00989338131045
 
 
 
 

  • الصفحة الرئيسية لقسم النصوص

التعريف بالدار :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • من نحن (2)
  • الهيكلة العامة (1)
  • المنجزات (15)
  • المراسلات (0)
  • ما قيل عن الدار (1)

المشرف العام :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • سيرته الذاتية (1)
  • كلماته التوجيهية (14)
  • مؤلفاته (4)
  • مقالاته (71)
  • إنجازاته (5)
  • لقاءاته وزياراته (14)

دروس الدار التخصصية :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • التجويد (6)
  • الحفظ (14)
  • الصوت والنغم (11)
  • القراءات السبع (5)
  • المفاهيم القرآنية (6)
  • بيانات قرآنية (10)

مؤلفات الدار ونتاجاتها :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • المناهج الدراسية (7)
  • لوائح التحكيم (1)
  • الكتب التخصصية (8)
  • الخطط والبرامج التعليمية (6)
  • التطبيقات البرمجية (11)
  • الأقراص التعليمية (14)
  • الترجمة (10)
  • مقالات المنتسبين والأعضاء (32)
  • مجلة حديث الدار (51)
  • كرّاس بناء الطفل (10)

مع الطالب :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • مقالات الأشبال (36)
  • لقاءات مع حفاظ الدار (0)
  • المتميزون والفائزون (14)
  • المسابقات القرآنية (22)
  • النشرات الأسبوعية (48)
  • الرحلات الترفيهية (12)

إعلام الدار :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • الضيوف والزيارات (160)
  • الاحتفالات والأمسيات (75)
  • الورش والدورات والندوات (62)
  • أخبار الدار (33)

المقالات القرآنية التخصصية :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • علوم القرآن الكريم (152)
  • العقائد في القرآن (62)
  • الأخلاق في القرآن (163)
  • الفقه وآيات الأحكام (11)
  • القرآن والمجتمع (69)
  • مناهج وأساليب القصص القرآني (25)
  • قصص الأنبياء (ع) (81)

دروس قرآنية تخصصية :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • التجويد (17)
  • الحفظ (5)
  • القراءات السبع (3)
  • الوقف والإبتداء (13)
  • المقامات (5)
  • علوم القرآن (1)
  • التفسير (16)

تفسير القرآن الكريم :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • علم التفسير (87)
  • تفسير السور والآيات (175)
  • تفسير الجزء الثلاثين (37)
  • أعلام المفسرين (16)

السيرة والمناسبات الخاصة :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • النبي (ص) وأهل البيت (ع) (104)
  • نساء أهل البيت (ع) (35)
  • سلسلة مصوّرة لحياة الرسول (ص) وأهل بيته (ع) (14)
  • عاشوراء والأربعين (45)
  • شهر رمضان وعيد الفطر (19)
  • الحج وعيد الأضحى (7)

اللقاءات والأخبار :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • لقاء وكالات الأنباء مع الشخصيات والمؤسسات (40)
  • لقاء مع حملة القرآن الكريم (41)
  • الأخبار القرآنية (98)

الثقافة :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • الفكر (2)
  • الدعاء (16)
  • العرفان (5)
  • الأخلاق والإرشاد (18)
  • الاجتماع وعلم النفس (12)
  • شرح وصايا الإمام الباقر (ع) (19)

البرامج والتطبيقات :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • البرامج القرآنية (3)

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية لهذا القسم
  • أرشيف مواضيع هذا القسم
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة









 
 
  • القسم الرئيسي : تفسير القرآن الكريم .

        • القسم الفرعي : تفسير السور والآيات .

              • الموضوع : رحلة الشهادة في القرآن الكریم في سورتي التوبة و آل عمران (1) .

رحلة الشهادة في القرآن الكریم في سورتي التوبة و آل عمران (1)

 آية الله الشيخ محمد مهدي الآصفي "ره"

سورة التوبة

﴿‌‌‌ان اللّه اشتری من المؤمنین أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنة... ﴾ التوبة: 111.

﴿ولا‌ تحسبنّ‌ الذین قتلوا في سـبیل اللّه أمـواتا بـل احیاء عند ربّهم یرزقون ﴾ آل عمران: 169.

القرآن الكریم‌ یشیر الی هذه النقلة الایمانیة في حیاة المؤمنین من مـحور الأنا الی محور‌ اللّه فی أروع صورة‌ وتمثیل‌:

﴿ انّ اللّه اشتری من المؤمنین أنفسهم وأموالهم بأنّ لهـم الجنة یقاتلون في سـبیل اللّه فـیقتلون ویُقتلون وعدا علیه حقا في التوراة والانجیل والقرآن ومن أوفی بعهده من اللّه فاستبشروا‌ ببیعكم الذي بایعتم به وذلك هو الفوز العظیم * التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحـافظون لحدود اللّه وبشّر المؤمنین ﴾ التوبة: 111 ـ 112.

والآیة الكریمة تعبّر عن‌ تجرّد‌ الانسان من ذاته وعلاقاته باللّه تعالی باستخدام تعبیر البیع والشراء وهو تعبیر ینطبق علی الموضوع الذي‌ نحن‌ بصدده بشكل دقیق.

وكل بیع یـتطلب اُمـورا خمسة: المشتری، والبائع، والثمن، والمثمن، ووثیقة البیع؛ والمشتري: هنا هو اللّه عزّ اسمه؛ والبائع‌: الانسان؛ والثمن: الجنة؛ والمثمن: هي النفس وعلاقاتها ومتعلقاتها، ولذّاتها وغرائزها، وحبها، وبغضها، ومیولها؛ ووثیقة البیع: التوراة، والانـجیل، والقـرآن‌.

البیع والشراء:

ویستوقفنا هنا هذا‌ التعبیر‌ الرائع‌: ﴿ ان اللّه اشتری من المؤمنین أنفسهم وأموالهم... ﴾. إنّ المؤمنین یبیعون أنفسهم وأموالهم للّه، واللّه یشتري‌ منهم‌ أنفسهم‌ وأموالهم، ولیس للبائع ـ بعد أن یتخلی‌ عن‌ نفسه وعن الأنفس العزیزة عـلیه وعـن ماله للّه، ویقبض الثمن ـ أن یتراجع أو یتردد فی تسلیم البضاعة‌، أو‌ یتحفظ فی التسلیم، أو یستقطع منها شیئا، أو‌ تحنّ نفسه الی شيء منها، فقد باع، وقبض الثمن، ولا خیار ولا رجوع ولا عودة‌ ولا‌ استقطاع‌.

وعملیة البیع هنا شـاملة، ومـستوعبة، لا تـترك للانسان شیئا‌: ﴿... أنفسهم وأموالهم... ﴾ والأنـفس هـي أنـفس المؤمنین، والأنفس العزیزة علیهم، من‌ أبناء‌ وأزواج‌ واُخوة وأعزاء؛ والأموال هي كلّ ما یملكونه من متاع وعقار ونقد‌. فلا‌ تبقی لهـم بـقیة فـی هذه الدنیا یتعلّقون بها، أو تحنّ الیها نفوسهم، مـا‌ دامـوا‌ قد قبلوا البیع، وأتموا الصفقة، وقبضوا الثمن، فهي عائدة جمیعا للّه‌، یتصرف بها كیفما یشاء، وكما یحب وكما یـرید، ولیـس للمـؤمن ان‌ یتلكأ‌ في‌ التسلیم، والعطاء، أو یتردد، فإنّ عملیة التخلّي عـن الأنفس والأموال تتم‌ طواعیة‌ باختیار الانسان ورغبته. وقیمة هذه العملیة في انّها تتم باختیار الانسان ورغبته‌ ومن‌ المـعیب‌ ان یـُتمّ الانـسان صفقة بیع، ویقبض الثمن ثم لا تسمح له نفسه بالتخلّی عن‌ البضاعة‌ أو یـتردد فـي تسلیمها أو تساوره نفسه بالفسخ والتراجع.

النقلة الكاملة:

وعملیة البیع‌ ـ وهذا هو موضع استشهادنا بهذه الآیة الكریمة ـ تعبّر عـن كـل المـسیرة والرحلة، وتطوی‌ كلّ‌ المسافة الفاصلة بین المحورین: محور (الأنا) و(المحور‌ الالهی)، فـیتخلی المـؤمن عـن نفسه ومشتهیاتها، وعلاقاتها، ولذاتها ومتعها، وعن كل علاقاته‌ في‌ هذه الدنیا للّه تعالی، بصورة كـاملة ویـنتزع نـفسه من هذا المحور‌ انتزاعا‌ كاملاً، لینقلها الی المحور الآخر ولیضعها‌ تحت‌ سلطان‌ اللّه تعالی وأمره ونـهیه.

وهذه النـقلة أوالبیعة‌ هي‌ كلّ المسیرة الانسانیة الی اللّه والمؤمنون في هذه البیعة یطوون كل تلك الرحـلة‌ الطـویلة‌ والشـاقة.

أمثلة عن النقلة الكبری‌ في‌ حیاة المسلمین‌ الاُولی‌:

ولقد كان المسلمون في صدر الاسلام یتلقون‌ هـذه‌ الحـقائق والآیات من كتاب اللّه ویفهمونها بوضوح وبساطة، ومن غیر تعقید‌ أو‌ التواء، وتتحول هذه الآیـات والمـفاهیم‌ القـرآنیة الجدیدة في نفوسهم‌ الی‌ وعي عمیق، وایمان وسلوك‌.

والیكم بعض الصور المشرقة من هذا التأریخ:

1 ـ فـي بـیعة العقبة الثانیة‌ وهي‌ التي أناف فیها رجال الأنصار‌ علی‌ السبعین‌، اجتمع رجـال‌ الأنـصار‌ الی رسـول اللّه صلی‌الله‌علیه‌و‌آله‌ عند‌ العقبة لمبایعته صلی‌الله‌علیه‌و‌آله والاتفاق معه علی قرار بخصوص الهجرة والنصرة، فقال عبد اللّه‌ بـن‌ رواحـة رحمه‌الله للنبی صلی‌الله‌علیه‌و‌آله: اشترط‌ لربّك‌ ولنفسك ما‌ شئت‌.

فقال النبي صلی‌الله‌علیه‌و‌آله: أشترط‌ لربـي أن تـعبدوه، ولا تشركوا به شیئا واشترط لنفسي: أن تمنعوني مما تمنعون‌ منه‌ أنفسكم وأموالكم.

قالوا: فإذا فعلنا‌ ذلك‌ فما‌ لنـا‌؟

قال: الجـنة.

قالوا: ربح البیع لا نقیل ولا نستقیل الجامع لاحكام القرآن للقـرطبي 8: 267..

فنزلت: ﴿ ان اللّه اشتری من المؤمنین أنفسهم‌ وأموالهم‌... ﴾ بناءً علی أن تكون الآیة مكیة والأرجح أنها مدنیة.

2 ـ وعن جابر بـن‌ عـبد‌ اللّه‌ الأنصاری‌ رحمه‌الله‌ قال‌: نزلت هذه الآیـة عـلی رسـول اللّه صلی‌الله‌علیه‌و‌آله وهو فی المسجد: ﴿ ان اللّه اشتری من المـؤمنین أنـفسهم وأموالهم... ﴾ فكبّر الناس في المسجد فأقبل‌ رجل من الأنصار، ثانیا طرفي ردائه علی عـاتقه؛ فـقال:

یا رسول اللّه أنزلت هذه الآیة؟ قـال: نـعم. فقال الأنـصاري: بـیع ربـیح لا نقیل‌ ولا‌ نستقیل (الدر‌ المنثور‌ 3: 280).

3 ـ وصورة ثالثة من هذا التـفاعل المـباشر والفهم الواضح الصافي لمفاهیم الاسلام وتصوّراته الجدیدة علی حیاة الناس وهي مـا جـاء عن عبادة بن الصامت: أنّ‌ أسـعد‌ بن زرارة أخذ بید رسـول اللّه صـلی‌الله‌علیه‌و‌آله لیلة العقبة، فقال: أیها النـاس هـل تدرون علامَ تبایعون محمدا صلی‌الله‌علیه‌و‌آله؟

إنّكم تبایعونه‌ علی‌ أن تحاربوا العربَ والعجم والجنَّ‌ والانـس‌ كـافة.

فقالوا: نحن حرب لمن حارب، وسـلم لمـن سـالم.

فقال اسعد بن زرارة: اشـترط عـليّ.

فقال: تبایعوني علی ان تشهدوا‌ أن‌ لا اله إلاّ اللّه‌ وأ‌نّی رسول اللّه، وتقیموا الصلاة، وتؤتوا الزكاة، والسمع والطاعة، ولا تنازعوا الأمر أهله، وتمنعوني مما تـمنعون انـفسكم وأهلیكم.

قالوا: نعم.

قال قائل من الانصار‌: نـعم، هـذا لك یا رسـول اللّه. فـما لنـا؟ قال: الجنّة والنصر. (الدر المنثور 3: 280).

4 ـ وصورة اخری: وهي ما أخـرجه ابـن سعد عن‌ الشعبي قال: انطلق النـبي صـلی‌الله‌علیه‌و‌آله بـالعباس بـن عـبد المطّلب، وكان‌ ذا‌ رأی، الی السـبعین مـن الانصار عند العقبة، فقال العباس: لیتكلّم متكلّمكم، ولا یطیل ‌‌الخطبة‌، فإن علیكم للمشركین عینا، وان یعلموا بكم یـفضحوكم.

فقال قـائلهم وهـو‌ ابو‌ امامة‌ أسعد: یا محمد صلی‌الله‌علیه‌و‌آله سـَلْ ربـّك مـا شـئت، ثـم سـل لنفسك ولاصحابك ما‌ شئت، ثم اخبرنا ما لنا من الثواب علی اللّه، وعلیكم، اذا فعلنا ذلك؟

فقال صلی‌الله‌علیه‌و‌آله‌: اسألكم لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شیئا، واسألكم لنفسي واصحابي ان تؤونا، وتنصرونا وتمنعونا مـما تمنعون منه انفسكم.

قال: فما لنا اذا فعلنا ذلك؟

قال: (الجنّة). فكان الشعبي اذا حدّث هذا الحدیث قال: ما سمع الشیب والشبان بخطبة أقصر ولا أبلغ منها (الدر المنثور 3: 280‌).

ولهذه الصور أمثلة كثیرة فی تأریخ الاسلام، عن‌ التفاعل‌ المـباشر مـع مفاهیم وتصوّرات الاسلام، والانصهار والذوبان الكامل في هذه المفاهیم، والتصوّرات، والفهم الواضح لها.

تكریم الانسان‌ بالبیع والشراء:

ومن عجب في‌ هذا‌ الشراء‌ أنّ الشاري سبحانه وتعالی له ملك السماوات والأرض، وله الانسان وما بیده مـن امـوال، وله أن یتصرف في كل‌ ذلك مـن‌ غیر بیع ولا شراء ومن غیر سؤال ولا‌ استئذان‌، والعبد وما في یده لمولاه.

ولكنّه عزّ وجل شاء أن یُكرم هذا الانسان، ویرفعه الی موضع التعاقد‌ والمبایعة‌ معه‌، وذلك تكریم من لدن اللّه تعالی لعباده بما یناسب‌ لطـفه وكـرمه بهم؛ وقد كان الحسن اذا قرأ هذه الآیة: ﴿ ان اللّه اشتری من المؤمنین‌ أنفسهم‌ وأموالهم‌... قال: «أنفس هو خلقها وأموال هو رزقها».

فهو سبحانه خلق الانسان وخلق له ما شاء من الطیّبات وتلك كرامة، ثـم مـلّكه ذلك‌، وتـلك‌ كرامة اخری، ثم اشتری منه ما وهبه وما ملّكه، وتلك‌ كرامة‌ ثالثة‌ ان یرفعه الی موضع التعاقد والمبایعة مـعه، ثم جعل ثمن ما یأخذه منه‌ من‌ المتاع‌ الفاني الجنّة والخـلود فـي رحـمته ورضوانه وتلك كرامة رابعة.

والعطاء جمیل علی كلّ حال‌ ولكن‌ أجمل العطاء وأفضله ما یقترن بالتكریم وقد قـرن  ‌اللّه تـعالی عطاءه لعباده بالتكریم‌ وتلك‌ غایة‌ في الكرم والتكریم، والحمد للّه ربنا الذی أكرمنا بكل هـذه الكـرامات وأكـرمنا بالاسلام‌ والتقوی‌.

البیعة:

والبیع والشراء من اللّه یستدرجنا للحدیث عن مصطلح اسلامي عریق یتصل بهذا‌ المفهوم‌ من‌ قـریب وذلك هو (البیعة).

والبیعة مشتقة من مادة البیع، ولا نعلم ما‌ اذا‌ كان له فی الجاهلیة أصل قـریب أم لا، إلاّ أنّ الاسلام‌ اتّخذ‌ هـذه‌ الكـلمة مصطلحا للالتزام والتعهد الكامل بالطاعة من قبل الاُمة للامام فیكون معنی الكلمة الالتزام الكامل‌ بالطاعة‌.

وذكروا في المناسبة التي اقتضت تسمیة هذا الالتزام بالبیعة أنّ العرب كانوا اذا‌ تبایعوا‌ تصافقوا وضرب احد المـتبایعین بكفه علی كف الآخر، وكان ذلك علامة رضاهما بالبیع والتزامهما به‌.

وقد أمضت السُنّة هذه الطریقة في التعبیر عن التعهد والالتزام بالطاعة تجاه الامام‌؛ فكان المسلمون اذا بایعوا رسول اللّه استلموا‌ كفّه‌ ایذانا‌ بالالتزام بـالطاعة، ویـسمی هذا الالتزام بهذه‌ المناسبة‌: بیعة ومبایعة؛ ومن غیر المستبعد أن تكون المناسبة في هذا المصطلح‌ أنّ‌ هذا الالتزام من مقولة البیع‌، ففي البیع‌ یتخلی‌ البائع‌ عن المتاع الذي یملكه بشكل كامل‌ فـي‌ مـقابل ما یتلقاه من الثمن، واذا أوجب البیع فلا یحق له‌ ان‌ یتراجع عمّا امضاه.

وكذلك الأمر في‌ الالتزام بالطاعة (البیعة‌) فإن المرء اذا دخل البیعة‌ والتزم‌ بالطاعة فلیس له ان یتراجع أو یتخلی عن عـهده والتـزامه؛ فقد امضی‌ البیع‌ وقبض الثمن (الجنة) واعطی‌ اللّه‌ ماله ونفسه، والأنفس‌ العزیزة علیه، فلا‌ یحق‌ له ان یتراجع أو یتردد أو یفسخ الالتزام؛ ورحم اللّه ذلك الرجل الانصاري‌ الذي قال لرسول اللّه صلی‌الله‌علیه‌و‌آله: بیع‌ ربیح‌ لا نـقیل‌ ولا‌ نـستقیل‌.

البیعة التـجرد الكامل عن‌ الأنفس والأموال:

إنّ حـقیقة البـیعة التـخلّي الكامل عن الأنفس والأموال والالتزام الكامل بالتسلیم والطاعة في‌ مقابل‌ الثمن الكبیر وهو الجنّة؛ فان‌ حقیقة‌ الطاعة‌ هي‌ (الولاء) والتسلیم‌ للّه‌، ولا یـتمّ الولاء للّه والتـسلیم لأمـر اللّه ورسوله والانقیاد والطاعة لهما إلاّ عندما یتخلّی الانسان‌ المـسلم‌ عـن‌ كل شيء یتعلق به من الأنفس والأموال‌، ویتجرد‌ من‌ ملكیة‌ كل‌ شيء وضعه اللّه تحت تصرفه وملكه، ولا یری لنفسه حـقّا فـي شـيء منه ویری أنّ اللّه ورسوله أولی بهما منه، وهي عنده ودیعة الی حـین‌ یسترجعها اللّه تعالی منه وهذا هو جوهر البیعة؛ وعجیب أمر هذه الودیعة الالهیة، وعجیب كرم اللّه تعالی وفضله ورحمته بـعباده.

فما بـأیدینا مـن الأنفس والأموال للّه تعالی ولیس‌ لنا‌ منه شيء أودعها عندنا وهو أولی بـها، وهـو خالقها ومالكها، ثم یشتریها من عباده بعد ذلك ویعدهم بالجنة ثمنا لها ثم یودعها لدینا الی حین الدعـوة والطـلب‌.

ثم اذا شـاء بعد ذلك أنْ یسترجع ودیعته قال عزّ من قائل: ﴿من ذا الذي یقرض اللّه قرضا حـسنا فـیضاعفه له﴾ (البـقرة: 245)  سـبحانك ما أكرمك، وأكرم‌ عطایاك‌ ! وما أجملك وأجل اسماءك وصفاتك الحسنی ! وما أبخلنا وألأمنا فـنحن عـبادك الذیـن نضن بأنفسنا واموالنا عنك ! فتول اللهم لؤمنا بكرمك وشحنا‌ برحمتك‌.

البیعة میثاق (الدعوة) والدولة‌:

والبیعة میثاق، وهـذا المـیثاق یحمّل الانسان المسلم مسؤولیتین كبیرتین:

الاولی: مسؤولیة الدعوة الی اللّه تعالی والقیام باعبائها وتحمّل الخسائر المـترتبة عـلیها وتـوطین النفس لذلك.

الثانیة: مسؤولیة الدولة‌ الاسلامیة‌ وبناؤها والدفاع عنها.

وهاتان المهمّتان شاقتان عسیرتان ولا ینتهي دور الانسان ومسؤولیته تجاه الایـمان بـاللّه وبرسوله ما لم یتعهد أمر الدعوة والدولة؛ وهذه المهمة المزدوجة هي اساس معاناة وابتلاء‌ ومـتاعب‌ الانـبیاء عـلیهم‌السلام‌، فلن تستقر الدعوة، ولن تتمكن من العقول والقلوب والحیاة من دون التصدی والمواجهة ولن تشق‌ طریقها إلاّ علی انـقاض الدعـوات الجاهلیة وعلی اجساد الطغاة والجبابرة الذین‌ یحولون‌ بین‌ الناس والاستجابة لدعوة اللّه.

وما یـقال فـي الدعـوة یقال في الدولة بشكل أقوی وأوضح، فإن (‌‌الدولة‌) هي سیادة الدعوة وسلطانها علی الارض وكلمتها النافذة، ولا تستطیع الدولة‌ أن تـفرض‌ سلطان الدعوة علی الحیاة الاجتماعیة، دون أن تواجه صنوفا من العقبات‌ والتحدیات، وهذه المواجهة في طـریق تـمكین الدعوة والدولة وتذلیل العقبات تتطلب البذل‌ والتضحیة والصبر، وتوطین‌ النفس‌ لكل ذلك من قبل الامّة حاملة رسالة الدعـوة والدولة؛ فـلا بدّ من مبایعة قائد المسیرة علی البذل والعطاء والتضحیة والفداء، وان یجاهدوا خـفافا وثـقالاً، وألاّ یعیقهم عن الجهاد‌ في سبیل اللّه الأزواج والبنون والأمـوال والتـعلقات والمـواقع، وأن یتجردوا للّه تبارك وتعالی من كل ارتباط وتـعلّق عـدا الارتباط باللّه والتعلّق بالدعوة وهمومها وآلامها، ولا بُدّ أن تكون المبایعة‌ مع‌ قائد المسیرة وامـام الدعـوة ورئیس الدولة.

البیعة طاعة وتضحیة:

ولا بُدّ فـي البـیعة من أمـرین:

1 ـ الطـاعة والانـقیاد.

2 ـ التضحیة والعطاء.

قال ابن عمر: «كنّا‌ نـبایع‌ رسـول اللّه صلی‌الله‌علیه‌و‌آله علی السمع والطاعة» (صـحیح البـخاري، كتاب الاحكام، بـاب البـیعة وصحیح مسلم، كتاب الامـارة، بـاب البیعة علی السمع والطاعة 6: 29‌. دار الفكر).

وعن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلی‌الله‌علیه‌و‌آله: « عـلی المـرء المسلم السمع والطاعة فیما أحب وأكـره، إلاّ‌ أن‌ یؤمر بمعصیة فـاذا اُمـر بمعصیة فلا سمع ولا طاعة» (مسند احمد بن حنبل 2: 17 و 142).

وعـن یـزید بن ابي عبید مولی سلمة بن الأكوع قال قلت لسلمة: علی أي شيء بـایعتم رسـول‌ اللّه‌ صلی‌الله‌علیه‌و‌آله‌ یوم الحدیبیة؟

قال: عـلی‌ الموت (صحیح مسلم، كتاب الامارة، بـاب اسـتحباب مبایعة الامام 6: 27. دار‌ الفكر‌).

فلا تستقیم الدعـوة ومـسیرتها، ولا تحقق أهـدافها مـن دونـ‌ هذین الأمرین.

والطاعة والتضحیة أمـران متلازمان وهما یساویان التخلّي الكامل عن النفس ورغباتها ومشتهیاتها للّه تبارك وتعالی؛ والجنة‌ هي‌ الثمن الذی یـتقاضاه الانـسان المؤمن ازاء ذلك.

آیة البیعة:

والبیعة بهذا‌ المحتوی‌ الرفیع لن تـكون إلاّ مـع اللّه تـعالی، وأمـّا الذیـن یبایعون النبی صـلی‌الله‌علیه‌و‌آله فـإنّما یبایعون‌ اللّه‌: ﴿ انّ الذین یبایعونك اِنّما یبایعون اللّه ید اللّه فوق أیدیهم فمن‌ نكث‌ فإنّما‌ ینكث علی نـفسه ومـن أوفـی بما عاهد علیه اللّه فسیؤتیه أجرا عظیما ﴾( الفتح: 10).

فـلا‌ تـكون‌ البـیعة بـالمحتوی الذي شـرحناه مـع طرف آخر غیر اللّه، ولا یصح ان یتجرّد‌ الانسان‌ مّما اتاه اللّه تعالی لغیر اللّه.

ولكلمة ﴿إنّما﴾ في قوله تعالی‌: ﴿ ان الذین یبایعونك انّما یبایعون اللّه... ذات دلالة عمیقة؛ فهي تأتي‌ لحصر‌ البیعة والولاء باللّه تعالی ونفي أیـة بیعة اخری غیر البیعة للّه.

﴿... ید‌ اللّه‌ فوق ایدیهم... ﴾ فالید التي یصافحونها في البیعة واِن كانت ید النبي صلی‌الله‌علیه‌و‌آله ولكنها‌ تمثل‌ ید اللّه، وعلوها من علو ید اللّه، هذه الجملة تقرر‌ عدة‌ حقائق‌ ایـمانیة وسـیاسیة في وقت واحد، فلا بدّ في هذه البیعة من ید اعلی فوق‌ ایدیهم‌، ومن دون هذا العلو لا تتم الولایة والبیعة والطاعة. ولا بدّ‌ أن‌ یكون هذا العلو علوّا حقیقیا، فاستعلاء بـعض النـاس علی بعض لیس من ذلك، وانما‌ هو‌ من الاستكبار الذی یمقته اللّه تعالی.

و ﴿ ید اللّه ﴾ هي‌ العلیا‌ في هذه البیعة ﴿... ید اللّه‌ فوق‌ ایدیهم‌... وهي وحدها الحـریّة بـالبیعة والطاعة‌ والولاء‌؛ أمّا ید النبي صـلی‌الله‌علیه‌و‌آله فـلیست هي المقصودة بالذات في هذه البیعة‌، وانّما المقصود ید‌ اللّه، وتكتسب‌ العلو‌ والولایة من اللّه.

وهذه الحقائق بمجموعها‌ ترسم‌ لنا الابعاد الكاملة لتوحید الولاء، وهو بعد (توحید الایمان بـاللّه‌) یـعتبر الاساس والركیزة لبناء المـجتمع الاسـلامي‌، وتنظیم شبكة العلاقات‌ داخل‌ المجتمع؛ فالذي یتأمّل في‌ نسیج‌ (العلاقات) داخل المجتمع الاسلامي، سواء ما یتعلّق منها بالعلاقة باللّه‌ ورسوله‌ واولیائه والقیادة الاسلامیة (العلاقة‌ العمودیة‌) أو العلاقات التي‌ تربط‌ اعظاء المـجتمع الاسـلامي بعضهم‌ ببعض‌ (العلاقات الافقیة) یجد أنّ هذه العلاقات تكوّن جمیعا شبكة واحدة ونظاما واحدا‌ یسمی‌ بـ ﴿الولاء﴾، ولیست‌ مجموعة‌ من الشبكات‌ والانظمة‌، وأنّ هذه الشبكة الواحدة‌ تنبع من مصدر واحد وهـو الارتـباط باللّه تـعالی، والولاء له (بمعنی الطاعة والنصرة‌ والحب‌) ومن هذا المصدر تتشعب وتنبع‌ العلاقات‌ العمودیة‌ والافقیة‌ الاُخری‌. وهذا هو‌ الذي‌ نـقصده بتوحید الولاء.

ولا بدّ من هذه البیعة في كل جولة للدعوة في الحـیاة، وفـي‌ كـل‌ مرة‌ تتصدی فیها الدعوة لاقامة الدولة وتتعرّض فیها‌ الدولة‌ لتحدیات‌ الجاهلیة‌، وذلك‌ لتعمیق العلاقة بالقیادة وتعمیق الاحساس بالمسؤولیة الكـبیرة ‌فـي قیام الدعوة والدولة، وتوطین النفوس للطاعة والتضحیة والتجرد للّه.

أربع بیعات في حیاة رسول اللّه صلی‌الله‌علیه‌و‌آله:

وقد دعـا‌ رسـول اللّه صـلی‌الله‌علیه‌و‌آله المسلمین الی البیعة اربع مرات في حیاته المباركة:

1 ـ بیعة العقبة الاولی.

2 ـ البیعة الكبری بالعقبة.

3 ـ بیعة الرضوان أو بـیعة الشجرة (تراجع‌ تفاصیل هذه البیعات فی كتاب «معالم المدرستین» للعلامة المحقق السید مرتضی العـسكري 1: 88 ـ 89.).

4 ـ بیعة الغدیر.

والبیعة الاولی كانت تـخص أمـر‌ التعهد‌ بالدعوة والتزامها وتبنّیها، والبیعة الثانیة والثالثة والرابعة، كانت تتعلق بأمر الدولة وبنائها وحمایتها.

البیعة الاولی:

قال عبادة بن الصامت: «...‌ بایعنا رسول اللّه صلی‌الله‌علیه‌و‌آله بیعة‌ النساء‌، وذلك قبل ان یفترض علینا الحرب، علی ان لا نشرك باللّه شیئا، ولانسرق، ولا نـزني، ولا نقتل اولادنا‌، ولا نأتی ببهتان نفتریه‌، من بین ایدینا وارجلنا، ولا نعصیه في معروف. فإن وفیتم فلكم الجنة، وان غشیتم من ذلك شیئا فاخذتم بحدّه في الدنیا فهو كفارة له، وان سترتم‌ علیه‌ الی یوم القیامة فأمركم الی اللّه عـزّ وجـل، ان شاء عذّب، وان شاء غفر »( سـیرة ابـن هـشام 2: 75. ط. مصطفی البابي الحلبي).

البیعة الثانیة:

قال كعب بن مالك: «خرجنا من المدینة للحج‌ وتواعدنا‌ مع رسول‌ اللّه صلی‌الله‌علیه‌و‌آله بـ (العقبة) أواسط أیام التشریق، وخرجنا بعد مضی ثلث اللیل متسللین مستخفین‌، حـتی اجـتمعنا فی الشعب عند العقبة ونحن ثلاثة وسبعون رجلاً‌ وامرأتان‌، فجاء رسول اللّه ومعه عمه العباس فتكلّم رسول اللّه صلی‌الله‌علیه‌و‌آله فتلی القرآن، ودعا الی اللّه ورغّب ‌‌في‌ الاسلام ثم قال: ابایعكم علی أن تمنعوني مـما تـمنعون نساءكم واطفالكم، فأخذ‌ البراء‌ بن معرور بیده، ثم قال: نعم والذي بعثك بالحق لنمنعك مما نمنع به‌ ازُرنا (نساءنا) فبایعنا یا رسول اللّه فنحن واللّه أهل الحروب‌.

فقال ابو الهیثم بن‌ التیهان‌: یـا رسـول اللّه إنـّ بیننا وبین الرجال حبالاً، وانـّا قـاطعوها (یـعنی الیهود) فهل عسیت إن نحن فعلنا ذلك ثم اظهرك اللّه ان ترجع الی قومك وتدعنا؟ فتبسّم رسول اللّه صلی‌الله‌علیه‌و‌آله ثم قال: بل الدم الدم والهدم الهدم ،اي ذمتي ذمتكم وحرمتي حرمتكم (سیرة ابن هـشام 2: 84 ـ 85).

قال‌ ابن قتیبة: «كانت العـرب تـقول عند الحلف والجوار دمي دمك وهدمي هدمك، اي: ما هدمت من الدماء هدمته أنا».

البیعة الثالثة:

وهي بیعة الرضوان أو‌ «بیعة الشجرة» فـي سـنة سـبع من الهجرة استنفر رسول اللّه صلی‌الله‌علیه‌و‌آله اصحابه للعمرة، فخرج معه الف وثـلاثمائة أو الف وستمائة، ومعه سبعون بدنة، وقال: ألست‌ احمل السلاح انما خرجت معتمرا، وأحرم من ذي الحلیفة وصاروا حتی دنوا مـن الحـدیبیة عـلی تسعة امیال من مكة، فبلغ الخبر أهل مكة، فراعهم واستنفروا مـن‌ اطـاعهم‌ من‌ القبائل حولهم، وقدموا مائة‌ فارس‌ علیهم‌ خالد بن الولید أو عكرمة بن ابي جهل، فاستعدّ لهـم رسـول اللّه صـلی‌الله‌علیه‌و‌آله وقال: إنّ اللّه أمرنی بالبیعة، فأقبل‌ الناس‌ یبایعونه علی الاّ یفرّوا، وقیل بایعهم عـلی‌ الموت (امـتاع‌ الاسـماع للمقریزي: 274 ـ 291. ویراجع ابن هشام 3: 330، ط. مصطفی‌ البابي‌ الحلبي. وقد نقلنا نصوص البیعة كلّها من كـتاب مـعالم المدرستین عن‌ المصادر‌ التي‌ أشرنا الیها فی الهامش).

البـیعة الرابـعة:

وهي بیعة الغدیر المعروفة، ومنها أخذ رسول اللّه صلی‌الله‌علیه‌و‌آله البیعة من المسلمین ـ وقد روی‌ أ نّهم‌ یـومذاك فـي غـدیر خم مائة وعشرون ألف شخص ـ لعلي‌ بن ابي طالب علیه‌السلام من بعده بالامامة وقیادة الدولة مـن بـعده والحادث معروف یرویه عدد كبیر من أرباب‌ الحدیث‌ والسیر‌ والتأریخ.

﴿ یقاتلون فی سبیل اللّه :

نعود مرة اخـری للحـدیث‌ عـن‌ آیة‌ الشهادة فی القرآن: ﴿... یقاتلون في سبیل اللّه فیقتلون ویُقتلون وعدا علیه‌ حقا‌ في التوراة والانـجیل والقـرآن... ﴾ وهذه ثلاث قضایا مقترنة ببعضها لا یمكن‌ تفكیكها‌ وتجزئتها‌ ولا یمكننا أن نفهمها فهما صـحیحا إلاّ بـهذه الصـورة المتّصلة، وضمن هذا الاطار‌ الواحد‌ الذي یرسمه القرآن ﴿یقاتلون... فیَقتلون وَیُقتلون... ﴾ وتلك هي‌ القضیة‌ الاولی‌.

وفي سـبیل اللّه ولیـس فـي سبیل الطاغوت، وعلی طریق الدعوة الی اللّه. ومن‌ أجل‌ تقریر الوهیة اللّه علی وجه الأرض وبـلوغ رضـوانه ومرضاته، وتلك القضیة‌ الثانیة‌ فی‌ هذه الكلیة.

وهذا الوعد بالجنة، وهذه الدعوة الی القتال وهذه المبایعة لا تخص الذیـن‌ قـاموا‌ مع‌ النبي الامي صلی‌الله‌علیه‌و‌آله لتطهیر الارض من الطاغوت وتقریر الوهیة اللّه علی وجه‌ الارض وانـّما هي سنة قدیمة للّه تعالی في عباده مـنذ التـوراة والانـجیل، ومنذ حیاة الانبیاء السابقین‌ علیهم‌السلام‌ الی الیوم.

وشأن هـذه الاُمـّة الیوم شأنها في زمن موسی وعیسی علیهماالسلام‌ ومن‌ قبلهما من الانبیاء والمرسلین، لن تـنال‌ رحـمة‌ اللّه‌ ورضوانه إلاّ بتحكیم الوهیة اللّه، وحـاكمیته‌ عـلی‌ وجه الأرض، ولن تـحقق حـاكمیة اللّه عـلی وجه الارض إلاّ من خلال‌ هذه‌ المعاناة والقـتال والدمـاء: ﴿ أم‌ حسبتم أن‌ تدخلوا‌ الجنة‌ ولما یأتكم مثل الذین خلوا من‌ قـبلكم‌ مـستهم البأساء والضراء... ﴾ (البـقرة: 214) ، مسیرة واحدة مخضبة بـالدم، منذ‌ عهد‌ موسی وعـیسی عـلیهماالسلام، ومن قبلهما‌ من الانبیاء الی ان یـتولی‌ المهدی من آل محمد علیه‌السلام‌ تطهیر‌ الأرض من رجس الطغاة وعبثهم وفسادهم والی أن تقوم القیامة، ویـنشر النـاس‌ للحساب‌ وتلك القضیة الثالثة فـي هـذه‌ الكـلیة‌ التی‌ یعرضها هـذا النـص‌ العجیب‌ من كتاب اللّه تـعالی‌.

حتمیة القتال في مسیرة الدعوة:

ومن هذه النقاط الثلاث نستطیع ان‌ ندرك‌ التصوّر الاسلامی الكامل لمـسألة القـتال، ضرورة‌ حتمیة من‌ ضرورات‌ الدعوة‌ الی اللّه تـعالی، ولا یـمكن تفكیك مـسیرة الدعـوة الی اللّه عـنه، وهذه الضرورة والحتمیة لیـست قضیة جدیدة‌ في‌ مسیرة الدعوة، وانّما هی ضرورة‌ تأریخیة‌ وحتمیة‌ من‌ الحتمیات‌ التأریخیة للدعوة الی‌ اللّه‌.

فإنّ الدعوة الی اللّه لا یمكن أنْ تشق طریقها عـلی وجـه الأرض الی قـلوب النـاس وعـقولهم‌، ولا‌ یمكن أنْ تـتحرك الدعـوة الی اللّه لتحریر‌ عقول‌ الناس‌ وقلوبهم‌ من‌ «الاصر» و «الاغلال»، دون أنْ تواجه سخط الجاهلیة وتحدّیها، وغضبها، ذلك انّ الدعوة لا تـتحرك فـي خـلاء سیاسي واقتصادي واجتماعي، وانّما تتحرك في المـساحة التـي تـحتلها الجـاهلیة مـن قـبل، أو ترید احتلالها، وتتحرك علی حساب نفوذ وسلطان وطموحات الجاهلیة فی هذه المساحات، ولا یمكن أنْ تواجه الجاهلیة‌ تقدم‌ الدعوة ومسیرتها بالسكوت والاستسلام وتفسح الطریق لها.

انّ الذین یتصوّرون أنـّ الدعوة تتحرك في منطقة فراغ سیاسیة واجتماعیة واقتصادیة بعیدون عن الواقع وعلی درجة عالیة من السذاجة والبساطة في‌ فهم‌ الاُمور، والأمر الواقع ان الانسان الذي تحرره الدعوة من الاصر والاغلال یخسره الطـاغوت ولن یـعود اداة طیّعة له، وموضعا لاستثماره. وعلیه‌ فلا یمكن أنْ تتقدم الدعوة‌ علی‌ وجه الأرض من دون أنْ تواجه تحدیا قویا من الجاهلیة، ومواجهة حادّة من الطاغوت ومعارضة بكل الوسائل الممكنة من قبل اقـطاب الجـاهلیة وأئمة‌ الكفر‌.

وللجاهلیة محاور وولاءات كثیرة‌، لكنها جمیعا تجتمع عند هذه النقطة في مواجهة محور الولاء للّه، وتتناسی كل ما لدیها من خلافات قدیمة وحدیثة، لمواجهة العـدو المـشترك الذي یصادر وجودها جمیعا.

إنّ الجاهلیة‌ فـیما‌ بـینها ولاءات متعددة ومتقاطعة احیانا ولكنّها في مواجهة الاسلام كتلة واحدة وبراءة واحدة، وهذه الحقیقة تجعل من الجاهلیة مواجهة صارمة وعنیفة لمسیرة الدعوة.

المواجهة المصیریة بین الاسلام والجاهلیة:

هذا هـو‌ التـصوّر‌ الواقعي لمسیرة‌ الدعوة والمـواجهة الجـاهلیة لها، ولا تنتهي هذه المواجهة والتحدي الجاهلي إلاّ عند التصفیة الكاملة لحركة الدعوة‌ والمصادرة الكاملة لارادة الانسان، والسیطرة الكاملة علی كل مساحات الدعوة‌، والانهاء‌ الكامل لكل مراكز ومواقع الدعوة الی اللّه، وكل مراكز ومواقع الاسـتجابة لدعـوة اللّه تعالی والی هذه ‌‌الحقیقة‌ في تركیب وبنیة الجاهلیة یشیر القرآن الكریم: ﴿... ولولا دفع اللّه‌ الناس‌ بعضهم‌ ببعض لهدمت صوامع وبیع وصلوات ومساجد یذكر فیها اسم اللّه كثیرا... ﴾( الحج: 40) ، لا‌ تتوقف الجاهلیة إلاّ عند تصفیة هذه المـراكز جـمیعا: البیع، والصـلوات، والمساجد، وكل موقع‌ ومركز‌ یذكر فیه اسم اللّه ویدعا فیه الی اللّه تعالی.

ولا سبیل الی ایقاف الجاهلیة وصدّها عن العدوان وعـن الفتنة فی طریق الدعوة إلاّ بالقتال والجهاد واستئصال الكفر والجاهلیة ﴿ وقاتلوهم حـتی‌ لا تـكون فـتنة ویكون الدین للّه... ﴾ (البقرة: 193‌).

فالقتال اذن ضرورة من ضرورات الدعوة، ولا یمكن أن تنطلق مسیرة الدعوة علی وجه الأرض من دون قتال ودم، ولا‌ یمكن‌ أن تـؤدي ‌الدعـوة رسالتها علی وجه الأرض دون أن تعدّ الاعداد الكامل لهذه الحرب المصیریة والحضاریة ودون ان توطن نفسها لهـذه المـواجهة العـنیفة التي لا ترحم صغیرا ولا كبیرا؛ والتفكیر‌ فی المصالحة والهدنة والتفاهم مع الجاهلیة تفكیر ساذج، وغیر واقـعي وغیر مبدئي في نفس الوقت. فلیس لنا مع الجاهلیة، والطاغوت غیر خـیار واحد، وقرار واحد، وهـو الاسـتمرار في القتال (ضمن مراحل العمل والحركة) حتی یتم القضاء الكامل علی الجاهلیة وبها یتم القضاء الكامل علی الفتنة‌ علی‌ وجه‌ الأرض: ﴿ وقاتلوهم حتی‌ لا‌ تكون‌ فتنة ویكون الدین للّه... ﴾.

الایمان باللّه یساوي التخلّي عن الأنفس والأموال:

ولا بُدّ أنْ نقف وقفة اُخری‌ عند‌ كلمة: ﴿ ان اللّه اشتری من المؤمنین أنـفسهم وأمـوالهم... ﴾ فـإنّ الآیة الكریمة تفرز‌ قضیة‌ هذا البیع والشراء بصیغة الماضي، ولیس بـصیغة المـضارع ﴿ ان اللّه‌ اشتری‌ من المؤمنین... ﴾ من كل المؤمنین‌ دون‌ تخصیص‌.

إ نّها لآیة رهیبة حقّا تهز الانسان‌ مـن‌ الأعـماق وتـشعر الانسان بعمق معنی الایمان وبثقل الایمان الكبیر، فكل ایمان بیعة‌ مع‌ اللّه، وكـل مـن آمـن‌ فقد‌ باع نفسه‌ للّه‌ وتخلّی‌ عن نفسه وماله له تعالی من‌ دون‌ تردد، إنّ القـضیة اعـمق مـن الاستعداد للتخلي، انّه هو التخلّي‌ الفعلي عن النفس والمال للّه، وهذا‌ هو معنی (البیع‌) و (الشـراء) ولیـس‌ الاستعداد‌ للتنازل عن الأنفس والأموال، وانّما التخلّي الفعلي عن كل شیء یملكه للّه‌ تـعالی‌ مـن دون تردد، ولا‌ تراجع‌، ولا نظرة الی‌ الوراء‌، فقد تمّ البیع‌ وتمت‌ الصفقة وحسم الأمر، فلا اِقالة ولا رجـعة.

وهكذا كـان یفهم المسلمون الأوائل هذه‌ الآیة‌ الكریمة عندما كبّروا لمّا تلا رسول‌ اللّه‌ صلی‌الله‌علیه‌و‌آله هـذه‌ الآیـة‌ المـباركة‌ علیهم، وقال قائلهم‌: «بیع ربیح لا نقیل ولا نستقیل».

وثیقة البیع:

وأ مّا الوفاء بالثمن‌ ووثیقة‌ البیع فإنّ الشـاري هـو اللّه تعالی‌ وهو‌ المتعهد‌ بالثمن‌، ومن أوفی بعهده‌ من‌ اللّه؟ وانّ المؤمن لیتصور هذا الثـمن الكـبیر البـاقي لهذه البضاعة، ثم یعلم أنّ اللّه تعالی‌ هو‌ الذي‌ یتولی الوفاء بهذا العهد فتمتلئ نفسه غـبطة‌ وراحـة‌ ویـقینا‌ ویطمئن‌ قلبه‌ بعهد‌ اللّه تعالی ومیثاقه.

ومن عجیب أمر هذا البیع والشراء وثیقة هـذا البـیع، فإنّ وثائق البیوع تختلف باختلاف أهمیة درجة البیع وقیمته، واذا كان المشتري في‌ هذا البیع هو اللّه تـعالی والبـضاعة هی الأنفس والأموال والثمن الجنة، فلا بُدّ أن تكون وثیقة هذا البیع عـلی قـدر قیمته، وأعزّ الوثائق كتب اللّه تعالی والواح الوحي‌ المـرسلة‌ الی انـبیائه؛ ووثـیقة هذا البیع من هذا النوع: التوراة والانـجیل والقـرآن، وناهیك بها من وثائق تبعث الطمأنینة والثقة في اضعف النفوس.

ولأمر ما یأتي فـي هـذه‌ الآیة‌ الكریمة تأكید الموثق فـي هـذا البیع ویـأتي ذكـر المـواثیق الذي سجل اللّه تعالی فیه عهده لعباده بـالجنة ویـأتي قوله تعالی: ﴿... ومن‌ أوفی بعهده من اللّه.. ﴾ (التوبة: 111).

فإنّ القلوب كلما كانت تطمئن أكـثر لوعـد اللّه أقدمت علی هذه المبایعة مع اللّه بـثقة ویقین أكبر. والضعف فـي الاطـمئنان لا ینافي‌ الایمان‌؛ فقد یكون الانـسان‌ مـؤمنا‌ ولكن لم یبلغ في تعامله مع اللّه تعالی درجة عالیة من الیقین والاطمئنان، ومثل هـذا الایـمان یشوبه الكثیر من الضعف والتـخلف عـند المـبایعة والاستجابة لدعوة اللّه تـعالی.

واما عـندما‌ ترتفع‌ درجة ثقة الانـسان بـوعد اللّه تعالی الی مستوی (الطمأنینة) و (الیقین) فإنّ الأمر یختلف بالنسبة الیه اختلافا كبیرا وتكاد تكون (الجـنة) ثـمنا مقبوضا والبیع‌ نقدا‌، ولیس‌ الثمن مـوعودا.

إنّ الذیـن رزقهم اللّه الطـمأنینة والیـقین یـرون وعد اللّه حاضرا ویرون الجـنة ماثلة أمام أعینهم‌، فلا یشكون، ولا یترددون، ولا یحجمون، ولا‌ یساورهم‌ شك‌ ولا ریب، ویقدمون علی المبایعة مع اللّه، مـن دون خـوف، أو ‌‌تراجع‌، أو نظر الی الوراء، ویقدّمون أنفسهم وأموالهم للّه بـبساطة وارتـیاح ومـن‌ غـیر‌ مـعاناة‌.

روی مسلم أنّ رسـول اللّه صـلی‌الله‌علیه‌و‌آله قال لأصحابه یوم بدر: «قوموا الی جنة‌ عرضها السماوات والأرض.

قال عمر بن حمام الانصاري: یا رسول اللّه جنة‌ عـرضها السـماوات والأرض؟

قال: نـعم.

قال: بخٍ بخٍ.

فقال رسول اللّه صلی‌الله‌علیه‌و‌آله: ما یحملك عـلی قـولك بـخٍ بـخٍ.

قال: لا واللّه یـا رسـول اللّه إلاّ رجاء أن اكون من أهلها.

قال: فإنّك من اهلها.

فأخرج تمرات من قربه، فجعل یأكل منهن.

ثم قال: لئن أنا حییت حتی آكل تمراتي هذه انها لحیاة طویلة.

قال: فرمی بما كان مـعه من‌ التمر‌ ثم قاتلهم حتی قُتل» (الجامع الصحیح لمسلم 6: 44، كـتاب الامـارة باب ثبوت الجنة للشهید.).

وروی مسلم عن ابي بكر بن عبد اللّه بن قیس عن أبیه قال: «سمعت أبي، وهو بحضرة العدو یقول: قال‌ رسول‌ اللّه صلی‌الله‌علیه‌و‌آله: إنّ ابواب الجنة تـحت ظـلال السیوف. فقام رجل رثّ الهیئة فقال: یا أبا موسی انت سمعت رسول اللّه صلی‌الله‌علیه‌و‌آله یقول هذا؟ قال: نعم‌، قال: فرجع الی اصحابه، فقال: اقرأ علیكم السلام، ثم كسر جفن سیفه فـألقاه، ثـم مشی بسیفه الی العدو، فضرب به حتی قُتل» (الجامع الصحیح لمسلم 6: 45، كتاب الامارة باب ثبوت الجنة للشهید).

بمثل هذه البساطة والثقة والطمأنینة‌ كانوا‌ یتعاملون‌ مع اللّه تعالی؛ وقد هازل بریر عبد الرحمن الانصاري (لیلة عاشوراء )، فقال له عبد الرحمن‌ الأنصاریي: ما هذه ساعة باطل ! فقال بریر: لقد عـلم‌ قـومي ما أحببت الباطل كـهلاً ولا شـابا، ولكني مستبشر بما نحن لاقون؛ واللّه ما بیننا وبین‌ الحور‌ العین‌ إلاّ ان یمیل علینا هؤلاء بأسیافهم، ولوددت أ نّهم مالوا‌ علینا‌ الساعة» (تأریخ الطـبري 6: 241).

وخرج حبیب بن مظاهر یضحك، فقال له یزید بن الحصین: ما‌ هذه‌ سـاعة‌ ضـحك یا حبیب !

قال حبیب: وأي موضع أحق بالسرور من هذا‌؟ ما‌ هو إلاّ أن یمیل علینا هؤلاء بأسیافهم فنعانق الحور (مقتل المقرّم: 238).

روی عن جابر أنّ‌ رجلاً‌ قال‌ (فی ساحة المعركة ): «أین أنا یا رسول اللّه ان قتلت‌؟ قال: فـي الجـنة. فألقی تـمرات كن في یده، ثم قاتل‌ حتی‌ قُتل» (صحیح‌ مسلم‌ 6: 43.)

والثمن هو الجنّة:

ثمّ إنّ الجنة هي الثمن فی هذه المبایعة ﴿...‌ بـأنّ‌ لهم الجنة ﴾ ویستتبع الوعد بالجنة البُشری السارة التي یزفها القرآن الی المـجاهدین‌: ﴿... فـاستبشروا بـبیعكم الذي بایعتم به وذلك هو الفوز العظیم ﴾: الجنة والبشری والفوز‌ العظیم‌.

وتنتهي الآیة الكریمة مرّة اخری بالبشارة ﴿... وبشّر المؤمنین ﴾ ان ‌جـو‌ الآیة‌ یطفح بالبشری والسرور والفوز، وهكذا یشعر الانسان عندما یقرأ هذه الآیة المـباركة انـه یـنتقل‌ فیها‌ من‌ الجنة الی البشری، ومن البشری الی الفوز العظیم، ومن الفوز‌ العظیم‌ الی البشری ثانیة.

الفوز العظیم:

وأودّ أن أقف قلیلاً عند هذه الكلمة‌ ﴿... الفوز العظیم ﴾، فـهو مصطلح‌ محدد‌ فیي كـتاب اللّه والذي یـتتبع مواضع استعمال هذه‌ الكلمة‌ فی القرآن یجد أ نّها تستعمل فی موارد متقاربة مفهوما ومترابطة أو متحدة‌ مصداقا‌، فالجنة من الفوز العظیم‌ ﴿ لكن الرسول‌ والذین‌ آمنوا‌ معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم واولئك لهم‌ الخیرات‌ واولئك هـم المفلحون * أعدّ اللّه لهم جنات تجری من تحتها الأنهار‌ خالدین‌ فیها ذلك الفوز العظیم ﴾ (التوبة: 88 ـ 89) والمبایعة‌ مع اللّه من الفوز‌ العظیم‌: ﴿... فاستبشروا ببیعكم‌ الذي‌ بایعتم به وذلك هو الفوز العظیم ﴾ (التوبة: 111).

وطاعة اللّه وطاعة رسوله (ولایة‌ اللّه) من الفـوز العـظیم‌: ﴿... ومن یطع‌ اللّه‌ ورسوله فقد فاز فوزا‌ عظیما‌ ﴾ (الاحزاب: 71)

ورضوان اللّه وتبادل الرضا بین العبد وربّه من الفوز العظیم: ﴿...‌ رضی اللّه عنهم ورضوا عنه ذلك‌ الفوز‌ العظیم﴾ (المائدة: 119).

ویطلق‌ علی الجنة ورضوان اللّه‌ مـعا: ﴿ وعـد اللّه المؤمنین والمؤمنات جنات تجری من تحتها الأنهار خالدین فیها ومساكن‌ طیّبة‌ فی جنات عدن ورضوان من اللّه‌ أكبر‌ ذلك‌ هو‌ الفوز‌ العظیم ﴾ (التوبة: 72).

ویطلق‌ علی المغفرة والرحمة الالهیة، والوقایة مـن السـیّئات ﴿ وقهم السیئات ومن تق السیئات یومئذ فقد‌ رحمته‌ وذلك‌ هو الفوز العظیم ﴾ (المـؤمن: 9).

واجمال هذه‌ المعاني‌: الرحمة‌ والمغفرة‌ الالهیة‌ ورضوان اللّه وطاعة اللّه ورسوله (ولایة اللّه والجنة) وهذه النـقاط كـما هي واضحة تعتبر بمجموعها المـحور الثـاني الذي تـحدثنا عنه في هذه التأملات في مسیرة الانسان الی اللّه والذي‌ یقابل‌ محور (الأنا) و (الذات).

وعلیه فإنّ الثمن في هذه الآیة الكریمة من جنس البیع وهـو (الفـوز العـظیم) ولیس من نوع آخر كما فیي سائر‌ البـیوع، حـیث یختلف البیع عن الثمن وهذه من لطائف ورقاق القرآن في هذه الآیة الكریمة.

فالفوز العظیم في الحقیقة هو التجرد مـن‌ مـحور‌ الأنـا والارتباط بمحور ولایة اللّه‌، والخروج من دائرة نفوذ سلطان الأنا والدخـول في دائرة ولایة اللّه وطاعته ورحمته ومغفرته.

وهذا هو الفوز العظیم ـ في رحلة الانسان الكبری الی‌ اللّه‌ ـ في الدنیا وفي‌ الآخـرة‌، وهـو یـشمل الانسان في الآخرة كما یناله في الدنیا علی نحو سواء.

والمتأمل فـي هـذه الآیة المباركة: ﴿الذین آمنوا وكانوا یتقون * لهم البشری فی الحیاة الدنیا‌ وفي‌ الآخرة لا تبدیل لكلمات اللّه ذلك هـو الفـوز العـظیم﴾ (یونس: 63 ـ ‌‌64‌) یجد أنّ الفوز العظیم هو تحرر الانسان وانطلاقه من أسر (الأنا) والشـهوات وارتـباطه بـاللّه تعالی، وهو لا‌ یخصّ‌ الآخرة وإنّما‌ یشمل الانسان في الدنیا والآخرة.

فإنّ الجنة هي الفوز العـظیم وهـي مـآل الفائزین برحمة اللّه والمنزل الذي‌ أعده اللّه تعالی لهم في الآخرة، فالفوز العظیم اذن هو‌ مبایعة‌ اللّه تـعالی وتسلیم الأنفس والأموال له وهو في نفس الوقت ثمن هذا البیع (لست ارید أن اقـول إن الجـنة هی مبایعة اللّه تعالی وتسلیم الأنفس‌ والأموال‌ للّه‌، وانّما ارید ان اقول إنّ المبایعة للّه هی الفـوز العـظیم فیتحد البیع والثمن؛ والجنة هي الدار التی اعدها اللّه تعالی في الآخرة للفائزین الصالحین مـن عـباده‌.).

صفة الذیـن باعوا أنفسهم‌ للّه‌:

ثم تصف الآیة الكریمة هؤلاء الذین باعوا انفسهم للّه بأ نّهم: ﴿ التائبون العابدون الحـامدون السـائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود اللّه وبشّر المؤمنین ﴾ (التوبة: 112).

تـائبون عـائدون الی اللّه، اقـلعوا عن الذنوب وفرّوا الی اللّه تعالی.

عابدون حامدون شوقا الی اللّه تعالی، واُنسا بذكره وعبادته، لأ نّهم وجدوا اللّه أهلاً للعبادة فـعبدوه واهـلاً‌ للحـمد‌ والثناء فحمدوه.

وسائحون: وقد اختلف المفسرون في تفسیر هذه الكلمة فقالوا: إ نّها بـمعنی الصـیام، وقیل: إ نّها بمعنی الجهاد، وقیل: إ نّها بمعنی‌ التأمل‌ والسیاحة الفكریة في آیات اللّه، وهو المعنی الذي اُرجحه هـنا.

الراكعون السـاجدون للّه، والركوع والسجود أقصی درجات الخضوع والتذلل بین یدی اللّه یجسّدان حالة الخشوع والخـضوع والاخـبات‌ والانابة‌ عند المؤمنین: ﴿... الآمرون بالمعروف والناهون عـن المـنكر... ﴾ ﴿ والحـافظون لحدود اللّه... والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هـو الرقـابة علی تنفیذ أحكام اللّه‌ ومراقبتها‌. وحفظ حدود اللّه هو تنفیذها‌، والعمل‌ بها.

فهؤلاء المجاهدون اذن مـنفّذون لاحـكام اللّه، عاملون بحدود اللّه، وفي نفس الوقـت یـراقبون تنفیذها، یـنفذون احـكام اللّه بأنفسهم‌، ویراقبون تنفیذها في حیاة الآخـرین، فـهم یشعرون‌ بالمسؤولیة‌ تجاه حدود اللّه وأحكامه في حیاتهم وفي حیاة الآخرین.

 

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/07/02   ||   القرّاء : 3817





 
 

كلمات من نور :

زينوا القرآن بأصواتكم .

البحث في القسم :


  

جديد القسم :



 تجلّي آيات من القرآن الكريم في سيرة الإمام الحسين (عليه السلام)

 الامام الحسن (عليه السلام) بين جهل الخواص وخذلان العوام

 ظاهرة الحروف المقطعة في فواتح سور القرآن - درس التفسير 1

 التدبر المضموني والبنيوي في الحروف المقطعة - الدرس 2

 ذكر فضائل علي اقتداءٌ برسول الله

 وفد من الكويت في زيارة للدار

 رئيس القساوسة في جورجيا يزور دار السيدة رقية (ع)

 دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم تحقق المركز الأول لجائزة 114 القرآنية العالمية

 الختمة القرآنية المجوّدة للدكتور القارئ رافع العامري

 المصحف المرتل بصوت القارئ الحاج مصطفى آل إبراهيم الطائي

ملفات متنوعة :



 حلقات في شرح وصايا الإمام الباقر (عليه السلام) - 11 *

 صدر حديثاً كتاب: حلية القرآن الكريم اعداد الأستاذ السيد محمدرضا محمدي

 النشرة الاسبوعية العدد (61)

 الأبوان ودروهما في التربية

 النبي آدم (ع)

 حياة الإمام محمد الجواد (ع)

 القرآن و يوم الغدير

 إشراقة قدسية مع النورين الفاطميين: الزهراء والمعصومة (سلام الله عليهما)

 النبي شعيب (ع)

 إعلان نتائج الدورة الثانية لطلاب قسم التلاوة في دار السيدة رقية (ع)

إحصاءات النصوص :

  • الأقسام الرئيسية : 13

  • الأقسام الفرعية : 71

  • عدد المواضيع : 2213

  • التصفحات : 15415704

  • التاريخ : 28/03/2024 - 23:23

المكتبة :

. :  الجديد  : .
 الميزان في تفسير القرآن (الجزء العشرون)

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء التاسع عشر)

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء الثامن عشر)

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء السابع عشر)

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء السادس عشر)

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء الخامس عشر)

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء الرابع عشر)

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء الثالث عشر)

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء الثاني عشر)

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء الحادي عشر)



. :  كتب متنوعة  : .
 القرآن الكريم ( حسب السور)

 البرهان على عدم تحريف القرآن

 تلخيص المتشابه في الرسم

 أفكار مساعدة لتعليم القرآن الكريم 1

 قواعد حفظ القرآن الكريم وطرق تعليمه

 الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل (الجزء السابع عشر

 المدخل إلى سُنن التاريخ في القرآن الكريم

 مجاز القرآن خصائصه الفنية وبلاغته العربية

 تفسير الصافي ( الجزء الخامس )

 دروس في التفسير التربوي

الأسئلة والأجوبة :

. :  الجديد  : .
 إمكان صدور أكثر من سبب نزول للآية الواحدة

 تذكير الفعل أو تأنيثه مع الفاعل المؤنّث

 حول امتناع إبليس من السجود

 الشفاعة في البرزخ

 في أمر المترفين بالفسق وإهلاكهم

 التشبيه في قوله تعالى: {وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ}

 هل الغضب وغيره من الانفعالات ممّا يقدح بالعصمة؟

 كيف يعطي الله تعالى فرعون وملأه زينة وأموالاً ليضلّوا عن سبيله؟

 كيف لا يقبل الباري عزّ وجلّ شيئاً حتى العدل {وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ}؟

 حول المراد من التخفيف عن المقاتلين بسبب ضعفهم



. :  أسئلة وأجوبة متنوعة  : .
 ما هو المقصود من صفتي «العدل» و«الإحسان» في الآية (انَّ اللّه يأمر بالعدل و الاحسان)؟

 حول تكافؤ المجازاة مع مقدار العمل

 هل يجب على المرأة عدم إظهار شعرها عند قراءة القرآن؟

 لمَ يُحرق جميع المعبودين بالباطل ؟

 ما هو سرّ التفكيك بين البحوث الروائية و البحوث التفسيرية في تفسيري الميزان و التسنيم؟

 معنى إن الله على كلّ شيء قدير

 هل يجب السجود عند الاستماع لآية السجدة..

 هل القرآن الموجود الآن بين أيدي المسلمين هو نفس القرآن الذي نزل على الرسول الاعظم (ص) ، لا زيادة ولا نقصان فيه ؟

 كيف يمكن بناء وتقوية العلاقة بين المؤسَّسات القرآنيّة والاُسرة والمجتمع؟

 النبوّة العامة

الصوتيات :

. :  الجديد  : .
 الجزء 30 - الحزب 60 - القسم الثاني

 الجزء 30 - الحزب 60 - القسم الأول

 الجزء 30 - الحزب 59 - القسم الثاني

 الجزء 30 - الحزب 59 - القسم الأول

 الجزء 29 - الحزب 58 - القسم الثاني

 الجزء 29 - الحزب 58 - القسم الأول

 الجزء 29 - الحزب 57 - القسم الثاني

 الجزء 29 - الحزب 57 - القسم الأول

 الجزء 28 - الحزب 56 - القسم الثاني

 الجزء 28 - الحزب 56 - القسم الأول



. :  الأكثر إستماع  : .
 مقام البيات ( تلاوة ) ـ الشيخ عبدالباسط عبدالصمد (24560)

 مقام صبا ( تلاوة ) ـ حسان (12749)

 مقام البيات ( تواشيح ) ـ فرقة القدر (9630)

 مقام صبا ( تواشيح ) ـ ربي خلق طه من نور ـ طه الفشندي (9058)

 الدرس الأول (8106)

 الشیخ الزناتی-حجاز ونهاوند (7829)

 سورة الحجرات وق والانشراح والتوحيد (7301)

 الدرس الأوّل (7293)

 آل عمران من 189 إلى 195 + الكوثر (7293)

 درس رقم 1 (7227)



. :  الأكثر تحميلا  : .
 مقام البيات ( تلاوة ) ـ الشيخ عبدالباسط عبدالصمد (6592)

 مقام صبا ( تواشيح ) ـ ربي خلق طه من نور ـ طه الفشندي (4836)

 مقام النهاوند ( تلاوة ) محمد عمران ـ الاحزاب (4079)

 مقام صبا ( تلاوة ) ـ حسان (3831)

 سورة البقرة والطارق والانشراح (3527)

 مقام البيات ( تواشيح ) ـ فرقة القدر (3357)

 الدرس الأول (3198)

 تطبيق على سورة الواقعة (3056)

 الرحمن + الواقعة + الدهر الطور عراقي (3023)

 الدرس الأوّل (2968)



. :  ملفات متنوعة  : .
 سورة المطففين

 اهل الدنيا

 سورة التكوير

 المزمل 1 - 18

 سورة هود من آية 69 ـ 83

 الصفحة 231

 الكوثر

 النساء 95 - 114

 فاطر 27 إلى النهاية + النازعات

 المزمل

الفيديو :

. :  الجديد  : .
 الأستاذ السيد نزار الهاشمي - سورة فاطر

 الأستاذ السيد محمدرضا المحمدي - سورة آل عمران

 محمد علي فروغي - سورة القمر و الرحمن و الكوثر

 محمد علي فروغي - سورة الفرقان

 محمد علي فروغي - سورة الأنعام

 أحمد الطائي _ سورة الفاتحة

 أستاذ منتظر الأسدي - سورة الإنسان

 أستاذ منتظر الأسدي - سورة البروج

 أستاذ حيدر الكعبي - سورة النازعات

 اعلان لدار السیدة رقیة (ع) للقرآن الکریم



. :  الأكثر مشاهدة  : .
 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الاول (8839)

 القارئ أحمد الدباغ - سورة الدخان 51 _ 59 + سورة النصر (8245)

 سورة الطارق - السيد محمد رضا المحمدي (7337)

 سورة الدهر ـ الاستاذ عامر الكاظمي (7010)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الثالث (6816)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الثاني (6680)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الحادي عشر (6606)

 سورة الانعام 159الى الأخيرـ الاستاذ ميثم التمار (6581)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الخامس (6578)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الرابع (6354)



. :  الأكثر تحميلا  : .
 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الاول (3045)

 القارئ أحمد الدباغ - سورة الدخان 51 _ 59 + سورة النصر (2745)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الثاني (2560)

 سورة الطارق - السيد محمد رضا المحمدي (2369)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس السابع (2287)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الرابع (2283)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الثالث (2240)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الحادي عشر (2239)

 سورة الدهر ـ الاستاذ عامر الكاظمي (2230)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الخامس (2226)



. :  ملفات متنوعة  : .
 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الثامن

 الأستاذ السيد محمدرضا المحمدي - سورة آل عمران

 الفلم الوثائقي حول الدار أصدار قناة المعارف 2

 تواشيح السيد مهدي الحسيني ـ مدينة القاسم(ع)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الرابع

 محمد علي فروغي - سورة الفرقان

 السيد عادل العلوي - في رحاب القرآن

 سورة الرعد 15-22 - الاستاذ رافع العامري

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الثاني

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الاول

















 

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net