00989338131045
 
 
 
 

  • الصفحة الرئيسية لقسم النصوص

التعريف بالدار :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • من نحن (2)
  • الهيكلة العامة (1)
  • المنجزات (15)
  • المراسلات (0)
  • ما قيل عن الدار (1)

المشرف العام :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • سيرته الذاتية (1)
  • كلماته التوجيهية (14)
  • مؤلفاته (4)
  • مقالاته (71)
  • إنجازاته (5)
  • لقاءاته وزياراته (14)

دروس الدار التخصصية :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • التجويد (6)
  • الحفظ (14)
  • الصوت والنغم (11)
  • القراءات السبع (5)
  • المفاهيم القرآنية (6)
  • بيانات قرآنية (10)

مؤلفات الدار ونتاجاتها :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • المناهج الدراسية (7)
  • لوائح التحكيم (1)
  • الكتب التخصصية (8)
  • الخطط والبرامج التعليمية (6)
  • التطبيقات البرمجية (11)
  • الأقراص التعليمية (14)
  • الترجمة (10)
  • مقالات المنتسبين والأعضاء (32)
  • مجلة حديث الدار (51)
  • كرّاس بناء الطفل (10)

مع الطالب :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • مقالات الأشبال (36)
  • لقاءات مع حفاظ الدار (0)
  • المتميزون والفائزون (14)
  • المسابقات القرآنية (22)
  • النشرات الأسبوعية (48)
  • الرحلات الترفيهية (12)

إعلام الدار :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • الضيوف والزيارات (160)
  • الاحتفالات والأمسيات (75)
  • الورش والدورات والندوات (62)
  • أخبار الدار (33)

المقالات القرآنية التخصصية :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • علوم القرآن الكريم (152)
  • العقائد في القرآن (62)
  • الأخلاق في القرآن (163)
  • الفقه وآيات الأحكام (11)
  • القرآن والمجتمع (69)
  • مناهج وأساليب القصص القرآني (25)
  • قصص الأنبياء (ع) (81)

دروس قرآنية تخصصية :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • التجويد (17)
  • الحفظ (5)
  • القراءات السبع (3)
  • الوقف والإبتداء (13)
  • المقامات (5)
  • علوم القرآن (1)
  • التفسير (16)

تفسير القرآن الكريم :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • علم التفسير (87)
  • تفسير السور والآيات (175)
  • تفسير الجزء الثلاثين (37)
  • أعلام المفسرين (16)

السيرة والمناسبات الخاصة :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • النبي (ص) وأهل البيت (ع) (104)
  • نساء أهل البيت (ع) (35)
  • سلسلة مصوّرة لحياة الرسول (ص) وأهل بيته (ع) (14)
  • عاشوراء والأربعين (45)
  • شهر رمضان وعيد الفطر (19)
  • الحج وعيد الأضحى (7)

اللقاءات والأخبار :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • لقاء وكالات الأنباء مع الشخصيات والمؤسسات (40)
  • لقاء مع حملة القرآن الكريم (41)
  • الأخبار القرآنية (98)

الثقافة :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • الفكر (2)
  • الدعاء (16)
  • العرفان (5)
  • الأخلاق والإرشاد (18)
  • الاجتماع وعلم النفس (12)
  • شرح وصايا الإمام الباقر (ع) (19)

البرامج والتطبيقات :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • البرامج القرآنية (3)

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية لهذا القسم
  • أرشيف مواضيع هذا القسم
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة









 
 
  • القسم الرئيسي : السيرة والمناسبات الخاصة .

        • القسم الفرعي : نساء أهل البيت (ع) .

              • الموضوع : الحياة السياسية والاجتماعية للزهراء (عليها السلام) .

الحياة السياسية والاجتماعية للزهراء (عليها السلام)

 محمد اسماعيل

لعلّه من البديهي أن نقول إن الحديث عن‌ فاطمة‌ الزهراء(ع) هو‌ حديث عن المـثل الأعلى والقـدوة التي يجب أن تحتذيها كل امرأة تطمح في الوصول‌ الى أعلى مراتب الكمال الإنساني.

وليس قولنا هذا ادّعـاءً فارغاً أو مبالغاً‌ فيه، وإنما هو حقيقة‌ فرضت‌ نفسها عبر التاريخ ولا تزال، وستبقى هـذه الحقيقة تفرض نفسها مـا أذن اللّه للكـون بالبقاء وللحياة بالاستمرار.

لم تصل الزهراء(ع) الى ما وصلت إليه بسبب كونها ابنة خاتم الأنبياء‌ محمد(ص)- وإن كان الانتساب إليه مدعاة للفخر والاعتزاز ومكانة لا يحظى بها أي كان-إنما وصلت الى ما وصلت إليه من المكانة بجدارتها واستحقاقها.

والحـديث عن فاطمة الزهراء (ع) يختصر‌ مظلومية‌ أهل البيت(ع) وما أصابهم وأصاب ذريتهم وشيعتهم على مدى مئات السنين، كما يختصر مرحلة من أخطر المراحل التي عاشها المجتمع الاسلامي، وتجربة من أقسى التجارب، وما رافق ذلك مـن‌ أحـداث‌ وتقلبات كادت أن تسحق وتمحق كل الإنجازات التي حققها المسلمون بقيادة النبي محمد(ص).

ومن هنا يكتسب هذا الحديث أهمية خاصة نظراً للدور الريادي الذي لعبته فاطمة‌ الزهراء(ع) في‌ تلك المرحلة التي «يهرم فيها الكبير ويشيب فـيها الصـغير ويكدح فيها مؤمن حتي يلقي ربّه. [نهج‌ البلاغة-شرح‌ محمد عبده-ج 1 ص 30]

وقد لا نستطيع في عدة صفحات أن نلامس كثيراً من تفاصيل حياة‌ فاطمة‌ الزهراء(ع) منذ‌ نشأتها وحتى التحاقها بالرفيق‌ الأعلى، ولكننا‌ سوف نحاول أن نلقي بعض الأضواء عـلى أهـم المفاصل في تاريخها ولا سيما ومضات من مواقفها وجهادها علّنا‌ نكون‌ قد‌ قدّمنا عملاً متواضعاً نتقرب من خلاله الى بضعة‌ نبينا‌ عساها تكون شفيعتنا عند رب العالمين يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ مـن أتـى اللّه بـقلب سليم. [سـورة الشعراء-آية:88-89]*

ظروف الولادة والنشأة:

كـانت شـبه الجزيرة العربية غارقة في ظلمات الجهل والتخلف وتسودها شريعة أين منها شريعة الغاب حين‌ شاءت‌ الرحمة‌ الإلهية أن تستنقذ هذه المنطقة مـن جـهلها وظـلامها وأن‌ تؤهلها‌ لتحمل أسمى الرسالات الإلهية الى البشرية جـمعاء، وقـد يمت لذلك بالجمع بين اثنين قلّما تسمح الظروف باجتماعهما، حيث‌ تزوّج‌ محمد بن عبد اللّه الصادق الأمين [مروج الذهـب-المسعودي-ج 2 ص 278] بخديجة بنت خويلد الامرأة الحازمة العـاقلة الشريفة [الكـامل فـي التاريخ-ابن الأثير-ج 2 ص 25.أيضاً:الطبقات‌ الكبرى-ابن سعد-ج 1 ص 131.].

وكـان‌ ثـمرة هذا الزواج أن أنجبت خديجة (رض) عدة بنات‌ [مروج‌ الذهب-المسعودي-ج 2 ص 298] كان من بينهم فاطمة(ع) التي احتلت موقعاً بـارزاً ولعبت‌ دوراً‌ مهماً في حركة المجتمع الإسلامي كما سيأتي.

تشير أقوى الروايات أن فاطمة(ع) ولدت بعد البعثة‌ بخمس‌ سنوات وبعد الاسراء [بحار الأنوار-المجلسي-ج 43 ص 6] ولا تـقاومها الروايـات المـختلفة الأخرى التي تفاوتت فيها تاريخ‌ الولادة‌ من‌ قبل البعثة [ن.م-ج‌ 43‌ ص 8-9] الى قائل بعدها [الأصول من الكافي-ج 1 ص 458] وذلك مـما يـدعو للعجب حسب رأي البعض [فاطمة مـن المـهد الى اللحد-القزويني-ص‌ 60]‌.

لن نغرق‌ في‌ تفاصيل الولادة وما رافقها من أحداث وظهور مكرمات، وإنما سنكتفي بعرض‌ بعض‌ المـميزات‌ التـي لم تـجتمع بمولودة من قبل. فقد كان أبوها النبي محمد(ص) الذي يمثل الذروة في الكمال البشري‌ والانـساني وهـو خـاتم الأنبياء والرسل [يا علي أنت مني بمنزلة‌ هارون من موسي إلاّ‌ أنه‌ لا نـبي بعدي]‌. أما أمها خديجة(رض) فهي خير نساء العالمين‌ [بـحار الأنـوار‌ ج 43 ص 36-صحيح مسلم-ج 5 ص 290]، ومن‌ القائل‌ اللواتي وصلنا الى مرحلة الكمال [الكشاف-الزمخشري في تفسير قوله تعالى: ومريم‌ ابنة عمران التي احصنت فرجها] ولا يـخفى مـا لمـيزات الوالدين وصفاتهما من تأثير وانعكاس‌ علي‌ شخصية أولادهم وذلك من خلال قانون الوراثة الذي يؤكد انـتقال الكـثير‌ من‌ صفات الوالدين الخلقية والخلقية الى ذريتهم من بعدهم، ولا شك بأن ذلك ينطبق على فـاطمة(ع) شأنها‌ فـي‌ ذلك شـأن باقي البشر، أضف الى ذلك أن النطفة التي تكونت منها فاطمة(ع) لم‌ تكن‌ نطفة عادية فهي ناتجة عن غـذاء قـد‌ تكون‌ من‌ طعام الجنة بغضّ النظر إن كان هذا‌ الطعام‌ قد تناوله النبي محمد(ص) عند‌ ما‌ أسري بـه الى السـماء [بـحار الأنـوار ج 43 ص 6] أو‌ كان هذا الطعام هو‌ الذي‌ أتي به جبريل(ع) بعد أن اعتزل خديجة(ع) مدة من الوقـت [قـادتنا-محمد هـادي الحسيني الميلاني-ج 4 ص 248]‌ على اخـتلاف الروايات. وبذلك كانت هذه المولودة‌ حوراء‌ انسية [بحار الأنوار ج 43 ص 4] يقبّلها رسول اللّه(ص) كلما اشتاق الى رائحة‌ الجنة [ذخائر‌ العقبي-محب الدين‌ الطبري ص 36].

إذا كانت‌ هذه‌ المميزات‌ موجودة عـلى الفـطرة فما‌ بالها إذا توفرت لها البيئة المناسبة التي تغني الصفات الوراثية الكمالية بـصفات اكـتسابية ترتفع بصابها‌ الى درجات الكمال الإنساني.

نشأت فـاطمة الزهـراء(ع) في‌ بـيت‌ النبوة‌ يظللها‌ جناح‌ الإيمان وتشم‌ رائحة‌ الوحـي، وأخـذت تنمو وتكبر، وبدأت تفتح عينيها على الحياة لترى ما كان يتعرض له أبوها‌ فـي‌ ذلك‌ الوقت من أذي قريش واستهزائهم [تاريخ اليعقوبي-اليعقوبي ج 2 ص 24]‌، لتجد نـفسها‌ فـي‌ ساحة‌ الصـراع‌ وهـي‌ لا تـزال صغيرة تدافع عن ابيها وتعيش مـعه آلامـه ومشاعره.

واشتدت حدّة الصراع بين الرسول محمد(ص) ومن تبعه مع قريش وانتقلت المـواجهة مـعها‌ من مرحلة الاستهزاء والسخرية الى مرحلة الاضـطهاد التي توّجت بالحصار ضـد بـني هاشم في شعب أبي طـالب [الطبقات الكبرى-ابن سعد ج 1 ص 209]‌، فعاشت فـاطمة(ع) تلك الأيام الصعبة مع بقية بني هاشم ‌تعاني من الجوع والسجن‌ مع‌ الأطفال الذيـن كـانت تسمع أصواتهم خارج الشعب [الطبقات الكبرى-ابن سعد ج 1 ص 209]‌.

ومرّت مـحنة الشـّعب بـعد أن اكلت الارضة نـص الوثـيقة التي وقعها القرشيون وبـقي اسـم اللّه كما في القصة المعروفة [تاريخ اليعقوبي-اليعقوبي ج 2 ص 31] ليخرج بنو‌ هاشم‌ من الشّعب ومعهم فاطمة(ع) أقوياء وأشد صلابة من ذي قـبل. وتـوفيت خديجة [ن.م-ج 2 ص 35] (رض) ولم يلبث أن توفي أبو طالب عـم النـبي (ص) والمحامي‌ الأول‌ عـن الرسـول(ص) والحـصن الذي كان‌ يدفع‌ عنه أذي القـرشيين فتجرأوا عليه، وازدادت حملاتهم على النبي [تاريخ‌ اليعقوبي-اليعقوبي ج 2 ص 36]‌ (ص) مما كان يزيد في إيذائه وتفاقم مشاكله. كل ذلك وفاطمة(ع) شاهدة على ما يـحصل تـتحمل ما‌ يتحمله‌ أبوها وتتجرّع غصص‌ الألم، وتـحرم بـضعة النـبي(ص) من حـنان أمها في عـز صـباها، وكأنه لم يكن يكفيها ما كانت تعانيه من هموم ومشاكل نتيجة لإيذاء قريش لأبيها(ص) فإذا بها تتجرّع مـرارة فـقدان الأم بـاكراً‌ في‌ وقت أحوج ما يكون فيه المـرء الى حـنان الأم وعطفها.

بقيت فاطمة(ع) المواسية الوحيدة للرسول(ص) تعطف عليه وتخفف من أحزانه مـع حاجتها هي للرعاية‌ و‌‌العطف، ومع ذلك وقفت بثبات لتتحمل المسؤولية وتشد من عضد أبيها(ص). فها هي تخرج‌ لتمسح‌ عن‌ ظهر أبيها سلا جزور رماه عليه أحد المشركين في مكة ثم تستدير لتـشتم المـشركين وهم يضحكون من سبابها [بحار الأنـوار-المجلسي ج 18 ص 188] الى غير ذلك من الهموم والمشاكل التي كانت تسبب‌ الحزن للرسول(ص) وما من‌ مواس‌ غيرها، كل ذلك وهي بعد صغيرة.

ملامح عامة في تربيتها:

في تلك الفترة الحرجة التي كان يـمر بـها رسول اللّه(ص) حيث كان مستنفراً لمواجهة جبهة قريش لم يكن لينسى بيته، ولم تكن‌ تلك المواجهة لتلهيه عن تأسيس ذلك البيت على أسس وقواعد صحيحة. وكيف يـهمل شـؤون بيته وقد كان مرسلاً للنـاس كـافة، فالعقل يفرض البدء من البيت لكي يعطي النموذج الصالح‌ الذي‌ يراد تعميمه على بقية بيوت المجتمع.

ومن الطبيعي أن تنال فاطمة(ع) القسط الوافر من التربية والتعليم خاصة وأنـها البـنت الصغرى [مـناقب آل أبي طالب ابن‌ شهر‌ اشوب‌ ج 3 ص 323 وأيضاً بحار الأنوار ج 43 ص 8] في البيت وما يـتبع ذلك عـادة من اهتمام‌ خاص‌ بالصغار وتخصيصهم بالدلال بعد أن يكون الكبار قد قطعوا مرحلة لا بأس بها ونالوا قسطاً وافراً من التربية، أضف الى ذلك طبيعة الصغير وشدة تأثره وانفعاله‌ بما‌ حوله.

ولعل خير ما يختصر شـرح واقـع تربيتها في ذلك الحين قول السيد عبد الحسين شرف الدين(قدس): «وكان يحرص بكل ما لديه على تأديبها وتهذيبها وتعليمها‌ وتكريمها‌ حتى بلغ في ذلك كل‌ غاية، يزقها‌ المعرفة‌ باللّه والعلم بشرائعه زقاً لا يـألوا بـذلك جهداً ولا يـدّخر وسعاً حتى عرج الى أوج كل فضل ومستوى كل‌ كرامة» [النص والاجتهاد-السيد‌ عبد الحسين شرف الدين. ص 65].

ومن الطبيعي أن تظهر نتائج هذه التربية‌ وتعطي ثمارها في المـستقبل خاصة عند ما يصبح الانسان معرّضاً للابتلاءات والاختبارات خارج بيئة المـنزل الذي تـربى فـيه، وذلك‌ لا‌ يحدث غالباً إلاّ بعد أن يصبح الإنسان بمرحلة من المراحل‌ مؤهلاً لتحمل مسؤولية أعماله وإن كانت تظهر عليه آثـار ‌التـربية منذ الصغر ولكن في نطاق محدود.

وقد‌ ظهرت آثار هذه التربية على فاطمة(ع) عندمـا دخـلت مـعترك الحياة فصبغت‌ كل‌ تصرفاتها ومواقفها بهذه التربية وسوف يمر معنا ذلك من خلال الحديث عن زواجـها ودورها‌ في‌ حركة المجتمع.

وقد يكون حديث أم سلمة(رض) عن تربية فاطمة(ع) خير مصداق وأكبر‌ دليل‌ عـلى الغاية التي بذلت في سبيل تربيتها وتنشئتها من قبل رسول‌ اللّه(ص) وما‌ أثمر عنه ذلك الاهتمام وتلك العناية حيث تقول(رض): «تزوجني رسـول اللّه(ص) وفوّض أمر ابنته‌ فاطمة‌ الي فكنت أؤدّبها وكانت واللّه أأدب مني وأعرف بالأشياء كلها» [تـراجم‌ النساء-الشيخ‌ محمد حسين الأعلمي الحائري-ج 2 ص 303].

زواجها‌ من‌ علي(ع) دلالات وأبعاد:

ويأتي الأمر الى الرسول(ص) بالهجرة الى المدينة فيهاجر بعد أن يبيت مكانه‌ علي (ع) [تاريخ اليعقوبي-اليعقوبي‌ ج 2 ص 39] وسط‌ الخطر، ثم يأتي دور فاطمة(ع) فتهاجر لتتابع دورها في الجـهاد الى جـانب أبيها(ص) وتستمر‌ بذلك‌ مسيرة‌ العطاء والتضحية التي بدأتها منذ نعومة أظافرها فتهاجر برفقة علي(ع) الى المدينة [بحار الأنوار-المجلسي‌ ج 43 ص 10] لتبتدئ بعد ذلك مرحلة‌ جديدة‌ من‌ مراحل الجهاد والكفاح.

صفحة جديدة من صفحات الدعوة الاسلامية افتتحت في‌ المـدينة، حيث‌ أخـذت هذه الدعوة طابع الدفاع والهجوم بعد أن كان أصحابها مأمورين بالصبر وعدم الرد [قـول النبي(ص) لآل ياسر: «صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة»-الكامل في التاريخ-ابن الأثير‌ ج 2 ص 45]. وبدأت‌ حركة التنظيم والإعداد فكانت السرايا والغزوات أول الغيث [تاريخ اليعقوبي-اليعقوبي ج 2 ص 44].

وفي ذلك‌ الوقت‌ كانت فاطمة(ع) قد نضجت وأصبحت مؤهلة للزواج، فتدافع‌ سادات‌ المـهاجرين‌ والأنـصار لخطبتها وفيهم أبو بكر‌ وعمر وعبد الرحمن بن عوف [بحار‌ الأنوار- المجلسي ج 43‌ ص 125]‌، كل ذلك والرسول(ص) يقول أمرها الى ربها، حتى‌ أصبحت‌ فاطمة(ع) الشغل الشاغل في ذلك الوقت‌ لكثير‌ من الناس.‌ وكيف‌ لا تكون كذلك وهي بضعة‌ رسول‌ اللّه(ص) وأحـبهم الى قـلبه [بحار الأنوار-المجلسي ج 43 ص 23]‌ وابـنة سيدة النساء وهي الحوراء الإنـسية، وهـي‌ التـي‌ إذا قامت في محرابها زهر نورها‌ لأهل السماء كما يزهر‌ نور‌ الكواكب لأهل الأرض [ن.م ج 43 ص 12] ‌وهي‌ الصديقة [الغـدير-الأميني-ج 2 ص 312.بـحار‌ الأنـوار، المجلسي، ج 43، ص 10] الصادقة [بحار الأنوار-المجلسي ج 43‌ ص 53]، و‌كانت الى جانب ذلك كله على قدر كـبير مـن الجـمال «كأنها القمر ليلة البدر‌ أو‌ الشمس كفرت غماماً أو خرجت‌ مـن‌ السـحاب» [ن.م-ج‌ 43‌ ص 4]، الى غير ذلك من‌ الصفات‌ الكثيرة، والتي يكفي أن‌ تكون‌ واحدة منها موجودة في أي أنثى حتى تكون محطّ نظر كل الرجـال [بـحار الأنـوار-المجلسي ج 43 ص 93]، فـكيف الحال وقد وجدت كلها في فاطمة(ع)، إضافة الى كونها ابنة خـاتم الأنـبياء(ص). وعلى هذا، شابّة في مقتبل العمر بهذه الصفات الكمالية التي لم تجتمع بأنثى من قبل لا‌ يليق بمقامها أي رجـل ولا يـستحقها أي كـان. ولكن من الذي يحدد مواصفات رجل المستقبل الذي يكون كفواً لهذه الإنسانة من دون أن يـخطئ . لا شـك ولا ريـب أن‌ الذي‌ خلقها وصوّرها هو الوحيد القادر على الاختيار ونعم المختار.

بعد أن تقدم رجالات المـهاجرين والأنـصار لخـطبة فاطمة(ع) وكان من أمر منعهم ما كان، بدأت هذه القضية تأخذ‌ أكبر‌ من حجمها الطـبيعي فـي مثل تلك الأمور وأصبحت أعين الناس شاخصة، وأفئدتهم متلهفة لمعرفة ذلك الفارس ذي الحظ الكـبير الذي سـوف يحظى‌ بهذه‌ الجوهرة النادرة، وخصوصاً أن النبي(ص) كان‌ ينتظر‌ أمر السماء بذلك، مما يعني أن الأمر قد خرج مـن دائرة البـشر الى الخالق وحده وهذا ما أكسب القضية أهمية غير عادية. لماذا اللّه جلّ‌ جلاله‌ هو الذي سـوف يـختار؟ و‌مـن‌ هو الذي سوف يختاره اللّه؟ لا بد أن يكون انساناً غير عادي متفوق على جميع أقرانه من الرجـال، ولمـاذا هذا الاهتمام الإلهي بفاطمة بالذات؟ ما هي خصوصيتها؟ وما الحكمة من وراء ذلك؟ أسئلة‌ كـثيرة‌ طـرحت نـفسها وأخذت تراود عقول الناس، وبدأت التحليلات والاستنتاجات وبدأ الناس يتحركون بشكل يريدون من خلالها تـعجيل القـضية ومـعرفة الشخص الذي سوف يختاره اللّه، فهذا عمر وأبو‌ بكر يأتيان‌ الى علي(ع) بعد أن ردّهما النبي(ص) وردّ سـادات المـهاجرين والأنصار يحرّضونه على إتيان رسول اللّه(ص) وطلب يد‌ فاطمة (ع)، ويتحرك علي(ع) الى بيت الرسول(ص) ويمنعه الحياء مـن الكـلام فيلاحظ النبي(ص) ذلك‌ ويسأله‌ حاجته، فيذكر فاطمة(ع). ويبتسم الرسول(ص) في وجهه ويستنظره أن يسأل ابنته عـن ذلك فـيدخل ويقول لها إن ‌‌ابن‌ عمك قد ذكرك وقـد سـألت ربـي أن يزوجك خير خلقه وأحبهم‌ الى قلبه. وهـنا يـغلب الحياء فاطمة(ع) وتظل صامتة من دون أن تولي وجهها ومن دون أن تعطي‌ الجواب وذلك من آثار تـربيتها وكـأنها لا تريد أن تتخطى إرادة‌ ابيها فهي تـعلم أن‌ أباها‌ لا يـرد لهـا طـلباً فهي مع موافقتها الضمنية على ذلك تـترك القـرار لأبيها وتشعره بأنه صاحب القرار أولاً وأخيراً، فهو أدرى بمصلحتها فإن كان هناك مصلحة أو رضـى له فـلن‌ يتأخر بالموافقة وإن لم يكن هناك مصلحة أو لم يـكن هناك رضى يستدعيان عـدم المـوافقة على ذلك فلا تكون قد أعـطت رأيـها الأمر الذي قد يؤدي الى تعطيل رأي أبيها. على‌ كل‌ حال فقد قام النبي(ص) من عندها وهو يـقول: «اللّه أكـبر سكوتها إقرارها».

ويعطي النبي(ص) الجواب لعلي(ع) بالموافقة ويـصرح بـذلك أمـام الناس‌ ويكون مـنطوق كـلامه بأنني قد زوجت عـلياً(ع) من فـاطمة(ع)، أما مفهومه فهو‌ أن‌ اللّه تعالى شأنه، قد اختار علياً(ع) من بين الرجال وخصّه بهذه المنقبة العـظيمة. وهـذا ما لم يرق لكثير من الذين قـصرت عـقولهم حينئذ عـن فهم المغزى والحكمة مـن هذا الزواج- إذا حملناهم على المحمل الحسن- أو من الذين كانوا يعرفون الى ماذا يرمي رسول اللّه(ص) من وراء هـذا الزواج فـجاؤوا‌ للنبي(ص) معاتبين‌ قائلين: «خطبناها‌ إليك فمنعتنا وزوّجتها عـلياً» فقال‌ لهـم: «و‌اللّه‌ مـا أنـا منعتكم وزوّجته بـل اللّه مـنعكم وزوّجه» [بحار الأنوار-المجلسي ج 43 ص 93].

إذا بعد أن سار الأمر بشكل لفت انتباه كل الناس ووصلت‌ القضية‌ الى مرحلة التعقيد وانشدّ كل الناس لمـعرفة‌ النـتيجة‌ يـأتي القرار الإلهي باختيار علي(ع) زوجاً لفاطمة(ع) فانشدّت اليه الأنـظار وظـهر بـذلك مـا لعـلي(ع) من الخـصوصية والامتياز على جميع أقرانه، و‌بذلك‌ يكون‌ النبي(ص) قد أظهر مكانة علي(ع) عند اللّه عزّ وجلّ وموقعه‌ بين الناس فلولاه لم يكن لفاطمة(ع) كفواً على وجه الأرض [م.ن- أيضاً الكافي، الكليني ج 1 ص 461] موطّئاً وممهداً له الطريق للمستقبل في مرحلة مـا بعد‌ النبوّة‌ مسلّماً‌ إياه أقوى الحجج إن جاز التعبير- لأن خلفاته كان منصوصاً عليها [وحديث غدير خم أشهر من‌ أن‌ يـعرّف- راجع‌ في ذلك كـتاب الغدير للأميني]- جاعلاً ذريته‌ من‌ صلبه [ينابيع المودة، القندوزي‌ الحنفي، ج‌ 2 ص 91].

وقد أسفرت موافقة النبي(ص) على هذا الزواج عن إرساء قواعد في كيفية اختيار الزوج بالنسبة‌ للمرأة، فالمعيار‌ لم‌ يكن أبـداً مـادياً. ومما سيأتي، سوف يتبين لنا أن علياً(ع) كان شبه معدم إن‌ لم‌ نقل‌ معدماً من الناحية المادية، ولكن الصفات والخصال التي كان يتمتع بها هي التي‌ رجحت‌ كفّته‌ على غيره وكانت المـعيار الأول والأخـير، زد على ذلك مهر فاطمة(ع)، فبالرغم من أنها‌ كانت‌ محط أنظار المسلمين غنيهم وفقيرهم فقد كان مهرها عادياً إن لم نقل‌ إنه‌ أقل‌ من العادي [بحار الأنوار-المجلسي-ج 43 ص 119]‌ بكثير بالنسبة لفتاة مـثلها، عدا عـن ذلك فقد صرف هذا المهر عـلى أثـاث المنزل‌ مساعدة‌ من‌ الزهراء(ع) لزوجها ومشاركة له في تحمل تكاليف الحياة من أول الطريق.

وقد‌ كان‌ بمقدور‌ رسول اللّه(ص) أو بمقدور فاطمة(ع) أن تطلب مهراً مرتفعاً في الحياة الدنيا، وكان الكـثير مـن المهاجرين‌ والأنصار مستعداً لأن يـدفع المـهر الذي يطلب منه، وقد تقدم أحدهم عارضا‌ً ذلك‌ بأسلوب‌ خسيس وكأن المسألة مادية لكن الرسول(ص) ردّه غاضباً ومستاءً من هذا الأسلوب الرخيص في‌ طرح‌ القضية.

جهادها في الإطار الأسرى:

أخذت فاطمة(ع) موقعها في بيتها الزوجـي، فلم تـكن تأنف من‌ العمل‌ فيه ككثير من نساء عصرنا الحاضر، «فقد استقت بالقربة حتى أثر ذلك في صدرها وطحنت بالرحى حتى‌ مجلت يداها.

وكسحت البيت حتى‌ اغبرّت‌ ثيابها وأوقدت‌ النار‌ تحت القـدر حتى دكنت ثيابها فأصابها‌ من‌ ذلك ضرر شديد» [بحار الأنوار-المجلسي ج 43 ص 82].

كل ذلك وفاطمة لا تشتكي، فقد كانت تـحرص عـلى‌ عـدم‌ تكليف زوجها بما لا يطيق، مفضّلة تعبها‌ وآلامها على تكدير‌ صفوه‌ بالهموم والمتاعب. فقد كان علي(ع) فقيراً‌ يبيت‌ في كثير مـن ‌الليالي على الطوى، وكانت فاطمة(ع) تشاركه في ذلك حتى نزلت فيهم‌ سورة هل أتى [الاحتجاج-الطبرسي ص 119]

ومن هنا تظهر‌ عـظمة‌ فـاطمة(ع) التي‌ اخـتارت علياً(ع) من بين‌ سادات‌ المهاجرين والأنصار وفضّلت‌ الفقر على الغنى إذ لم تكن تنظر الى الدنيا كما كان يـنظر إليها بنات‌ جنسها، فلم‌ يكن ليغرّها زخرفها ومتاعها، وكيف‌ ذلك‌ وهي‌ ابنة‌ خاتم‌ الأنـبياء وسيدة نساء‌ العالمين مـن الأوليـن والآخرين‌ [بحار الأنوار، المجلسي، ج 43 ص 24].

وقد عيرتها نساء قريش بذلك فبكت بكاءً شديداً وأخبرت‌ والدها بمقالتهن بأنّه وزوّجها من‌ رجل‌ لا‌ مال‌ له[أمالي الصدوق-القمي ص 356]، و‌مما لا شك‌ فيه‌ أن بكاء فاطمة(ع) لم يكن ناتجاً عن احساس بالغين أو الندم على هذا الزواج، كيف ذلك وهي‌ المرأة‌ الكاملة [الكشاف-الزمخشري في تفسير قوله تعالى: ومريم ابـنة عـمران التـي أحصنت فرجها] التي‌ تعرف كيف تدبِّر الأمور وتدرس عواقبها، و‌أكبر‌ الظن‌ أن‌ سبب‌ بكائها‌ في ذلك الحين هو حساسيتها المرهفة ومشاعرها الرقيقة التي لم تتحمل تهكم النساء وثرثرتهن، فأثّر ذلك عليها وهي لّما تزل فـي أول تـجربتها ذات عاطفة‌ جياشة وعزّ أبي. مما يدل على ما ذهبنا إليه من أن سبب بكائها لم يكن ناتجاً عن إحساس بالغبن أو الندم أنها كانت قد بكت ليلة عرسها فسألها النبي(ص) عن‌ ذلك‌ فقالت له: «تعلم أنـي لا أحب الدنيا ولكن نظرت الى فقري في هذه الليلة فخشيت أن يقول لي علي بأي شي‌ء جئت» [الغدير-الأميني ج 2 ص 318].

وكما انعكس فقرها على سكنها وأثاث‌ بيتها، والذي إن سمي بالأثاث فإنما يسمى من باب المجاز [لما وضع أثاث بيت فاطمة بـين يـدي رسول اللّه(ص)بكى وجرت دموعه ثم‌ رفع‌ رأسه الى السماء وقال: اللهم بارك لقوم جلّ آنيتهم الخزف-بحار الأنوار ج 43 ص 130]، انعكس ذلك على لبـاسها مـما دفع سلمان الفارسي(رض) الى البكاء وهو يقول: «وا حزناه، إن‌ بنات‌ قيصر وكسرى لفي السندس‌ والحرير وابنة محمد(ص) عليها شملة صوف خلقة قد خيطت في اثني عشر مكاناً» [بحار الأنوار-المجلسي ج 43‌ ص 88].

كل ذلك وفاطمة(ع) صابره محتسبة لا تشتكي الى زوجـها ذلك، فقد أوصـاها‌ أبوها(ص) أن‌ لا تسأل زوجها شيئا‌ً قـائلاً‌ لهـا: «لا تـسألي ابن عمك شيئاً إن جاءك بشي‌ء وإلاّ فلا تسأليه» [بـحار الأنـوار-المجلسي ج 43 ص 31]. وكانت على الوصـية لا تشتكي‌ إليه‌ جوعها‌ وتعبها في أعمال المنزل ولا رثّة ثيابها ولا ضـعة أثاث بيتها، كل ذلك رأفة بزوجها‌ و‌‌زهداً‌ بمتاع الدنيا الفانية.

وكما كانت فاطمة(ع) في بيت أبيها فتاة غير عادية، تحمّلت المسؤولية‌ باكراً‌ وخـاضت تـجارب مـريرة وتخطّت الكثير من الصعاب والمشاكل فكانت خير ابنة لخير أب‌ كـذلك كـانت في بيت زوجها، فكانت خير زوجة لخير زوج في ذلك الحين.

ويحدثنا عن ذلك‌ أمير‌ المؤمنين(ع) إذ يقول: «فواللّه ما أغـضبتها ولا أكـرهتها عـلى أمر حتى قبضها اللّه عزّ وجلّ ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً، ولقد كنت أنظر إليـها فـتنكشف عـني الهموم‌ والأحزان» [بـحار الأنـوار-المجلسي ج 43 ص 134].

هذا كان من ناحية دورها كزوجة، أما من ناحية دورها كأم وكيفية تأدية هـذا الدور فـقد كـان سهلاً بالنسبة اليها، حيث أن الأولاد في البيت ولو لم يتلقوا التربية‌ عبر‌ التوجيهات والملاحظات المستمرة والمتكررة فإن التـربية تـنتقل اليهم عبر تصرفات الوالدين في البيت. وإذا كانت النصوص التي تتحدث عن الطريقة التـي كـانت تـعتمدها الزهراء(ع) في تربية أولادها قليلة ونادرة-بحسب‌ اطّلاعي- فهناك بعض من افعالها كان بحد ذاته من أصـدق المـصاديق على كيفية تلقّي الطفل للتربية من والديه من خلال تصرفاتهم وأفعالهم. وغني عـن القـول أن جـميع تصرفات وأفعال‌ فاطمة(ع) كانت منبثقة عن شخصيتها الكاملة التي لا مجال للغو فيها والخطأ.

ومن أبرز هذه المـصاديق مـا يرويه الامام الحسن(ع) حيث يقول: «رأيت أمي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعتها‌ فـلم‌ تـزل‌ راكـعة ساجدة حتى اتّضح عمود‌ الصبح‌ وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنـفسها بـشي‌ء. فقلت لهـا يا أماه لم لا تدعين لنفسك‌ كما‌ تدعين لغيرك، فقالت يا بني الجار ثم الدار» [بحار الأنوار-المجلسي‌ ج 43‌ ص 82] ولئن كـنا‌ في هذا النص قادرين على استخراج الكثير من المثل العليا التي تتصف بها فاطمة الزهـراء(ع) من خـلال سلوكها العام‌ وإيثارها‌ للمؤمنين على نفسها حتى في الدعاء في ذلك الليل الذي لا مـجال فيه للرياء، فإن فاطمة(ع)كانت بعملها هذا تـغرس فـي أطـفالها حب العبادة وخاصة قيام الليل، وحب‌ الغـير‌ ومـعرفة حقوقهم من غير أن تتوجه بذلك مباشرة الى أولادها‌ عبر‌ الخطاب والكلام، ومن المؤكد أن هـذا العـمل كانت تقوم به بشكل مـستمر مـما كان يـرسّخ‌ ويـعمّق‌ الكـثير من المثل والقيم لدى أطفالها في البيت.

هـذا عـدا عن‌ الكثير‌ من‌ الأفعال والتصرفات التي كانت تنطبع في مخيلة أطفالها الصـغار، مضافة الى التـوجيهات والخطابات، فتترجم‌ من‌ قبل‌ هؤلاء الأبناء عـلى الأرض نظراً لاعتبارهم أن الأب والأم هما المـثل الأعـلى الذي‌ يجب‌ أن يقتدى به ويحتذى.

وبذلك كانت فاطمة(ع) تقوم بدورها في بيت الزوجية خير قيام إن من نـاحية‌ زوجـها‌ أو من ناحية أولادها.

موقعها في حـياة النـبي محمد(ص):

مـن خلال ما مـرّ‌ مـعنا‌ من‌ الخصال كانت تـمتاز بـها بضعة رسول اللّه(ص)، والتي وصلت اليها واكتسبتها بمجاهدة نفسها ومحاربة‌ هواها، إضافة‌ الى التربية الصالحة التـي تـربتها على يد أبيها(ص)، فرضت نفسها كـشخصية اسـلامية‌ تستحق‌ كـل‌ احـترام وتـبجيل من كل من يـقدّر الناس ويعرف قيمتهم. وانطلاقاً من ذلك كان‌ رسول‌ اللّه(ص) يتعامل‌ مع فاطمة(ع)، فقد كان يبدي لها كل مـظاهر الاحـترام والتقدير ويثني‌ عليها‌ في العديد مـن المـناسبات، وكـان لا يـدع فـرصة إلاّ وينتهزها من أجـل إظـهار منزلتها ومقامها.

فكانت إذا دخلت عليه قام اليها وقبّلها وأجلسها في مجلسه [بحار الأنوار-المجلسي ج 43 ص 25]، و‌ليس‌ ذلك لأنها ابنته فقط، فكل الناس لديـهم الأبـناء‌ ولم‌ نر أحداً يفعل ذلك [وكما عن جماعة من المسلمين حيث قالوا: ولم‌ لم‌ يكن لها عند اللّه تعالى فـضل عـظيم‌ لم‌ يكن‌ رسول‌ اللّه(ص) يفعل‌ مـعها‌ ذلك إذ كانت ولده. مناقب آل أبي طالب-ج 3 ص 333] حتى أن الرسول(ص) لم يكن‌ يـفعل‌ ذلك مـع غـيرها مـن بـناته بـحسب اطلاعنا.

وقد كانت من أحب الناس‌ الى قلبه حيث تقول عائشة: «أحب الناس‌ الى رسول اللّه(ص) من‌ النساء‌ فاطمة‌ ومن الرجال علي» [مناقب آل أبي طالب-ابن شهر اشوب ج 3 ص 333]. ولعلّ هذا‌ الحب‌ وتلك العناية الفائقة التي كـان يبديها النبي(ص) تجاه فاطمة(ع) كانت سبباً في‌ غيرة‌ بعض نسائه حيث كنّ يؤاخذنه على‌ تقبيلها ويقولون له‌ إنك‌ تكثر من تقبيل فاطمة فيقول‌ كلما‌ اشتقت الى ريح الجنة شممت رائحة ابنتي‌[ن.م-ج 3 ص 335].

وكيف لا تـحتل فـاطمة(ع) موقعا مميزاً‌ في‌ قلب أبيها وهي سيدة‌ نساء‌ العالمين، وأعبد نساء هذه‌ الأمة [بحار الأنوار-المجلسي ج 43 ص 82] وأشبه الناس سمتاً وهديا‌ً به‌ [الجامع الصحيح-سنن الترمذي، ج 5 ص 700] وهي التي يغضب اللّه لغضبها ويرضى لرضاها [بحار الأنوار-المجلسي ج 43 ص 19]، وقد لا نجد نصاً بين‌ ما‌ تـمثل فـاطمة(ع) بالنسبة للنبي(ص) أقرب من قوله(ص): «إن فاطمة‌ بضعة‌ مني وهي‌ نور‌ عيني وثمرة فؤادي‌ يسوؤني ما ساءها ويسرني ما سرّها» [ن.م-ج 43 ص 24]. إذاً فاطمة هي نور عين الرسول(ص) ومـا أحـوج‌ الإنسان‌ الى نور العينين ومدى تـعلقه‌ بـه‌ وما‌ يمثله‌ بالنسبة إليه، فنعمة البصر‌ من‌ أجل النعم. التي أنعم اللّه عزّ وجلّ بها على الانسان، وكل نعمه جليلة، وهي‌ ثمرة فـؤاده ومـركز عواطفه يسوؤه ما ساءها ويسره ما سرّها وما ذلك إلاّ نتيجة للذوبان والاتحاد بها حتى كأن نفسه نفسها.

وتأتي الكثير من‌ الأحداث‌ والوقائع التي تزيد من تعلق النبي(ص) بها وتعلل بالت الى سبب حصولها عـلى هـذا الموقع المـتقدم لديه، فهذا أعمى يستأذن عليها فتحجبه فيقول لها‌ رسول‌ اللّه(ص) لما حجبته وهو لا‌ يراك؟ فتقول‌ إن لم يكن يراني فإني أراه وهو يـشم الريح فيقول رسول اللّه(ص) أشهد أنك بضعة مني. وها هو رسول اللّه(ص) يدخل عـليها وإذا فـي‌ عنقها‌ قلادة فيعرض عنها فتقطعها‌ وترمي بها كما تحدث بذلك أسماء بنت عميس حيث تقول: «كنت عند فـاطمة(ع) إذ ‌دخـل عليها رسول اللّه(ص) وفي عنقها قلادة من ذهب كان اشتراها لها علي(ع) من فـي‌ء فـقال لهـا رسول اللّه(ص): يا‌ فاطمة‌ لا يقول الناس إن فاطمة بنت محمد تلبس لباس الجبابرة. فقطعتها وباعتها واشترت بها رقـبة فأعتقتها فسرّ بذلك رسول اللّه(ص)» [بحار الأنوار-المجلسي ج 43 ص 81]، الى غير ذلك من الأمور التي كانت تقع فتعمّق العـلاقة‌ بين‌ النبي(ص) وابنته‌ فـاطمة(ع) لتتجاوز العـلاقة بينهما علاقة الأب بابنته الى علاقة روحية لا مثيل لها.

وما ذلك التصرف الذي‌ كان يقوم به رسول اللّه(ص) في كثير من المناسبات من إظهار الاحترام‌ والتكريم‌ لتدليل عن مدى حبه لها لمجرد أنها ابنته، وإنما كـان يهدف بذلك الى أن يعرّف المسلمين بمقامها‌ و‌‌مكانتها. ولم يكن(ص) يكتفي بهذه التصرفات وتلك الأقوال في حقها من دون إعطاء الدليل‌ على‌ استحقاقها‌ لذلك وعلوّ منزلتها وتبيين الوجه الذي لأجله استحقت هذه المرتبة فكان يسأل أصحابه‌ بعض الأسـئلة، وفـي بعض الأحيان لا يجد الجواب الشافي فيبعث الى فاطمة(ع) من يسألها‌ ويأتي بالجواب فيعقّب‌ الرسول(ص) على ذلك بالثناء. ومن ذلك عند ما سأل النبي(ص) أصحابه قائلاً: أي شي‌ء خير للمرأة ويأتي جواب فاطمة(ع): أن لا ترى رجلاً ولا يراها رجل فـيقول النـبي(ص) ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ﴾‌ [قادتنا-الميلاني ج4 ص 264]. ومن الأمثلة كذلك‌ عند ما جاءه أحد الأعراب يسأله شيئاً يسد به جوعه فيرسله الى بيت فاطمة في قصة طويلة يظهر في نهايتها إيثارها ومكانتها [فاطمة من‌ المهد‌ الى اللحد-القزويني ص 250(نقلاً عن البحار)].

جهادها السياسي بـعد وفـاة النبي(ص):

وتمضي الأيام‌ وفاطمة(ع) تعيش مع علي(ع) وفي ظلال عطف أبيها وحنانه ودلاله، إضافة الى الحصانة التي كانت تتمتع بها والتي تركزت من خلال المكانة التي وصلت إليها في المجتمع الإسلامي وقرابتها‌ بـالرسول(ص) حيث كـان احـترامها من احترامه وإيذاؤها إيذاء له [بحار الأنوار-المجلسي ج 43 ص 39]. فكان المـسلمون فـي ذلك الوقت حريصين علي التقرب من النبي(ص) وعدم الإتيان بأي عـمل مـن شـأنه أن ينفّر النبي(ص). ومما لا شك‌ فيه‌ أن‌ أي عمل أو أي تـصرف‌ يـوجّه‌ الى فاطمة(ع) يكون موجّهاً بالتأكيد الى النبي(ص). واستمرت هذه الحالة الى اليوم الذي انتقل فيه الرسول(ص) الى جوار ربّه، حيث فقدت فاطمة(ع) أعظم ركن‌ كـانت‌ تـستند‌ عـليه في هذه الدنيا لتبدأ فترة مريرة وصعبة‌ من حياتها تـعرّضت خلالها لأقسى التجارب وأعظم البلاء.

فما إن توفي النبي(ص) حتى رجفت المدينة بأهلها وكثر الهرج‌ والمرج‌ [بحار‌ الأنوار-المجلسي‌ ج 28 ص 178]، وجاء عمر ليعلن أن النبي(ص) لم يـمت مـخوّفاً النـاس بأنه سوف‌ يعود ليقطع أيدى وأرجل بعض الناس في محاولة مـنه لكـسب الوقت حتى مجي‌ء أبي بكر. أتى أبو بكر‌ فأعلن‌ وفاة‌ النبي(ص) فاجتمعت الأنصار الى سعد بن عبادة وجاءوا بـه الى سـقيفة‌ بـني‌ ساعدة، فلما سمع عمر بذلك أخبر أبا بكر فمضيا مسرعين الى السقيفة ومعهما أبـو عـبيدة بـن‌ الجراح‌ حيث‌ تنازعوا هناك مع الأنصار في أمر الخلافة وكثر الكلام حتى كادت‌ تـقع‌ الفـتنة‌ الى أن تـم الأمر أخيراً لأبي بكر بعد أن بايعه عمر وأبو عبيدة‌ وبشير‌ بن سعد [شرح نهج‌ البلاغة-ابن‌ أبي الحـديد ج 6 ص 18].

في هذا الوقـت كـان الإمام علي(ع) والهاشميون مشغولين بأمر النبي(ص) وقد أتاه‌ عمه‌ العباس يعرض عليه البـيعة فـرفض [بـحار الأنوار-المجلسي ج 28 ص 233] ‌وأتـى أبو سفيان مع بعض المسلمين وعرض‌ عليه‌ المبايعة-ابتغاء‌ الفتنة [لما‌ قدم أبو سـفيان المـدينة وعلم‌ بـما آلت اليـه الأمـور‌ من‌ استخلاف أبي بكر قال: «إني لأرى‌ عـجاجة‌ لا يطفيها إلاّ الدم» بحار الأنوار ج 28 ص 327] - قائلاً له: لأملأنها عليهم خيلاً ورجـلاً فـأبى وبالرغم من معرفته بما كان يجري‌ بقي‌ مستمراً في أداء تكليفه، ولّما فرغ الإمـام(ع) من تـجهيز رسـول اللّه(ص) والصلاة عليه جلس‌ مع‌ بني‌ هاشم في المسجد فأتى أبو بكر وعمر وغيرهم وطـلبوا المـبايعة لأبي بكر، فانصرف‌ علي(ع) وبنو هاشم الى منزل علي(ع)، فذهب إليهم عمر مع جـماعة مـن مـؤيدي‌ الشورى، وبعد‌ جدال وتهديد من عمر بالقتل بايع بنو هاشم -وقد كانوا قلة لا يعتدّ‌ بـهم [لما‌ قدم أبو سـفيان المـدينة وعلم‌ بـما آلت اليـه الأمـور‌ من‌ استخلاف أبي بكر قال: «إني لأرى‌ عـجاجة‌ لا يطفيها إلاّ الدم» بحار الأنوار ج 28 ص 327] أما‌ الامـام‌ عـلي(ع) فقد أعلن رفضه وأحقيته بهذا الأمر وكثر الكلام في هذا‌ المعنى‌ وارتفع الصـوت وخـشي عمر أن يصغي الناس الى قول علي(ع)ففسخ المجلس [الاحتجاج-الطبرسي ص 75]‌.

ولو رجعنا‌ الى الظروف التي تمت فيها البيعة والأجواء التي سادت عـقيبها لرأيـنا الساحة‌ غير‌ قابلة لتقبل أي نوع من أنواع المعارضة، والواقع‌ المستجد‌ لا يسمح لأحـد حـتى بإبداء رأيه فهذا‌ عمر‌ وأبو بكر يـسيران ويـأمران النـاس بالبيعة من رضي ومن لم‌ يرض [بحار الأنوار-المجلسي‌ ج 28 ص 209]‌ وهـذا عـمر يهدد بالقتل كل‌ من‌ يخالف النتيجة‌ التي خرج‌ بها اجتماع السقيفة [بحار الأنـوار-المجلسي ج ص 185-301] كما‌ هـدّد الهـاشميين وهدّد الإمام‌، حتى ليمكننا أن نشبّه الحـالة بـالأجواء التـي تسود المجتمعات فـي ظـل‌ الأحكام‌ العرفية التي تـعلن فـي أيامنا، حيث تصادر‌ كافة‌ الحريات‌ وتعطّل‌ كل الآراء وتخنق‌ كل معارضة. وخير ما يعبر عن الأوضـاع فـي تلك الفترة ما كتبه الشهيد الصـدر(قدس): «فعلى الإشـارة عتاب‌ وعـلى‌ القـول حـساب وعلى الفعل عقاب» [فدك في التاريخ-السيد محمد باقر الصدر ص 18].

في‌ تـلك‌ الظروف‌ كان‌ من‌ المتعذّر‌ علي الامام علي(ع) أن ينهض ليزيح الباطل ويكشف وجه الحق لقلة النـاصر والمـعين [بحار الأنوار-المجلسي ج 28 ص 229]‌ وانقياد الناس لمصالحها وشهواتها، فكان أي تحرك مـنه لتـعرية وفـضح تـلك البـيعة‌ سوف يعني، مع الإصـرار، قتله وقـتل مؤيديه مما يخلي الساحة أمام المنافقين والمنحرفين ليمحقوا الرسالة ويبيدوا معالم الدين، وليس ذلك استنتاجاً نستنتجه مـن طـبيعة تـلك الظروف- وإن كان في‌ محلّه- فقد‌ كان هناك مـحاولة للتـخلص مـنه بـعد أن شـعر الحـكام الجدد بالخطر، فرسمت الخطة وحيكت خيوط المؤامرة حيث تعطل التنفيذ في اللحظة الأخيرة [الاحتجاج-الطبرسي‌ ص 89-90]، مما يدلل على أن القوم كانوا مستعدين للتصفيات‌ الجسدية‌ ضد كل من يشكل تهديداً حقيقياً لمصالحهم ومـكتسباتهم مهما بلغ شأن ومكانة هذا المعارض.

إذن لا بد من القيام بدور من‌ شأنه‌ تعرية هذه الفئة التي اغتصبت‌ الخلافة‌ وتخطّت النصوص الصريحة الدالة على الخليفة الشرعي [ومن هذه النصوص: آية ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ...

وآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ...

وحديث المنزلة وقصة يوم غدير خم، وفي أنه خاصف النعل، الخ...]‌. والذي سوف يسند إليه هذا الدور لا بدّ أن يتمتع بـمميزات مـن شأنها أن توفر له‌ حدا‌ أدنى من حرية الحركة‌ بعيدا‌ً عن قمع السلطة وضغطها التي لم تكن لتختلف عما نصطلح عليه اليوم بالسلطة الديكتاتورية «وهذا أمر ضروري للسلطات يومئذ في سـبيل تـدعيم أسسها وتثبيت بنيانها» [فـدك فـي‌ التـاريخ-السيد‌ محمد باقر الصدر ص 17-18]، إضافة الى كونه يمتلك‌ شخصية‌ تمكنه من تحريك القاعدة الشعبية ولا يمكن للسلطة في ذلك الوقت أن تسقطها من أعين الجماهير. وإذا كان الإمام علي(ع) لا يـستطيع التـحرك في تلك الظروف لما ذكـرناه إضـافة الى عدم‌ رغبته واستعداده لأن تأخذ المواجهة شكل الصدام المسلّح، فلم يعد يصلح لذلك الدور سوى فاطمة(ع) التي كانت تتمتع بكل المميزات‌ والخصائص التي تسمح لها أن تتحرك من دون أن تـكون‌ السـلطة‌ الحاكمة‌ قادرة على تـحطيم صـورتها في أعين الناس وتبقي الصراع محصوراً في دائرة محددة لا يصل معها الى درجة الصدام المسلّح. وقد عبّر عن ذلك السيد الشهيد محمد باقر الصدر(قدس) حيث يقول: «وقد‌ توفرت‌ في المقابلة الفاطمية ناحيتان لا تـتهيئان للإمـام فيما لو وقف موقف قرينته إحداهما: أن الزهراء أقدر‌ منه بظروف فجيعتها الخاصة ومكانتها من أبيها على استثارة العواطف وإيصال‌ المسلمين بسلك من كهرباء‌ الروح‌ بأبيها العظيم(ص) وأيامه الغرّاء وتجنيد مشاعرهم لقـضايا أهـل البيت.

والأخرى: أنها مهما اتخذت لمنازعتها من أشكال فلن تكتسب لون الحرب المسلّحة التي تتطلب زعيماً يـهيمن ‌عـليها ما دامت امرأة وما دام هارون النبوة محتفظا‌ً بالهدنة. فالحوراء‌ بمقاومتها إما أن تحقق انتفاضا اجـماعياً عـلى الخـليفة وإما أن لا تخرج عن دائرة الجدال والنزاع ولا تجر الى فتنة وانشقاق» [فدك‌ في‌ التاريخ-السيد محمد باقر الصدر ص 87].

وتبقى النافذة التي‌ سوف‌ تنفذ من خلالها فـاطمة(ع) لتدخل الى المجتمع لتضطلع بذلك الدور فتأتي قضية فدك لتكون الشرارة التي مهّدت الطريق لنسف الأسـس التي قامت عليها الخـلافة ولكـشف الحقائق التي تمّ تزييفها‌ عقيب‌ وفاة‌ النبي(ص).

فبعد أن استقام الأمر‌ لأبي‌ بكر‌ على جميع المهاجرين والأنصار وفي محاولة منه للتضييق على الامام علي(ع) ومنع معارضته من الامتداد قام بمصادرة أرض فدك‌ وأخرج‌ وكـيل فاطمة(ع) منها [الاحتجاج-الطبرسي‌ ص 90].

ومن المعروف أن فدك كانت‌ من‌ قبل ملكاً لليهود فصالحوا رسول اللّه(ص) عليها بعد أن قذف اللّه في قلوبهم الرعب وبذلك صارت ملكاً لرسول اللّه(ص) خاصة‌ لأنها‌ لم‌ يوجف عليها بخيل ولا ركاب، ومن ثم قدمها لابـنته‌ فـاطمة(ع) وكانت بيدها في عهد أبيها [وأيضاً قول الامام علي(ع) في أحد‌ كتبه‌ فـي نـهج البـلاغة: «كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء].

وفدك من الأراضي الواسعة وقد كانت ملأى بأشجار النخيل وتدر‌ أرباحاً‌ طائلة من شأنها أن تشكل سنداً قوياً للإمام علي(ع) من الناحية المادية‌ فيما‌ لو أراد المضي في معارضته لتـلك البـيعة. ومما يعطينا لمحة عن عظم شأن تلك الأرض في‌ ذلك‌ الوقت‌ ما قاله ابن أبي الحديد في شرح النهج حيث ينقل: «وقلت لمتكلم‌ من‌ متكلمي‌ الإمامية يعرف بعلي بن تـقي مـن بلدة النيل، وهل كانت فدك إلاّ نخلاً يسيراً‌ وعقاراً‌ ليس بذلك الخطير؟ فقال لي ليس الأمر كذلك بل كانت جليلة جداً، كان فيها من النخل‌ نحو‌ ما بالكوفة الآن من النخل وما قصد أبـو بـكر وعـمر بمنع‌ فاطمة(ع) عنها‌ إلاّ‌ أن يتقوى علي بـحاصلها وغـلّتها عـلى المنازعة في الخلافة الخ...» فهذا النص صريح بدلالته‌ على‌ قيمة فدك والسبب الكامن وراء منع فاطمة(ع) منها.

وبانتزاع فدك من فاطمة(ع) و‌وضع‌ يد‌ أبي بـكر عـليها، فتحت الطـريق أمام فاطمة(ع) التي هبّت لتغتنم الفرصة الذهبية التي أتـيحت لهـا فجاءت الى أبي‌ بكر وقالت له: «يا أبا بكر تريد أن تأخذ مني أرضاً جعلها‌ لي‌ رسول‌ اللّه»، فدعا أبو بكر بـدواة ليـكتب بـه لها فدخل عمر فقال: «يا خليفة رسول اللّه لا تكتب‌ لها‌ حتى تـقيم البينة بما تدعي»، فقالت فاطمة(ع): «علي وأم أيمن يشهدان بذلك» فقال عمر: «لا تقبل‌ شهادة‌ امرأة أعجمية لا تفصح وأما علي فيجر النار الى قـرصه». فـرجعت فـاطمة وهي مغتاظة‌ فمرضت [بحار الأنوار-المجلسي ج 43 ص 198]‌. وفي رواية أخرى[الاحتجاج-الطبرسي ص 91-92] أن أبا بكر كتب لها كـتاباً ودفـعه إليها.

ولكـن‌ عـمر عـند ما علم بذلك مزّق‌ الكتاب‌ فخرجت فاطمة وهي تبكي.

وكانت نتيجة تمزيق الكتاب أن تراجع‌ أبـو‌ بـكر عـن موقفه بإعطاء فاطمة(ع) فدك وطالب بشهود غير علي(ع) وأم‌ أيمن فوقعت مجادلة بينه وبين‌ عـلي(ع) بسبب حـكمه بخلاف كتاب اللّه‌ [الاحتجاج-الطبرسي‌ ص 92]، فتدخل عمر لينهي الجدال بقوله: «يا علي دعنا من كلامك‌ فإنا‌ لا نـقوى عـلى حـجّتك فإن‌ أتيت‌ بشهود‌ عدول وإلاّ‌ فهي‌ في‌ء للمسلمين لا حقّ‌ لك‌ ولا لفاطمة فيه».

ومما لا شك فيه أن تـمزيق الكـتاب الذي أعطاه‌ أبو‌ بكر لفاطمة(ع) من قبل عمر جدّد الأمل‌ بفتح‌ الصراع السياسي‌ مع‌ السـلطة‌ حـيث كـان من شأن‌ ذلك أن يقفل الباب أمام فاطمة(ع) بمواجهة السلطة الحاكمة عن طريق المطالبة بفدك والتي سوف‌ تـكون‌ المـنطلق والأساس الذي سوف تنطلق‌ منه‌ في‌ تحركها‌ المستقبلي.

وإذ سدّ‌ أبو‌ بكر الباب أمام فـاطمة(ع) في فـدك مـن ناحية كونها نحلة- بسبب حكمه بخلاف حكم اللّه- ورفضه أي قول‌ ومراجعة‌ في هذا المجال كان لا بـدّ أمـام‌ فـاطمة(ع) من‌ أن‌ تنحو‌ طريقا‌ً آخر‌ من أجل المطالبة بحقها المغتصب، فكان طريق الإرث هو الأنـسب لذلك، فإن حرمها أبو بكر النحلة لعدم وجود الشهود كما يدّعي فلا يمكن له أن يمنعها من ناحية الإرث‌ الذي لا يـمكن لأحـد أن يلغيه أو يدّعي عدم التوارث بين الأقارب. وقد أشار الى تقديم مطالبتها بالنحلة عـلى المـيراث السيد المرتضى في ردّه على من ادّعى العـكس، فيما يـنقله عـنه‌ ابن‌ أبي الحديد في شرح نهج البلاغة [شرح‌ نهج البلاغة-ابن أبي الحديد ج 16 ص 277].

ويـبدأ الاسـتعداد لخوض المواجهة ضمن تخطيط مدروس، فالقضية ليست قضية قطعة أرض معينة تطالب بها بضعة خـاتم الأنـبياء(ص)، فهي أجل قدراً من أن تعرّض‌ نـفسها‌ للمـواجهة أمام الرجـال فـي مـجتمع يعتبر عدم الاختلاط ركنا من أركـانه ومـلازمة المرأة لبيتها طاعة ما بعدها طاعة، وهي التي تقول خير‌ للمرأة‌ أن لا يـراها رجـل ولا‌ ترى رجل وهي الامرأة الزاهدة فـي الدنيا التي لا تقيم للمـادة أي وزن واعـتبار. وإنما كل ما في الأمـر أن فدك وبعض‌ الميراث كانا الثغرة الوحيدة‌ التي‌ يمكن لسيدة النساء أن تنفذ من خـلالهما لتـقيم الحجة على الناس الذين انـطلقوا ليـبايعوا وفـق ما تقتضي مـصالحهم تـاركين النبي(ص) مسجّى وهو لمّا يـدفن بـعد، متّخذة من ذلك ستاراً شرعياً لإعلان‌ الموقف‌ السياسي.

وقضية مطالبة فاطمة(ع) بفدك وإن أشارت بظاهرها الى المسألة المادية، لكنها ترمز فـي البـاطن والجوهر الى قضية مصيرية وحساسة في حـياة المـسلمين ألا وهي إرجـاع المـسلمين‌ الى جادة الطريق‌ الصحيح مـن خلال القيادة الشرعية الصحيحة. وفي ذلك يقول السيد الشهيد الصدر(قدس): «ادرس ما شئت من المستندات‌ التاريخية الثـابتة للمـسألة فهل ترى نزاعاً مادياً أو ترى اخـتلافاً حـول‌ فـدك‌ بـمعناها‌ المـحدود وواقعها الضيق أو تـرى تـسابقاً على غلاّت أرض مهما صعد بها المبالغون وارتفعوا؟ فليست شيئاً يحسب له المتنازعان حـساباً. كلا‌ بـل‌ هـي‌ الثورة على أسس الحكم والصرخة التي أرادت فـاطمة أن تـقتلع بـها الحـجر الأسـاسي الذي‌ بني عليه التاريخ بعد يوم السقيفة» [فدك في التاريخ-السيد محمد باقر الصدر ص 48].

إذن المسألة ليست مادية بل هي سياسية‌ في الصميم، ومن هنا‌ كانت‌ خطورة دور فاطمة(ع) حين أحسّ الحكام، في ذلك الوقت، بخطورة هذه المطالبة وخطورة هذا الدور، لأن القـضية كانت بنظر فاطمة(ع) «مسألة اسلام وكفر ومسألة إيمان ونفاق ومسألة نصّ وشورى».

وتبدأ المواجهة العلنية للسلطة الحاكمة من قبل فاطمة(ع)عبر خطة مدروسة ومنسّقة حيث «لاثت خمارها على رأسها واشتملت بجلبابها وأقبلت فـي لمـة من حفدتها ونساء قومها تطأ‌ ذيولها‌ ما تخرم مشيتها مشية رسول اللّه(ص) حتى دخلت علي أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار» [شـرح نهج‌ البلاغة-ابن‌ أبي‌ الحديد ج 16 ص 211].

إذن هكذا كان البدء، استعراض قبل المواجهة من شأنه أن يـفتح أعـين الناس، فقد‌ سار‌ على الطريق جمع من النساء في منظر ملفت يدعو كل ناظر الى التساؤل عمّا هناك، فيدخلن المسجد حيث يجتمع عدد كبير من النـاس إضـافة الى الذين كانوا على الطرقات وفـي‌ مـنازلهم وقد دعاهم الفضول الى معرفة ما يجري وبذلك يكون في المسجد أكبر عدد ممكن من الناس وعلى اختلاف طبقاتهم وميولهم وأهوائهم.

مع اجتماع‌ هذا‌ العدد‌ الكـبير تـناط ملاءة بين النساء‌ والرجـال‌، و‌تـبدأ المجابهة بأنّها صادرة عن صدر مثقل بالألم والحسرة والمرارة، وكاهل مثقل بالظلم، ومن نفس براها الحزن، فتحرك العواطف والمشاعر‌ لتصبيح‌ النفوس‌ والقلوب ألين وأطوع علي الانفعال، الأمر الذي‌ يؤدي‌ الى تعاطف ومناصرة تصدر هـذه الأنـّة فيجهش الجمع بالبكاء فتنتظر فاطمة(ع) حتى تهدأ فورتهم‌ لتبدأ حملتها الإعلامية السياسية مجسّدة بذلك‌ الموقف‌ السياسي‌ والخط الشرعي الأصيل فاضحة للانحراف ومعرّية للحكام. وكل‌ هذه الأمور لا يمكن لأحد أن يقف ويعلنها أمام الحـكام فـي نظام تـسوده «الديكتاتورية» والأحكام العرفية إلاّ «ويكون‌ أكلة‌ باردة‌ وطعمة رخيصة للسلطات الحاكمة التي كانت قد بلغت يومذاك أوج‌ الضغط‌ والشدّة» [فدك في التاريخ-السيد مـحمد بـاقر الصـدر ص 18].

ومـن خلال خطبتها وترتيبها وتسلسلها نستطيع أن نستشف النفس السياسي وجوهر‌ الصراع‌ الحـقيقي فـتبدأ بـحمد اللّه وشكره كما يبدأ المسلمون في خطبهم‌ [شرح نهج البلاغة-ابن أبي‌ الحديد‌ ج 16 ص 211]ثم الشهادة‌ والتصديق‌ بنبوّة محمد(ص) مشيرة الى أنه(ص) أبيها مبينة للناس موقعها منه والأساس الشرعي الذي تنطلق‌ منه. فهي‌ ابـنة نبي الاسلام، مظهرة فضل النبي(ص) عليهم بإنقاذهم من الضلالة وإرشادهم الى طريق الهدى[الاحتجاج-الطبرسي ص 98-99].

بعد‌ أن‌ عرّفت بـنفسها وعقيدتها وموقعها من صـاحب الرسـالة اتجهت بالخطاب الى الحاضرين شارحة لهم‌ فروع‌ الدين معللة لوجوبها ثم عادت لتعرّف بنفسها وبأبيها مؤكدة جهاده وفضله‌ عليهم‌ بإنقاذهم‌ من الجهل والظلمات ومبينة العمل العظيم الذي قام به والخطر المحدق بهم‌ الذي‌ أزاله‌، وتنتقل لتشرك ابن عمها علي(ع) بكل هذا الفضل والجهاد، فإن الأعمال التي‌ قام‌ بها رسول اللّه(ص) والجهاد الذي جاهده، وأزاح به الباطل وأنار الظلمات كان بالاشتراك مع‌ علي(ع) حيث‌ كان يقتحم الأخطار ويطفئ النيران ويحق الحـق ويـزهق الباطل‌ [قذف أخاه‌ في لهواتها فلا ينكفئ حـتى يـطأ جناحها بأخمصه»...ن.م ص 100-101]. و‌هو‌ إضافة الى ذلك ولي من أولياء اللّه‌ مجتهد‌ في‌ أمره [مجتهداً في أمر اللّه، سيداً في أولياء اللّه» ن.م ص 101]‌ يطبق تعاليم الإسلام لا يخاف أحداً ولا‌ يجامل أحداً وهو مع تلك الصفات قريب من الرسول [قريباً مـن رسـول اللّه». «لا تأخذه في اللّه لومة لائم»م.ن]‌ (ص) لا لقرابته وإنما‌ لإيمانه‌ وتضحياته.

وأمام كل‌ هذه‌ التضحيات والأعـمال‌ التـي‌ قام بها الرسول(ص) وابن عمه(ع) كان البعض‌ يهرب‌ من القتال ويفرّ من الجهاد [وتنكصون‌ عند‌ النزال، وتفرون من القتال» الاحتجاج- الطبرسي ص 101] والبعض الآخر ينعم بالراحة والرفاهية‌ كأن‌ الأمر لا يعنيه [وأنتم في رفاهية من العيش وادعون، فاكهون، آمنون»م.ن]، لا بل أن البعض‌ كان ينتظر ويتمنى حلول‌ المصائب والبلايا ليـشمت ويـشفي‌ غليله [تـتربصون بـنا الدوائر، وتـتوكفون الأخبار»م.ن]‌.

إذن بدأت خطبتها بتعريف نفسها للقوم ومكانتها وموقعها من الرسالة‌ ومن صاحبها لتأخذ بذلك الشرعية‌ ويكون‌ الكلام عظيم الأثر، ثم‌ انطلقت‌ لتبيّن فضل أبيها وابن‌ عمها على كافة المسلمين مظهرة جـهادهما وتـضحياتهما فـي مقابل قعود الآخرين وتخاذلهم. و‌انـتقلت‌ لتـعلن أنـه بالرغم من هذه التضحيات‌ التي‌ قدّمت والجهود‌ التي‌ بذلت فإن كثيراً من‌ الناس كانوا يجارون الوضع ويهتفون دائماً للمنتصر حتى إذا وجـدوا نـافذة يـنفذون منها خرجوا‌ ونبذوا ما كانوا يدّعونه وراء ظهورهم‌ واتـبعوا‌ المـنتصر‌ الجديد‌ الذي من شأنه‌ أن‌ يلبي رغباتهم ويحقق طموحاتهم، فإذا بهم لا إيمان لهم ولا دين يتخذون المبادئ والقيم‌ لباساً‌ يبدّلونها‌ حسب أهـوائهم ومـصالحهم. ثم تـبدأ بتوبيخهم على سرعة‌ تبدلهم‌ وتقلبهم‌0 [وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم فألفاكم لدعوته‌ مستجيبين...فوسمتم‌ غير إبـلكم ووردتـم غـير مشربكم» م.ن]، فالفاجعة‌ قريبة‌ العهد بهم والرسول(ص) لم يـدفن بعد والجرح لّما يندمل، فتفنّد حجة البعض بأنهم إنما فعلوا ذلك مخافة الفتنة [«هـذا والعهد قريب.. والجرح‌ لما‌ يندمل، ولا رسول لما يقبر، ابتداراً زعمتم خوف الفتنة الا في الفـتنة سـقطوا» م.ن] وأنه لا بدّ للناس من قيادة في هذه الظروف الحرجة مشيرة الى مؤامراتهم واتـفاقهم‌ عـلى‌ ذلك وفـي ذلك يقول‌ الشهيد‌ الصدر(قدس): «ومن حق البحث أن نسجّل أن الزهراء(ع) هي أول من أعلنت- إن لم يكن زوجها هو المـعلن الأول- عـن التشكيلات الحزبية للجماعة الحاكمة واتهمتها بالتآمر‌ السياسي‌ ثم تبعها بعد ذلك‌ جملة‌ مـن مـعاصريها» [فدك في التاريخ-السيد محمد بـاقر الصـدر ص 100]. اتهمتهم بـالتآمر والاتفاق على ذلك لأن الأمور واضحة جلية وأحكام اللّه موجودة ولكنهم نبذوها وراء ظهورهم، متوعدة إياهم بعذاب النار وسـوء العاقبة [وكـتاب اللّه بين أظهركم... وقـد خـلفتموه وراء ظهوركم...بئس‌ الظالمين‌ بدلاً ومـن يـتبع غير الاسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين» م.ن].

فـقد أشارت هنا الى ظهور‌ المنافقين وانكشافهم على حقيقتهم وأنهم كانوا يتحينون الفرص للانقضاض عـلى الإسـلام، فما إن توفي رسول اللّه(ص) حتى نبذوا كتاب اللّه وأحكامه وراء ظهورهم ووضعوا أنفسهم في مواضع ليسوا‌ أهلا‌ً لها، قد نـصّت‌ الشـريعة على أصحابها، وبدأوا بتبديل الأحكام، كل ذلك في فترة يسيرة جداً بعيد وفاة النـبي(ص) مما يـدلل عـلى أن‌ هؤلاء القوم لم يؤمنوا باللّه طرفة عين.

ثم تنتقل لتطالب بحقّها‌ المهضوم‌ مستغلّة‌ ذلك‌ لتعرية أصحاب السـلطة فـي ذلك الوقـت ومبينة كيفية ضربهم للأحكام الشرعية عرض الحائط ومخالفتهم للكتاب ‌‌الكريم‌ مستدلّة عـلي ذلك بـآيات عديدة [وورث سليمان داوود»، «يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ»م.ن]، ملمّحة الى أن الذي يغتصب أموال الناس وحقوقهم‌ يغتصب‌ بطريق‌ أولى-إذا سنحت له الفرصة-المركز الذي من شأنه أن يجعله متحكماً بأمور النـاس، وأن الذي لا‌ يـكون أميناً على أموال الناس وممتلكاتهم كيف يكون أميناً على دمائهم ومستقبلهم.

أمام هـذه الخـطبة‌ الرائعة‌ التي اختصرت تاريخ ظهور الدعوة وانـتشارها، والتـي تـحمل بين مفرداتها دعوة صريحة للثورة على الظـلم وإعـادة الحق الى أهله والتي تبين عدم التزام القوم بالكتاب والسنّة وتظهر الانحراف والنفاق، خاف أركـان الحـكم من أن يميل النساء الى فاطمة(ع) فقام أبـو بـكر خطيباً ليهدئ الجـو ويـخفف من تأثير الخطبة عبر الالتفاف عـلى مـا طرحته سيدة النساء(ع) مشيداً برسول اللّه(ص) وأهل‌ بيته(ع) شاهداً بصدق قولها [وأنت‌ يـا‌ خـيرة‌ النساء وابـنة خـير الأنـبياء صادقة في قولك» م.ن] ، مستعملاً أعذب العبارات والمـديح والإطـراء في محاولة لامتصاص النقمة التي بـدأت تظهر على وجوه لقـوم، معللاً اغـتصاب فدك بحديث ادّعي أنه سـمعه عن رسول اللّه (ص) [إني سـمعت رسول اللّه(ص)يقول:نحن معاشر‌ الأنبياء لا نورث ذهباً‌ ولا فضة...»م.ن]-مخالفاً بذلك كتاب اللّه -و أن ما أخذه لم يأخذه لحسابه الخاص‌ وإنما‌ جعله في مصالح الأمة الإسلامية الى غير ذلك مـن‌ الحـجج، محاولاً‌ بذلك إظهار صوابية موقفه وتبرير فعلته.

ولكـن سـيدة النـساء(ع) لم تـسكت عـلى قوله فردّت ادعـاءاته وفـنّدت مزاعمه‌ وأقامت‌ الحجة على صوابية موقفها وبطلان موقفه مستدلة على ذلك‌ بالكتاب الكريم‌. ولما وجد أبـو بـكر نـفسه عاجزاً عن دحض حجج فاطمة(ع) أقرّ بما قـالت وأحـال الأمـر عـلى‌ المـسلمين‌ زاعـما‌ً إنما كان ذلك بالاتفاق معهم.[ وصدقت ابنته... ولا أنكر خـطابك، هؤلاء المـسلمون بـيني وبينك قلدوني ما تقلدت‌ وباتفاق منهم أخذت ما أخذت»م.ن] عندها التفتت الى المسلمين موجّهة إليهم‌ أشدّ‌ تقريع وأقسى تأنيب محمّلة إياهم تبعات الحالة السائدة وما آلت إليه الأمور والأوضاع‌ ثم‌ انكفأت‌ الى بيتها منهية بـذلك التحرك الأول عبر إيصال مظلوميتها الى اكبر عدد ممكن‌ من‌ المسلمين‌ وكشف حقيقة الحكام وتعريتهم أمام المجتمع آنذاك.

وقد أدرك أبو بكر‌ خطورة‌ دور‌ فاطمة(ع) وما ترمي إليه من وراء مطالبتها بفدك من بعد أن مزّق عـمر بـن‌ الخطاب‌ الكتاب الذي أعطاها إياه، ومن حينها عمل جاهداً كي لا يعيد إليها حقها‌ خوفا‌ من‌ أن يستتبع ذلك مطالبات أخرى لا يستطيع ردّها لأنه يكون قد سجل على نفسه‌ منذ‌ البداية صدق مـا تـدّعيه فاطمة(ع) ولأجل ذلك تراجع عن رأيه مع علمه بصدقها‌ وثقته‌ التامة في صحة ما تدّعي.

ولكن الأمر كما حكاه علي بن الفارقي كما يقول‌ ابـن‌ أبـي الحديد: «وسألت علي بن الفـارقي مـدرّس المدرسة الغربية ببغداد فقلت له: أكانت‌ فاطمة‌ صادقة؟ قال: نعم، قلت: فلم‌ لم يدفع إليها أبو بكر فدك وهي عنده صادقة؟ فتبسّم، ثم قال كلاماً لطيفاً مستحسناً مع‌ ناموسه‌ وحرمته وقلة دعـابته، قـال: لو أعطاها اليوم فدك بـمجرد دعـواها لجاءت إليه‌ غداً‌ وادّعت لزوجها الخلافة وزحزحته عن مقامه ولم يكن يمكنه الاعتذار والموافقة بشيء‌ لأنه‌ يكون قد سجّل على نفسه أنها صادقة فيما تدّعي كائناً ما كان‌ من‌ غير حـاجة الى بـينة ولا شهود؛ و‌هذا‌ كلام‌ صحيح وإن أخرجه مخرج العابة» [شرح‌ نهج البلاغة-ابن أبي‌ الحديد‌ ج 16 ص 284].

وقد‌ تجلى جهادها بعد ما أصرّ القوم على طلب المبايعة من علي(ع) حيث أرسلوا قنفذاً مع‌ أصحاب‌ له- وهو رجل فظ غليظ‌ جاف‌ من الطلقاء- الى عـلي(ع) الذي‌ لم‌ يأذن له بـالدخول فرجع أصحاب قنفذ وأخبروا‌ أبا بكر وعمر حيث أمرهم الأخير بالدخول حتى من دون إذن فلمّا‌ اتوا‌ وقفت لهم فاطمة(ع) بالمرصاد قائلة: «أحرّج عليكم أن تدخلوا على‌ بيتي‌ بغير إذن» فرجعوا‌ وأخبروا‌ عمر بالأمر فـغضب وأمـر النـاس بجمع الحطب وأخذه الى بيت علي(ع) وفاطمة(ع) وناداهم من خارج الدار مهدداً‌ ومتوعداً فردّت عليه فاطمة(ع) طالبة منه أن يـتّقي‌ اللّه‌ فيما‌ يفعل‌ وأن يدعهم لشأنهم‌ فأبى‌ وأضرم النار في الباب ثم دفعه ودخـل فاستقبلته فاطمة(ع) وهي تـستغيث بـأبيها(ص) فرفع عمر السيف‌ وهو‌ في غمده فوجأ به جنبها فصرخت فضربها‌ بالسوط‌ على‌ ذراعها‌ فنادت‌ مشتكية الى أبيها(ص) قائلة: «يا رسول اللّه لبئس ما خلفك أبو بكر وعمر» فوثب عليه علي(ع) وهمّ بقلته ولكنه عاد وتـركه ثم تكاثر الناس وأرادوا أخذ علي(ع) فحالت‌ بينهم فاطمة فألجأها منفذ الى عضادة بيتها ودفعها فكسر ضلعاً من جنبها فألقت جنيناً من بطنها. وهناك من يروي بأنها قد ألقت جنينها حينما دخلوا البيت بغير إذن فـاستقبلت‌ البـاب‌ لكي تمنعهم فضربت حتى ألقت الجنين‌.

وحملوا علياً(ع) الى أبي بكر كي يبايع ولكن فاطمة(ع) بالرغم من الآلام التي كانت تعانيها من جراء ضربها وإسقاط جنينها وهي آلام‌ يصعب‌ تحملها أحسّت بالمسؤولية الملقاة عـلى عـاتقها فخرجت مع نساء من الهاشميات وغيرهنّ وقصدت مكان اجتماعهم وهددتهم بالدعاء عليهم وصار‌ هناك‌ كلام كثير ولما رأوا‌ فاطمة(ع) جادة‌ فيما تقول خلوا سبيله.

وهكذا تمضي فاطمة مسجّلة الموقف تلو الموقف تـساند زوجـها وتقف الى جانبه، تتحرك حيث يجب عليها التحرك وتمتنع‌ في‌ غيره، وقد استغلّت كل‌ الفرص‌ التي سنحت لها فأظهرت موقفها وموقف زوجها وسجّلت خطوطاً عريضة حتى عند ما جاءها أبو بـكر وعـمر يـطلبان منها الصفح والرضى سجّلت مـوقفاً تـاريخياً مـهما بعد‌ ما‌ سلما بقول الرسول(ص) بأن من آذاها فقد آذى رسول اللّه(ص) فأعلنت بأنهما قد آذوها وأنها تشتكيهما الى اللّه والى رسوله(ص) رافضة الصفح عنهما والرضي‌.

وكما في ‌حياتها كـانت تـجاهد‌ وتـسجل المواقف‌ كذلك في موتها حيث سجّلت موقفاً لا يـزال التـاريخ يذكره حيث رفضت أن يصلي عليها كل من‌ ظلمها وشارك في ظلمها وذلك ما سوف يأتي الحديث‌ عنه‌ في‌ باب الوفـاة إن شـاء اللّه.

دورهـا في بلورة خط المعارضة:

لم تكتف فاطمة(ع) بإعلان المواقف السياسية تجاه الأحداث ‌‌التـي‌ عصفت بالأمة في ذلك الوقت دون أن‌ تتحرك عملياً وعلى‌ الأرض‌ فـي سـبيل ترجمة هذه المواقف الى أفعال فأشارت الى الناس بوجوب تغيير هذا الواقع وتـحركت عـلى أساس ضرورة تشكيل خط معارض للنهج السائد في ذلك الحين وذلك عبر الخطب‌ والجلسات الخاصة والزيارات التي قـامت بها.

وقـد بـدأت بذلك أثناء الخطبة التي ألقتها في المسجد على مسمع المسلمين حيث تـوجهت بـالخطاب الى الأنـصار وبدأت بإثارة حميتهم الإسلامية‌ وتحريك عواطفهم، وذلك عند ما بدأت بلومهم على سكوتهم عن نـصرتها ورد ظـلامتها وهـم القادرون علي ذلك بما يملكون من السلاح والرجال مستعرضة تاريخهم المشرق حيث أفنوا أعمارهم‌ فـي‌ خـدمة الدين والذود عنه [شـرح‌ نهج البلاغة-ابن أبـي الحـديد ج 16 ص 213-الاحتجاج ص 102-103]‌.

ولم تكتف عليها السلام بالخطبة التي ألقتها بل بدأت بالتحرك علي الأرض من أجـل الدعـوة الى نـصرة خطّها المعارض وذلك عبر الزيارات‌ الليلية‌ التي كانت تقوم بها مع زوجها علي(ع) الى بيوت الأنـصار طـالبة منهم الدعم والنصرة لابن عمها (ع) [بحار الأنوار-المجلسي‌ ج 28‌ ص 355] ولكن دون جدوى وقد اعتذروا عن ذلك بحجج وأعذار واهـية بـقولهم‌ سـبقت‌ بيعتنا‌ لهذا الرجل فترد عليهم حجتهم‌ معلنة‌ صوابية‌ الموقف الذي اتخذه أمير المؤمنين(ع).

وقد كانت هذه الزيـارات مـن ضمن الخطة المرسومة من أجل إيجاد أناس يسيرون في نهج‌ المعارضة‌ ويـدعمونه، أضف الى ذلك القـاء الحـجة على القوم وعدم‌ ترك المجال أمامهم لكي يعتذروا في المستقبل ويعللوا مواقفهم بأن أحداً-وعـلى الأخـص الإمـام علي(ع)-لم يدعهم الى بيعته. ومن‌ المؤكد‌ أن هذه الزيارات قد تكررت وتنوّعت حتى لم يـبق‌ عـذر لأحد. وهذه الطريقة في العمل أخذها البعض وعاب بها على الإمام علي(ع) ومنهم معاوية بن أبـي‌ سـفيان‌ حيث‌ كان يظن أن في ذلك منقصة لعلي(ع) حيث كان يسمح لنفسه بأن‌ يدور‌ عـلى بـيوت الأنصار ومعه زوجته من أجل الدعوة الى نـصرته جـاهلاً أو مـتجاهلاً الحكمة من‌ ذلك، لما‌ تمثله‌ سيدة النساء(ع) من مـوقع قـوي في حياة وضمير المسلمين ولما تضفي‌ من‌ الشرعية‌ على تلك التحركات.

ولم يؤثر عدم اسـتجابة القـوم لنصرتها ونصرة ابن عمها(ع) في‌ حـمل‌ لواء‌ المـعارضة ولم يقعدها ذلك عـن المـطالبة بـحقوقها وحقوق ابن عمها والدعوة‌ الى عـملية الإصـلاح، بل ظلّت تستغل الفرص والمناسبات في سبيل تدعيم ذلك.

ومن‌ ذلك‌ عند‌ ما جـاءها بـعض نساء المهاجرين والأنصار في حالة مـرضها يعدنها ويستخبرن عن‌ حـالها فقامت(ع)- ورغـم المرض-فيهم خطيبة وشنّت حملة عـلى رجـالهن الذين رضوا بالأمر الواقع وبايعوا‌ من‌ ليس أهلاً للبيعة واقصوا عنها من يـستحقها مـتجاهلين ابن عمها الذي هو أحق النـاس بـها مبينة العلة في صرف هـذا الأمـر عنه‌ [«وما الذي نقموا من أبي الحسن، نقموا واللّه نكير سيفه وشدة‌ وطـأته...وتنمره في‌ ذات‌ اللّه»م.ن] معددة صفاته ومزاياه‌ التي يستحق لأجـلها تـولي قيادة الأمـة، مـتعجّبة من تـطاول بعض الناس على هـذا المنصب الخطير، ومن الأساس‌ الذي‌ استندوا عليه والقاعدة التي انطلقوا من خلالها ليتصدوا لأمور المـسلمين وليـولّوا‌ أنفسهم ما ليسوا أهلاً له، منهية حـديثها مـعهنّ‌ بـتبشيرهن‌ بـالخسران‌ الذي سـوف يؤول إليه رجـالهنّ يـوم الحساب‌ والعذاب الذي سوف يلاقونه في الدنيا جزاء بما فعلوا وقبولهم بالأمر الواقع‌ وتخاذلهم عن نصرة الحـق وأهله‌.

وقـد‌ كـانت‌ هذه‌ الخطبة تشكل الحملة الثانية بعد الحـملة‌ التـي‌ قـادتها فـي خـطبتها فـي المسجد فتكون قد ألقت الحجة على النساء والرجال. وهي بخطبتها هذه كانت تقدّر بأن‌ النساء سوف ينقلنها الى أزواجهن‌ فتؤكد بذلك الحجة عليهم وتفسح‌ في المجال أمـام من يريد الرجوع عن خطأه أن يرجع.

وبالفعل فقد‌ نقلت‌ النساء ما جرى الى رجالهنّ‌ فجاء‌ قوم‌ من المهاجرين والأنصار‌ معتذرين عما بدر منهم‌ معللين‌ ذلك بأن أبا الحسن لم يذكر ذلك لهم ولو أنّه ذكر ذلك قـبل‌ بـيعتهم‌ وإحكام عقدهم لبايعوه ولما‌ عدلوا‌ الى غيره‌ ولكنها(ع) ردّت‌ قولهم ولم تقبل‌ عذرهم‌ [الاحتجاج-الطبرسي ص 109]

لقد شكلت فاطمة الزهراء(ع) عبر موقفها من بيعة الخليفة الأول ومن الأعمال التي قام‌ بها‌ عقيب بيعته جبهة الرفض التي حملت‌ لواء‌ المـعارضة‌ مـن‌ موقع‌ المسؤولية الشرعية الملقاة‌ على‌ عاتقها في تلك الفترة الحساسة والخطيرة من حياة الأمة الإسلامية، فتحملت شتى أنواع البلاء، فظلمت حقّها وروّعت‌ وهدّدت واقتحم بـيتها حـتى وصل الأمر‌ الى ضربها‌ وإسـقاط‌ جـنينها‌ من دون مراعاة لحرمتها وحرمة أبيها(ص)، كل ذلك لم يثنها عن موقفها ولم يمنعها من التحرك لفضح كل أشكال الباطل الذي لبس لبوس الحق، وإن كانت‌ تعلم بأن معركتها ومواجهتها فـي ذلك الوقـت قد تكون خاسرة، وأن دعـوتها لن تـلقى آذاناً صاغية لكنها كانت تنظر الى خطواتها وتحركاتها بعين المستقبل مؤسسة بذلك نهج السير‌ الصحيح‌ الذي يجب أن يسار عليه مبينة لمعالمه عبر تبيانها لموقف أهل البيت(ع) من السلطة الحاكمة في ذلك الوقت وعدم اعـطائهم الشـرعية لذلك الخط وأصحابه.

وفاتها:

لقد كانت حياة‌ فاطمة‌ الزهراء(ع) بعد وفاة أبيها مليئة بالأسى والمرارة، فهي لم تر ضاحكة منذ وفاته [بحار الأنوار-المجلسي ج 43 ص 195]‌، يعتصر قلبها الحزن على ذلك-حيث كان عضدها وملجأها-والألم على ما‌ آلت‌ إليه أحوال المسلمين بعده، فكانت تـبكي‌ ليـلها‌ ونهارها حـتى تأذى منها أهل المدينة وطلبوا من الإمام علي(ع) أن يكلمها في ذلك لأنها لم تـدع للراحـة إليـهم سبيلاً فإما أن تبكي بالنهار أو تبكي بالليل‌. حتى نحل‌ جسمها واشتدّ كربها. وقد دخلت عليها أم سلمة (رض) تعودها فأخبرتها فاطمة(ع) بما يـحزنها ويـسبب شقاءها وبينت لها سبب ظلمها واغتصاب حقها وحق ابن عمها والسبب في‌ كـل‌ مـا يـجري‌ عليها وعليه من ظلم واضطهاد وإيذاء قائلة:«أصبحت بين كمد وكرب فقد النبي وظلم الوصي، هتك واللّه حـجابه من أصبحت إمامته مقبضة على غير‌ ما‌ شرع‌ اللّه في التنزيل وسنّها النبي(ص) في التـأويل ولكنها أحقاد بدرية وثـارات أحـدية كانت عليها قلوب ‌‌النفاق‌ مكتمنة لإمكان الوشاة... أحرزوا عائدتهم غرور الدنيا استنصاراً ممن فتك بآبائهم في مواطن الكرب‌ ومنازل‌ الشهادات» [بحار الأنـوار-المجلسي‌ ج 43‌ ص 157].

قضت فاطمة(ع) معظم أيامها بعد وفاة أبيها في الخطوب والمحن الى أن جاء اليوم‌ الذي استراحت فـيه من همّ هذه الدنيا ومشاكلها، حاملة معها أحزانها وأخبار‌ المسلمين وما جرى‌ بعد‌ وفاة النبي(ص) لتطلعه عليها وتشكو إليه مظلوميتها.

توفيت فاطمة(ع) في جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة للهجرة فكان وقع خبر وفاتها علي المسلمين عـظيما فـارتجّت المدينة بالبكاء من الرجال والنساء ودهشت الناس‌ كيوم قبض رسول اللّه(ص) [بـحار الأنوار-المجلسي ج 28‌ ص 304] فأقبل أبو بكر وعمر يعزّيان علياً(ع) ويقولان له: «يا أبا الحسن لا تسبقنا بالصلاة على ابنة رسول اللّه(ص)».

وقيل أن السبب في وفاتها كـان ضـربة قنفذ مولى‌ عمر‌ حيث لكزها بنعل السيف فأسقطت محسناً ومرضت من جراء ذلك مرضاً شديداً حيث أخذ يتفاعل مع ما بها من الآلام والحزن حتى قضت شهيدة علي طريق الاسلام وفي‌ سـبيل‌ اللّه.

بـعد أن علم المسلمون بوفاة السيدة الزهراء(ع) بدأوا يتجمعون قرب منزلها منتظرين خروج الجنازة لكي يشاركوا في الصلاة والتشييع‌ ولكن أباذر(رض) أمرهم بالانصراف قائلاً لهم: «إن ابنة رسول اللّه(ص) قد أخّر‌ إخراجها‌ في هذه العـشية»، فقام النـاس وانـصرفوا. ولم يكن طلب أبو ذر من النـاس بـالانصراف إلاّ تـنفيذاً لأوامر الإمام علي(ع) الذي لم يكن يرغب في أن يشارك في تشييع الجنازة أحد من‌ الذين‌ ظلموا‌ فاطمة(ع) أو يكون له شرف الصلاة‌ عليها‌ وذلك تنفيذاً لوصـيتها التـي أوصـته بها وكان مما قالته في الوصية: «أوصيك أن لا يشهد أحـد جـنازتي من هؤلاء الذين ظلموني وأخذوا‌ حقي‌ فإنهم عدوي وعدو رسول اللّه ولا‌ تترك‌ أن يصلي علي أحد منهم ولا من أتباعهم». فكانت وصـيتها اسـتكمالاً لمـا بدأته في حياتها من مقاطعة للقوم، وخوفا‌ً من‌ أن تؤدي صـلاتهم عليها الى تبديل صورهم في أذهان الناس، ولئلاّ يدّعوا مستقبلاً بأنها حين توفيت كانت راضية عنهم ومنعاً لاستغلالهم هذه المناسبة لكي يلمّعوا صـورهم ويـظهروا بمظهر أصحاب المصيبة‌ فيلتفّوا‌ بذلك‌ على كل ما اقترفته ايديهم وسوّلت لهم أنفسهم من اغتصاب للخـلافة مـن أصـحابها‌ الشرعيين‌ ومن اغتصابهم لحقوق الناس.

وعلى هذا الأساس انتظر الامام علي(ع) حتى انصرف النـاس وهـدأت‌ العـيون ومضى شطر من الليل، فأخرجها مع ولديه الحسن والحسين وبعض‌ الخلّص‌ من‌ أصحابه بينهم أبـو ذر وسـلمان ونـفر من بني هاشم حيث صلّوا عليها‌ ودفنوها في جوف الليل‌. وعند ما أصبح النـاس وعـرفوا بأن الزهراء(ع) دفنت‌ تجمّعوا‌ وتباحثوا الأمر فيما بينهم على أن ينبشوا قبرها حيث كان الامـام قـد دفـنها وسوّى حواليها‌ قبورا‌ً مزوّرة حتى لا يعرف قبرها. وكان أشدّ الناس تأثراً بحادثة الدفن ليـلاً‌ هـو‌ أبو‌ بكر حيث سلبت منه الورقة الأخيرة التي كان يمكن أن يستغلها لتلميع صـورته أمـام النـاس‌ فلما‌ رآه‌ عمر على هذه الحالة قاله له: «دع عنك هذه الهمهمة أنا أمضي الى المـقابر‌ فـأنبشها حتى أصلي عليها». فسمع الامام علي(ع) ذلك فتوعّده وهدّده قائلاً: «واللّه لو ذهبت تروم من ذلك‌ شـيئا‌ً وعـلمت أنك لا تصل الى ذلك حتى يندر عنك الذي فيه‌ عيناك‌ فإني كنت لا أعاملك إلاّ بالسيف قبل‌ أن‌ تصل‌ الى شيء مـن ذلك».

الخاتمة:

وبـذلك‌ تكون‌ قد طويت صفحة امرأة عظيمة من نساء الإسلام المجاهدات أفنت عـمرها بـالجهاد في‌ سبيل‌ اللّه منذ كانت صبية صغيرة‌ في‌ مكة تدفع‌ أذى‌ المشركين‌ عن أبيها الرسول(ص) الى جهادها فـي جـو‌ الأسرة‌ أمام زوجها وأولادها وأخيراً جهادها في سبيل قضية الاسلام الكبرى‌ حـيث‌ قـضت الستة أشهر التي بقيتها بعد رسول‌ اللّه(ص) في صـراع مـرير مـع‌ الواقع‌ لتثبّت كثيراً من الحقائق وتنزع‌ كـثيراً مـن المفاهيم التي علقت في أذهان الناس لتصبح رمزاً للمرأة المسلمة المجاهدة‌ ومثلاً أعـلى يـقتدى به للوصول‌ الى مرتبة‌ الكـمال الإنساني.

رحـم‌ اللّه‌ بـضعة مـحمد(ص) فإنها كـما في‌ حياتها‌ أعطت الموقف وحددت المـنهج كـذلك كانت في وفاتها حيث كانت نفس وصيتها موقفاً‌ ومنهاجاً. هدّت أركان الظلم والبـاطل وأنـارت‌ الطريق للأجيال‌ المقبلة‌ وأثبتت أن الإسلام لا‌ يـتعايش مع الانحراف وعلى أسـاسه تـقدر قيمة كل انسان سواء كـان رجـلاً أو امرأة.

والحمد للّه رب العالمين

 

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/04/02   ||   القرّاء : 4212





 
 

كلمات من نور :

ثلاث يذهبن بالبلغم : قراءة القرآن ، واللبان ، والعسل .

البحث في القسم :


  

جديد القسم :



 تجلّي آيات من القرآن الكريم في سيرة الإمام الحسين (عليه السلام)

 الامام الحسن (عليه السلام) بين جهل الخواص وخذلان العوام

 ظاهرة الحروف المقطعة في فواتح سور القرآن - درس التفسير 1

 التدبر المضموني والبنيوي في الحروف المقطعة - الدرس 2

 ذكر فضائل علي اقتداءٌ برسول الله

 وفد من الكويت في زيارة للدار

 رئيس القساوسة في جورجيا يزور دار السيدة رقية (ع)

 دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم تحقق المركز الأول لجائزة 114 القرآنية العالمية

 الختمة القرآنية المجوّدة للدكتور القارئ رافع العامري

 المصحف المرتل بصوت القارئ الحاج مصطفى آل إبراهيم الطائي

ملفات متنوعة :



 المفاهيم القرآنية في يوم الغدير (الأخوّة والتصافح والتسامح)

 ابتغاء الوسيلة ضرورة قرآنية

 دور أهل البيت (عليهم السلام) في القرآن (القسم الأول)

 الوضع السياسي للأمّة الإسلامية في عصر الإمامين الكاظم والرضا(عليهما السلام)

 اختتاميّة المسابقة القرآنيّة الخامسة

 89 ـ في تفسير سورة الفجر

 الخصائص النفسية في مجاز القرأن

 اليوم السابع والإختبارات النهائية لأساتذة المجمع القرآني في ذي قار

 القرآن والمدرسة التركيبية structuralism:

 وقفة على مشارف سورة يوسف

إحصاءات النصوص :

  • الأقسام الرئيسية : 13

  • الأقسام الفرعية : 71

  • عدد المواضيع : 2213

  • التصفحات : 15487109

  • التاريخ : 18/04/2024 - 15:19

المكتبة :

. :  الجديد  : .
 الميزان في تفسير القرآن (الجزء العشرون)

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء التاسع عشر)

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء الثامن عشر)

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء السابع عشر)

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء السادس عشر)

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء الخامس عشر)

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء الرابع عشر)

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء الثالث عشر)

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء الثاني عشر)

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء الحادي عشر)



. :  كتب متنوعة  : .
 بين التجويد القرآني والتذوق الموسيقي

 الصوت وماهيته ـ والفرق بين الضاد والظاء

 كيف نفهم القرآن؟

 الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل (الجزء الخامس عشر

 تفسير النور - الجزء الثاني

 التبيان في تفسير القرآن (الجزء الثالث)

 عصمة الأنبياء في القرآن الكريم

 تفسير القرآن الكريم في أسلوبه المعاصر

 حلية القرآن ـ دروس في معرفة الاصوات والمقامات

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء الثامن عشر)

الأسئلة والأجوبة :

. :  الجديد  : .
 إمكان صدور أكثر من سبب نزول للآية الواحدة

 تذكير الفعل أو تأنيثه مع الفاعل المؤنّث

 حول امتناع إبليس من السجود

 الشفاعة في البرزخ

 في أمر المترفين بالفسق وإهلاكهم

 التشبيه في قوله تعالى: {وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ}

 هل الغضب وغيره من الانفعالات ممّا يقدح بالعصمة؟

 كيف يعطي الله تعالى فرعون وملأه زينة وأموالاً ليضلّوا عن سبيله؟

 كيف لا يقبل الباري عزّ وجلّ شيئاً حتى العدل {وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ}؟

 حول المراد من التخفيف عن المقاتلين بسبب ضعفهم



. :  أسئلة وأجوبة متنوعة  : .
 ما هي الآية التي تدلّ على وجوب دفع الخُمس ؟

 ما الدليل على طراوة القرآن؟

 أثر العقوق في التنزّل الروحي

 يقول تعالى : ( إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا ) [ طه : 15 ] ، فهل معنى هذه الآية أن هناك من الناس من يستطيع معرفة الساعة ؟ لأن الآية صريحة : ( أَكَادُ أُخْفِيهَا ) أن الله لم يخفي الساعة ، أم هل يدل ذلك على علامات قيام الساعة كما روي في أحا

 طرق الابتعاد عن الذنوب

 كيف يكون القرآن عربيًا وهو مشتمل على مفردات غير عربية؟

 تفسير كلمة الطاغوت

 س: هل التكرار وحده يكفي لذلك؟

 هل يوجد في كتب أهل السنة أحاديث تدل على تحريف القرآن؟

 يرجى ذكر حكم النون في الكلمات التالية نظراً لأحكام النون الساكنة والتنوين:

الصوتيات :

. :  الجديد  : .
 الجزء 30 - الحزب 60 - القسم الثاني

 الجزء 30 - الحزب 60 - القسم الأول

 الجزء 30 - الحزب 59 - القسم الثاني

 الجزء 30 - الحزب 59 - القسم الأول

 الجزء 29 - الحزب 58 - القسم الثاني

 الجزء 29 - الحزب 58 - القسم الأول

 الجزء 29 - الحزب 57 - القسم الثاني

 الجزء 29 - الحزب 57 - القسم الأول

 الجزء 28 - الحزب 56 - القسم الثاني

 الجزء 28 - الحزب 56 - القسم الأول



. :  الأكثر إستماع  : .
 مقام البيات ( تلاوة ) ـ الشيخ عبدالباسط عبدالصمد (24599)

 مقام صبا ( تلاوة ) ـ حسان (12776)

 مقام البيات ( تواشيح ) ـ فرقة القدر (9655)

 مقام صبا ( تواشيح ) ـ ربي خلق طه من نور ـ طه الفشندي (9080)

 الدرس الأول (8133)

 الشیخ الزناتی-حجاز ونهاوند (7854)

 سورة الحجرات وق والانشراح والتوحيد (7333)

 آل عمران من 189 إلى 195 + الكوثر (7327)

 الدرس الأوّل (7326)

 درس رقم 1 (7254)



. :  الأكثر تحميلا  : .
 مقام البيات ( تلاوة ) ـ الشيخ عبدالباسط عبدالصمد (6603)

 مقام صبا ( تواشيح ) ـ ربي خلق طه من نور ـ طه الفشندي (4847)

 مقام النهاوند ( تلاوة ) محمد عمران ـ الاحزاب (4087)

 مقام صبا ( تلاوة ) ـ حسان (3842)

 سورة البقرة والطارق والانشراح (3535)

 مقام البيات ( تواشيح ) ـ فرقة القدر (3365)

 الدرس الأول (3213)

 تطبيق على سورة الواقعة (3066)

 الرحمن + الواقعة + الدهر الطور عراقي (3037)

 الدرس الأوّل (2980)



. :  ملفات متنوعة  : .
 الصفحة 133

 43- سورة الزخرف

 الصفحة 140

 سورة البقرة

 سورة يس

 الصفحة 591 (ق 1)

 الأعلى

 الانشقاق

 غافر 1 - 17

 سورة الماعون

الفيديو :

. :  الجديد  : .
 الأستاذ السيد نزار الهاشمي - سورة فاطر

 الأستاذ السيد محمدرضا المحمدي - سورة آل عمران

 محمد علي فروغي - سورة القمر و الرحمن و الكوثر

 محمد علي فروغي - سورة الفرقان

 محمد علي فروغي - سورة الأنعام

 أحمد الطائي _ سورة الفاتحة

 أستاذ منتظر الأسدي - سورة الإنسان

 أستاذ منتظر الأسدي - سورة البروج

 أستاذ حيدر الكعبي - سورة النازعات

 اعلان لدار السیدة رقیة (ع) للقرآن الکریم



. :  الأكثر مشاهدة  : .
 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الاول (8862)

 القارئ أحمد الدباغ - سورة الدخان 51 _ 59 + سورة النصر (8263)

 سورة الطارق - السيد محمد رضا المحمدي (7365)

 سورة الدهر ـ الاستاذ عامر الكاظمي (7034)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الثالث (6841)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الثاني (6702)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الحادي عشر (6630)

 سورة الانعام 159الى الأخيرـ الاستاذ ميثم التمار (6602)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الخامس (6598)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الرابع (6376)



. :  الأكثر تحميلا  : .
 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الاول (3056)

 القارئ أحمد الدباغ - سورة الدخان 51 _ 59 + سورة النصر (2756)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الثاني (2571)

 سورة الطارق - السيد محمد رضا المحمدي (2377)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس السابع (2298)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الرابع (2295)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الثالث (2249)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الحادي عشر (2246)

 سورة الدهر ـ الاستاذ عامر الكاظمي (2244)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الخامس (2233)



. :  ملفات متنوعة  : .
 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الاول

 تواشيح السيد مهدي الحسيني ـ مدينة القاسم(ع)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الرابع

 أحمد الطائي _ سورة الفاتحة

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الثامن

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس السادس

 لقاء مع الشيخ أبي إحسان البصري

 محمد علي فروغي - سورة القمر و الرحمن و الكوثر

 محمد علي فروغي - سورة الأنعام

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس السابع

















 

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net