الشَيخُ المُفيد مُفَسِّرا
صائب عبد الحميد
الشيخ المُفيد ( * ) :
هو محمّد بن محمّد بن النعمان بن عبد السلام ، أبو عبد الله الحارثي ، العُكْبري ، البغدادي ، يُرفَع نسبه إلى قحطان مُتَّصل ، ويُعرَف أيضاً بابن المُعلِّم .
المُتولِّد في الحادي عشر ، مِن ذي القعدة ، مِن سنة 338 هـ ، أو 336 هـ ، بمدينة عُكبرا شمالي بغداد على الضفَّة الشرقيَّة لنهر دجلة ، والمُتوفَّى لليلتين خَلَتا مِن شهر رمضان في سنة 413هـ .
المُقدَّم في شَتَّى فنون العلم ؛ الفِقه وأُصوله ، والقرآن وتفسيره ، والحديث وعلومه ، واللغة وآدابها ، والكلام ومسالكه ، والتاريخ وأيَّامه ، حتَّى عُرِف في مصادر ترجمته بأوحد عصره .
لم يترك باباً ، إلاَّ وصَنَّف فيه وأبدع ، فعلا صيتُه ، وامتدَّت شهرته ، وتعاظم مَجده ، وعُرِف دائماً بصاحب التصانيف البديعة .
وعلى يديه تخرَّج فطاحل الأُمَّة وأشرافها : كالشريفين العَلَمين الرضي والمُرتضى ، وشيخ الطائفة الطوسي ، وأبي الفتح الكراجكي ، وطبقتهم .
وعاصره مِن أئمَّة العلوم : القاضي عبد الجبَّار ، وأبو بكر الباقلاَّني ، وعلي بن عيسى الرمَّاني ، وأبو بكر الجُعابي ، والثعالبي المُفسِّر ، وابن النديم صاحب الفهرست ، وطبقتهم .
هذه الدراسة :
هذه الدراسة إطلالة على ثروةٍ قرآنيَّةٍ هائلة ، ما زالت ـ في هذا الزمن الطويل ـ مُتناثرة بين صفحات نحو خمسين مُصنَّف ، يمُرُّ عليها الدارسون قطعاً مُتفرِّقة تحت عناوين شتَّى . تلك هي كلمات الشيخ المُفيد ، في معاني القرآن وتفسيره ، التي انتشرت في كتبه بغزارة ، لم تُعهد عند غيره ، مِن أصحاب التصانيف ؛ حيث طغى النَّصُّ القرآني على احتجاجاته واستنباطاته ، وشروحه وإيضاحاته ، وعلى كلِّ دراساته حتَّى أصبح مِن المُمكِن أنْ توضع جميع بحوثه تحت عنوان ( في ظِلال القرآن الكريم ) .
وما أنْ انبعثتُ بين تلك النصوص ، أُقارب بين أطرافها ، وأوصل بين نهاياتها ، حتَّى وجدت نفسي مُمْسكاً بمفاتح منهج مُتكامِل ، ومُحكَم مَتين في تفسير القرآن الكريم ، ناهيك عن الثروة الجَمَّة ، في تفسير العديد مِن آي الكتاب المجيد ، وكشف غوامضها وإيضاح مُبهماتها .
وسوف تتناول هذه الدراسة المُقتضبة ، أهمَّ معالم هذا المنهج في التفسير ، قَدَّمتُ لها بعرضٍ موجَزٍ ، لجود الشيخ المُفيد في التفسير وعلوم القرآن .
أهميَّة هذه الدراسة :
تتلخَّص أهميَّة هذه الدراسة في النقاط التالية :
أوَّلاً : التعريف بالشيخ المُفيد ، مُفسِّراً ، إماماً في التفسير ، مُقدَّماً فيه كتقدُّمه في سائر العلوم .
ثانياً : الوقوف على معالم مَنهجه في التفسير ، الذي سنرى أنَّه المنهج الأمثل، الذي كان ولا يزال أصحاب التفاسير والدارسون لهم ، يُقرِّونه ويفخرون به ، مِن غير أنْ يلتفتوا إلى حقيقة أنَّ الشيخ المُفيد هو المُبدع له ، والسابق فيه .
ثالثاً : إنَّ هذه الدراسة الوجيزة ، ستدعو كلَّ مَن كتب حول التفسير عند الإماميَّة ، إلى إعادة النظر في ما كتب، بلْ إلى نقض جميع ما نُسِج مِن أحكام أُطلقت جُزافاً ؛ وذلك حين يقف هنا على كلِّ ما يُنشده عُشَّاق الحقيقة والمُتحمِّسون لنُصرة القرن الكريم ؛ حيث إنَّ الروح العالية ، التي تهذَّبت بآداب القرآن ، وتعلَّقت بأهدافه الكبرى ، تفخر دائماً بكلِّ ما هو حَسَنٌ وجميل ، ما دام القصد مِن ورائه رضا الله ، وخدمة هذا الدين الحنيف.
رابعاً : إنَّها الدراسة الأُولى في هذا الميدان ، مِن علوم الشيخ المُفيد ، ولم يَسبِق إليها أحد ولا تعرَّض لها .
تقسيم الدراسة :
تشتمل هذه الدراسة على ثلاثة أقسام :
الأوّل : عرض لمُصنَّفات الشيخ المُفيد القرآنيَّة .
الثاني : بحث لا بُدَّ منه ، في شي مِن علوم القرآن ذات الصِّلَة بالتفسير .
الثالث : دراسة في أهمِّ مَعالم منهج الشيخ المُفيد في تفسير القرآن .
المُصنَّفات القرآنيَّة للشيخ المُفيد :
حفظت لنا فهارس الكتب ، ومعاجم المؤلِّفين ، قائمةً بأسماء ما ألَّفه الشيخ المُفيد في هذا الميدان (1) ، ويتَّضح مِن عناوينها ، أنَّها استوعبت جُلَّ علوم القرآن ، كما استوعبت التفسير ومعاني القرآن ، غير أنَّ يد الزمان لم تُبقِ منها شيئاً يُذكَر سِوى هذه العناوين ، إلاَّ ما جاء مِن لَمحة مِن أحدها ، نذكرها في مَحلِّه ، وقد قسَّمنا هذه المُصنَّفات إلى مجموعتين :
الأُولى : في علوم القرآن ، وتضمّنت :
1 ـ البيان في تأليف القرآن : يُريد به جمع القرآن .
2 ـ جوابات أبي الحسن ، سبط المعافى ابن زكريَّا في إعجاز القرآن .
3 ـ الكلام في وجوه إعجاز القرآن .
4 ـ الكلام في حدوث القرآن .
5 ـ الكلام في دلائل القرآن .
6 ـ النصرة في فضائل القرآن .
الثانية : في التفسير ، وانتظمت :
1 ـ تفسير الآيات المُنزلة في أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، أو ( إمامة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) مِن القرآن).
وقد حُفِظ مِن هذا الكتاب حديث واحد ، نقله ابن طاوس في كتابه ( سعد السعود) ( 2 ) ، وقال : أخذته مِن الكرَّاس العاشر ، مِن القائمة الرابعة . ومنه نفهم أنّه كان كتاباً كبيراً ، مُرتَّباً وفق ترتيبٍ مَنهجيٍّ خاصٍّ .
2 ـ البيان عن غلط قُطْرُب في القرآن .
وقُطْرُب : هو محمد بن المُستنير ، أحد أئمَّة النحو ، أخذ عن سيبويه ، وكتابه ( معاني القرآن ) كان عليه اعتماد القرَّاء ، ولم يُسبَق إلى مِثله (3) .
3 ـ الرَّدِّ على ثعلب في آيات القرآن .
وثعلب : هو أحمد بن يحيى الشيباني ، إمام النحو وأعلم الكوفيِّين فيه ، وله في القرآن مُصنَّفات كثيرة ، منها : (معاني القرآن) و(إعراب القرآن) .
4 ـ الردّ على الجُبّائي في التفسير :
والجبَّائي : هو أبو علي محمد بن عبد الوهاب الجبَّائي ، إمام المُعتزلة ، ورأس مُتكلِّميهم ، وتفسيره موصوف بأنَّه حافل ومُطوَّل(4) ، وقد ذكره ابن طاوس(5)، وقال : هو عندنا في عشرة مُجلَّدات ، في كلِّ مُجلَّد جزوات . ونقل منه عِدَّة فقرات وردَّ عليها .
ومِن نظرة واحدة ، إلى الكُتب الثلاثة الأخيرة ؛ يُمكِن للمَرء ، أنْ يقطع بأنّها مِن أكبر وأهمِّ ما كُتب في التفسير ومعاني القرآن.
المصادر :
ــــــــــــــــــ
( * ) الفهرست لابن النديم : 252 ، 279 ، الفهرست للطوسي : 157 / 696 ، رجال النجاشي : 399 / 1067 ، معالم العلماء : 112 / 765 ، الكامل في التاريخ 9 : 307 ، سير أعلام النبلاء 17 : 344 ، ميزان الاعتدال : 4 : 26 / 8126 ، لسان الميزان 5 : 368 / 1196 ، رياض العلماء 5 : 176 ، الكُنى والألقاب 3 : 197 ، الأعلام 7 : 21 ، مُعجم المُفسِّرين 2 : 611 .
( 1 ) انظر رجال النجاشي 399 ، معالم العلماء : 114 ، مُعجم المُفسّرين 2: 611 ، الذريعة ، بحسب حروف المُعجم .
( 2 ) سعد السعود : 116 .
( 3 ) تاريخ بغداد 3 : 298 ، كشف الظنون 2 : 1730 .
( 4 ) الأعلام 6 : 256 .
( 5 ) سعد السعود : 142 .