تواشيح ) ـ فرقة القدر (9630)

 مقام صبا ( تواشيح ) ـ ربي خلق طه من نور ـ طه الفشندي (9058)

 الدرس الأول (8106)

 الشیخ الزناتی-حجاز ونهاوند (7828)

 سورة الحجرات وق والانشراح والتوحيد (7300)

 الدرس الأوّل (7293)

 آل عمران من 189 إلى 195 + الكوثر (7293)

 درس رقم 1 (7227)



. :  الأكثر تحميلا  : .
 مقام البيات ( تلاوة ) ـ الشيخ عبدالباسط عبدالصمد (6592)

 مقام صبا ( تواشيح ) ـ ربي خلق طه من نور ـ طه الفشندي (4836)

 مقام النهاوند ( تلاوة ) محمد عمران ـ الاحزاب (4079)

 مقام صبا ( تلاوة ) ـ حسان (3831)

 سورة البقرة والطارق والانشراح (3527)

 مقام البيات ( تواشيح ) ـ فرقة القدر (3356)

 الدرس الأول (3198)

 تطبيق على سورة الواقعة (3056)

 الرحمن + الواقعة + الدهر الطور عراقي (3023)

 الدرس الأوّل (2968)



. :  ملفات متنوعة  : .
 39- سورة الزمر

 الصفحة 356

 سورة مريم 1 - 15

 سورة الروم

 الطور

 سورة آل عمران ـ الليثي

 الدرس العاشر التفسير ومناهج المفسرين

 الجزء 1 - الحزب 1 - القسم الأول

 سورة مريم

 علي حبه جنه ـ مقام البيات

الفيديو :

. :  الجديد  : .
 الأستاذ السيد نزار الهاشمي - سورة فاطر

 الأستاذ السيد محمدرضا المحمدي - سورة آل عمران

 محمد علي فروغي - سورة القمر و الرحمن و الكوثر

 محمد علي فروغي - سورة الفرقان

 محمد علي فروغي - سورة الأنعام

 أحمد الطائي _ سورة الفاتحة

 أستاذ منتظر الأسدي - سورة الإنسان

 أستاذ منتظر الأسدي - سورة البروج

 أستاذ حيدر الكعبي - سورة النازعات

 اعلان لدار السیدة رقیة (ع) للقرآن الکریم



. :  الأكثر مشاهدة  : .
 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الاول (8839)

 القارئ أحمد الدباغ - سورة الدخان 51 _ 59 + سورة النصر (8244)

 سورة الطارق - السيد محمد رضا المحمدي (7337)

 سورة الدهر ـ الاستاذ عامر الكاظمي (7009)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الثالث (6815)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الثاني (6680)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الحادي عشر (6606)

 سورة الانعام 159الى الأخيرـ الاستاذ ميثم التمار (6581)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الخامس (6578)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الرابع (6354)



. :  الأكثر تحميلا  : .
 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الاول (3045)

 القارئ أحمد الدباغ - سورة الدخان 51 _ 59 + سورة النصر (2745)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الثاني (2560)

 سورة الطارق - السيد محمد رضا المحمدي (2369)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس السابع (2287)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الرابع (2282)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الثالث (2240)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الحادي عشر (2239)

 سورة الدهر ـ الاستاذ عامر الكاظمي (2230)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الخامس (2226)



. :  ملفات متنوعة  : .
 القارئ أحمد الدباغ - سورة الدخان 51 _ 59 + سورة النصر

 أستاذ حيدر الكعبي - سورة النازعات

 اعلان لدار السیدة رقیة (ع) للقرآن الکریم

 لقاء مع الشيخ أبي إحسان البصري

 تواشيح الاستاذ أبي حيدر الدهدشتي_ مدينة القاسم(ع)

 محمد علي فروغي - سورة الأنعام

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الثالث

 الأستاذ السيد محمدرضا المحمدي - سورة آل عمران

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس العاشر

 أستاذ منتظر الأسدي - سورة الإنسان

















 

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net